«داعش» تتفوق على فصائل المعارضة السورية بهرمية عسكرية تسهل تقدمها على الجبهات

«مجلس عسكري» يخطط.. وأبو عمر الشيشاني يدير المعارك المتزامنة ضد أربعة خصوم

«داعش» تتفوق على فصائل المعارضة السورية بهرمية عسكرية تسهل تقدمها على الجبهات
TT

«داعش» تتفوق على فصائل المعارضة السورية بهرمية عسكرية تسهل تقدمها على الجبهات

«داعش» تتفوق على فصائل المعارضة السورية بهرمية عسكرية تسهل تقدمها على الجبهات

أبرز التخطيط الدقيق للمعارك التي أطلقها تنظيم «داعش»، الأسبوع الماضي، ضد مواقع القوات الحكومية السورية في الرقة والحسكة وريف حلب، الدور الفعال لقيادته العسكرية وغرفة عملياته التي نسقت هجمات متزامنة، واتبعت تكتيكات عسكرية وُصِفت بـ«الجديدة»، قادت إلى تقدم مقاتلي التنظيم على محور الفرقة 17 في الرقة، ومواقع أخرى في شمال وشرق سوريا.
وتزامنت تلك المعارك مع مخططات لتقدم مقاتلي «داعش» على محوري شرق حمص وشرق حماه باتجاه منطقة السلمية التي تعد أهم النقاط الاستراتيجية بالنسبة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، كونها خط الإمداد الوحيد لقواته من حمص إلى منطقة حلب، حيث يخوض معارك عنيفة ضد مقاتلي المعارضة في محاولة لاستعادة أحياء واسعة في المدينة. ودفعت تلك الخطة رئيس مجلس قيادة الثورة السورية في حلب ياسر النجار للقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن معركة التنظيم «تُدار بنظرة استراتيجية، تؤكد أن المقاتلين على الأرض يُواكبون بتخطيط دقيق من وحدة القيادة والسيطرة العسكرية في التنظيم»، مشيرا إلى أن القيادة العسكرية في «داعش» «قادرة على إدارة العمليات في مناطق واسعة، في توقيت واحد»، مستندا إلى ما أظهرته التطورات الأخيرة.
وأطلق «داعش» الأسبوع الماضي، سلسلة هجمات متزامنة على مقرات للقوات الحكومية في الرقة والحسكة وريف حلب. ويقول ناشطون، إن «داعش» أطلق هجماته على ثلاث جبهات دفعة واحدة في 24 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفا الفرقة 17 بالرقة، ومطار الطبقة العسكري في المحافظة نفسها، ومطار كويرس العسكري الواقع قرب مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. ويشير هؤلاء في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بعد 12 ساعة على المعارك، لم يحقق (داعش) أي تقدم مما دفعه للانسحاب ليل الخميس/ الجمعة من مطاري كويرس والطبقة، إلى تخوم الفرقة 17 التي تمكنوا من السيطرة عليها خلال ساعات، على الرغم من أن مقاتلي الجيش السوري الحر ومقاتلين إسلاميين كانوا حاصروا مقر الفرقة لمدة عام ونصف العام قبل سيطرة (داعش) على الرقة».
وتتيح الهرمية العسكرية في «داعش»، للتنظيم، التحرك وفق قواعد عسكرية مدروسة. ويوضح عضو الائتلاف الوطني السوري عبد الرحمن الحاج في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التنظيم عيّن مجلسا عسكريا في دولته، يتألف من قياديين عسكريين يتحدرون من عدة جنسيات «يتولى مهام التخطيط العام، بمشاركة وزير للحرب ووزير للدفاع، ويرأسهم جميعا الخليفة». وينبثق عن المجلس «قادة عسكريون في المناطق تتفرع منها قيادات إقليمية وفرعية تسمح بإدارة المعارك على هذا النطاق الواسع»، كما يقول الحاج، لافتا إلى أنه «كلما توسعت المعارك ودائرتها، تبرز تعيينات جديدة».
ويشبه المجلس العسكري في التنظيم، قيادة الأركان في الجيوش النظامية، ويتولى مهام التخطيط للسياسات العامة، فيما ينفذ الخطط قادة عسكريون إقليميون يتولون قيادة القواطع مثل «القاطع الشمالي والقاطع الجنوبي للدولة»، كما يتولى مسؤولون عسكريون المناطق الأصغر، هم بمثابة ضباط برتب قادة مناطق. ويشير الحاج، وهو خبير في الجماعات الجهادية، إلى أن قادة الأقاليم «يخططون أيضا لسير المعارك العسكرية، ويتمتعون بقدرة على المناورة الميدانية، وإدارة المعارك بمعزل عن القيادة والمجلس العسكري الذي يرسم السياسات العامة للتقدم والسيطرة»، لافتا إلى أن هؤلاء «غالبا ما يكونون من الخبراء في مجال الحروب، ويديرون العمليات العسكرية من غرف عمليات مركزية في الأقاليم التي يتولون فيها المهام».
ويتبوّأ أبو عمر الشيشاني، في هذا الوقت، موقع «القائد العسكري لبلاد الشام»، مما يجعله قائدا للعمليات العسكرية في سوريا بأكملها، ويبدو أنه المخطط الذي يدير العمليات العسكرية التي تدار حاليا في البلاد، كما يقول الحاج، لافتا إلى أنه كان قائد الهجوم على مقر مطار منغ العسكري في شمال حلب، العام الماضي.
ويتبع التنظيم استراتيجية جديدة في تقسيم الأدوار العسكرية. ويقول مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن «داعش» اتبع نظاما جديدا لخلق انسجام بين مقاتليه، إذ «جمع المقاتلين الشيشانيين في موقع واحد بريف حلب، كما جمع المقاتلين الصينيين في مدينة منبج بريف حلب الشرقي التي يسيطر عليها، كما جمع المقاتلين الجزائريين في منطقة واحدة.. وغيرهم من المقاتلين من جنسيات غير سوريا»، على الرغم من أن السوريين يتزايد عددهم بشكل كبير في صفوف «داعش».
ويخوض التنظيم قتالا ضد أربعة كيانات عسكرية في سوريا، هي النظام والكتائب الإسلامية و«جبهة النصرة»، والجيش السوري الحر إضافة إلى قوات حماية الشعب الكردي.
ويقول ناشط في دير الزور لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» تخوض أحيانا القتال على 25 جبهة دفعة واحدة في أنحاء سوريا، مما يشير إلى القدرة العالية لوحدة التخطيط والسيطرة عندها على تنظيم المعارك المتزامنة، ورسم استراتيجيات القتال بحسب الأسلحة المتوفرة، لافتا إلى أن «داعش» تمكنت الأسبوع الماضي من القتال على محور حقل الشاعر في ريف حمص الشرقي، وملاحقة فلول خصومها من الإسلاميين في دير الزور في شرق البلاد، والمناوشات مع القوات النظامية على محور مطار دير الزور العسكري، فضلا عن التقدم إلى ريف السلمية بريف حماه، والقتال في الحسكة ضد الأكراد وضد القوات الحكومية على محور مقر حزب البعث، إضافة إلى الرقة وريف حلب في معارك ضد النظام، وضد وحدات حماية الشعب الكردي في كوباني (عين عرب) بريف حلب الشمالي المحاذي للرقة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.