الروبل الروسي يعاند التقديرات ويتراجع مجدداً مع النفط

تراجع الروبل الروسي بنسبة ملموسة خلال عام 2018 أمام العملات الصعبة، وبقي على حاله هذه حتى الأيام الأخيرة من العام؛ إذ هبط مجدداً يومي أمس وأول من أمس، على خلفية تراجع أسعار النفط، وذلك رغم توفر مقومات دعم محلية كبيرة له؛ في مقدمتها الضرائب السنوية؛ الأمر الذي يعكس أن العملة الروسية تظل ضعيفة أمام العوامل الخارجية، بما في ذلك بقاؤها رهينة «الدولار النفطي» وتقلبات «البرميل» في السوق العالمية.
إلى ذلك، انخفض حجم حسابات المواطنين الروس بالعملات الصعبة حتى مستويات غير مسبوقة، في ظل استمرار المخاوف من العقوبات الغربية، والحديث عن خطة «فك الارتباط» بالدولار الأميركي، التي يظن البعض أن السلطات ستقوم ضمنها بتحويل الودائع على تلك الحسابات من الدولار إلى الروبل.
وستواجه سوق العملة الروسية منذ بداية عام 2019 مخاطر عدة في آن واحد. وهذا ما قاله خبراء روس، في تقرير نشرته وكالة الأنباء الحكومية «ريا نوفوستي». ووضع الخبراء العقوبات ضد روسيا على رأس قائمة العوامل التي باتت تؤثر بصورة مستمرة على الروبل الروسي، ومعها أشاروا إلى عوامل أخرى، مثل استئناف «المركزي» الروسي شراء العملات الصعبة من السوق، والتوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي ككل.
وتوقع المحلل المالي غيورغي فاشينكو أن يتراوح سعر الدولار العام المقبل ضمن مجال 65 - 75 روبلاً للدولار، لكن «إن لم تحدث صدمة في السوق المحلية على خلفية زيادة ضريبة القيمة المضافة» بدءاً من مطلع 2019.
ووفق معطيات في تقرير الوكالة، فقد انخفضت قيمة الروبل خلال عام 2018 بمستويات كبيرة، ومقارنة بسعر الصرف العام الماضي (2017) تراجع الروبل خلال الفترة الماضية من العام الحالي بنسبة 16 في المائة أمام الدولار، و11 في المائة أمام اليورو. ويشدد الخبراء على أن سعر الصرف بات اليوم أكثر تأثراً بالوضع الجيوسياسي، بينما تراجع تأثره بتقلبات أسعار النفط، ويدعمون وجهة نظرهم هذه بالإشارة إلى أن سعر البرميل تراجع في ديسمبر (كانون الأول) الحالي حتى 52.8 دولار، بينما سجل الدولار أعلى سعر له أمام الروبل في سبتمبر (أيلول) الماضي، حين تجاوز مؤشر 70 روبلاً للدولار.
إلا إن واقع السوق خلال اليومين الماضين كشف عن بقاء الروبل خاضعاً إلى حد كبير لتأثير تقلبات النفط، حيث أخذ سعر الصرف يتراجع بالتزامن مع هبوط سعر البرميل في السوق العالمية. وبعد أن استقر الدولار طيلة النصف الأول من ديسمبر (كانون الأول) قرب متوسط 65 - 66 روبلاً للدولار، أخذ يرتفع سعره بوتيرة متسارعة في النصف الثاني، إلى أن اقترب أمس من مؤشر 70 روبلاً.
وحسب معطيات بورصة موسكو؛ بلغ سعر الدولار بعد ظهر أمس 69.24 روبل. ويأتي هذا الانخفاض رغم توفر طلب على الروبل الروسي حاليا نظرا لاستمرار الدورة الضريبية، وتسديد الضرائب المختلفة لصالح الخزينة، وأهمها ضريبة الصادرات، حيث يضخ المصدرون مبالغ ضخمة بالعملات الصعبة في السوق لشراء الروبل واستخدامه في تسديد تلك الضريبة.
إلى ذلك، خلف الحديث عن خطة «فك ارتباط» الاقتصاد الروسي بالدولار، نتائج سلبية على «مزاجية» المواطنين الروس. ورغم تأكيد كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين، أن هذه الخطة لا تعني التخلي عن الدولار أو حظر تداوله أو حظر الحسابات المصرفية بالدولار، فإن تركيز وسائل الإعلام على تلك الخطة، بالتزامن مع استمرار الحديث حول عقوبات أميركية أكثر تشددا ضد القطاع المالي الروسي، عزز المخاوف لدى كثيرين، ودفعهم إلى سحب أرصدتهم بالعملات الصعبة من المصارف الروسية، والحكومية منها بصورة خاصة.
وقال ميخائيل زادورنوف، مدير بنك «أوتكريتي» في حديث أمس لوكالة «تاس»، إن حجم العملات الصعبة في الحسابات المصرفية للمواطنين الروس، لا يزيد حاليا على 84 أو 85 مليار دولار، وهذه، على حد وصفه، «مستويات متدنية جداً، وربما الأدنى خلال 10 سنوات». وأحال هذا الوضع إلى المخاوف من العقوبات الأميركية.
وبدأ حجم الحسابات المصرفية بالعملات الصعبة يتراجع في المصارف الروسية منذ أغسطس (آب) الماضي. حينها سحب المواطنون الروس 0.6 في المائة من المبالغ على حساباتهم المصرفية بالعملات الصعبة، واستمر «الهروب» في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وسحب المواطنون 0.7 في المائة من المبالغ في تلك الحسابات. حينها قدر «المركزي» الروسي قيمة المبالغ التي تم سحبها بما يعادل 218 مليار روبل. وعزا فاسيلي بوزديشيف، نائب مدير «المركزي» الروسي هروب الأموال من الحسابات المصرفية إلى عاملين؛ الأول مرتبط بـ«ضعف إغراء الفائدة على تلك الحسابات»، والثاني «إعلامي»، وبصورة خاصة الحديث حول احتمال تحويل المبالغ في الحسابات بالعملات الصعبة إلى الروبل الروسي. وفي وقت سابق ربط محللون من وكالة «فيتش» هذه الظاهرة بالحديث المستمر عن العقوبات الأميركية المرتقبة ضد روسيا.