تونس: تجدد الاحتجاجات ضد «العنف المفرط» للشرطة... والداخلية تحذّر

إضراب عام اليوم في جبنيانة... والسلطات تتهم التنظيمات الإرهابية بتأجيج الأوضاع

جانب من الاحتجاجات في مدينة القصرين أمس (رويترز)
جانب من الاحتجاجات في مدينة القصرين أمس (رويترز)
TT

تونس: تجدد الاحتجاجات ضد «العنف المفرط» للشرطة... والداخلية تحذّر

جانب من الاحتجاجات في مدينة القصرين أمس (رويترز)
جانب من الاحتجاجات في مدينة القصرين أمس (رويترز)

توسعت أمس رقعة الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت قبل أيام في تونس، وتجددت المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في منطقة جبنيانة، بولاية صفاقس والقصرين، قبل أن تتمدد الاحتجاجات إلى منطقة طبربة، بولاية منوبة القريبة من العاصمة التونسية. كما شهد وسط العاصمة مسيرة سلمية نظمها قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس (منظمة طلابية يغلب عليها التيار اليساري) للمطالبة بتشغيل ما يطلق عليهم في تونس «المفروزين»، وهم الأشخاص الذين منع النظام السابق انتدابهم لأسباب سياسية.
وخرجت المسيرة الغاضبة في مدينة جبنيانة، أمس، للاحتجاج ضد الاستخدام المفرط للعنف من قبل الأجهزة الأمنية ضد المحتجين، علماً بأن المدينة الواقعة بولاية صفاقس (وسط) ظلت تشهد مواجهات متكررة بين قوات الأمن والمحتجين منذ السبت الماضي، وذلك بعد وفاة شاب من الجهة خلال مطاردة أمنية، بينما كان يحاول الإفلات على دراجة نارية.
وقال الناشط الحقوقي والسياسي في المدينة بوراوي الزغيدي إن المسيرة السلمية ضمت نحو ألف شخص من ممثلي المجتمع المدني والأحزاب، وجابت وسط المدينة على الطريق الرئيسي للاحتجاج ضد عنف الأجهزة الأمنية التي «استخدمت بشكل عشوائي ومفرط الغاز المسيل للدموع، مما تسبب في حالة بلبلة واختناق في المدينة بأكملها، وأضر بجميع الأهالي. وتدخل الشرطة كان بمثابة عقاب جماعي».
وطالبت مسيرة أمس بالحد من استخدام الغاز المسيل للدموع، كما دعت إلى فتح تحقيق جدي للكشف عن ملابسات وفاة الشاب خلال المطاردة الأمنية، فيما يشتبه بعض المحتجين في الجهة في وفاته دهساً بسيارة أمنية، لكن وزارة الداخلية نفت ذلك في وقت سابق.
ورشق محتجون قوات الأمن بالحجارة، بينما حاول محتج حرق نفسه أمام مقر الشرطة أمس، لكن رجال الأمن تدخلوا بسرعة. وأضاف الزغيدي أن المدينة تستعد للدخول في إضراب عام اليوم، في خطوة احتجاجية تصعيدية جديدة.
وتخشى الحكومة من توسع رقعة الاحتجاجات بسبب تعثر المفاوضات مع النقابات حول عدد من الملفات العالقة، خصوصاً في قطاع التعليم الثانوي، وقطاع المحاماة بسبب ما تضمنه قانون المالية للسنة المقبلة. علاوة على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تأججت أكثر إثر إقدام مصور صحافي على حرق نفسه في القصرين، ومقتل الشاب في منطقة جبنيانة بعد مطاردة رجال الأمن له، وتهديد الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بتنفيذ إضراب عام عن العمل في 17 من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وفي محاولة لتخويف الناس من الاستمرار في ركوب موجة الاحتجاجات الاجتماعية، حذرت وزارة الداخلية من «تداول أي أخبار مغلوطة، أو صور أو فيديوهات قديمة أو منشورات زائفة، يتم ترويجها على أنها تحركات احتجاجية وأعمال شغب بغاية التحريض على الفوضى وزعزعة الأمن العام»، حسب بلاغ أمني صادر عنها. وأكدت الوزارة عودة الهدوء تدريجياً إلى المناطق التي شهدت الاحتجاجات، وأن الوحدات الأمنية لا تزال متمركزة في المناطق التي تعرف توترات، بهدف متابعة تطورات الوضع الأمني.
وفي محاولة لتهدئة غضب الشارع، تدخل القضاء ليؤكد أن وفاة المصور الصحافي عبد الرزاق الرزقي، الذي يقول محتجون إنه أقدم على حرق نفسه احتجاجاً على ظروفه الاجتماعية الصعبة، تمت «في ظروف غامضة»، معلناً إلقاء القبض على شاب من مدينة القصرين، قال إنه يعتبر المشتبه به الرئيسي في حرق المصور الصحافي، ووجه له تهمة «القتل العمد وجريمة الامتناع عن إتيان المحظور».
وأوضحت صور تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي أن النيران اندلعت في جسد المصور الصحافي من الخلف، وهو ما رجح إمكانية إشعال أحد المحتجين النار في جسد المصور الصحافي بهدف استعادة حادثة احتراق محمد البوعزيزي، مؤجج الثورة التونسية نهاية 2010، وبهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية المتدهورة في المنطقة في الوقت الحالي، حسب تصريحات بعض رجال الأمن.
وأشارت تقارير أمنية إلى وجود بعض الغرباء في الأحياء الشعبية لمدينة القصرين، الذين اتهمتهم باستغلال موجات الاحتجاج للهجوم على مقرات الأمن، خدمة للتنظيمات الإرهابية المتربصة بأمن المدينة، التي تتخذ من الجبال المحيطة بالقصرين مقراً لها. وجاء هذا الاتهام بعد أن شهد الشارع الرئيسي لمدينة القصرين مواجهات ليلية بين المحتجين وقوات الأمن، حيث رشق المحتجون وحدات الأمن بالحجارة، فيما رد أعوان الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وكانت «حركة السترات الحمراء» في تونس، وهي حركة تحاول نقل احتجاجات «السترات الصفراء» الفرنسية إلى تونس، قد أكدت في منتصف الشهر الحالي إعدادها لإطلاق تحركات اجتماعية سلمية ضد سياسة الحكومة الاجتماعية في بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل. ولذلك قامت السلطات الأمنية بحملة ضد السترات، حيث حجزت نحو 52 ألف سترة حمراء وصفراء آتية من الصين، واتهمت أحد رجال الأعمال في مدينة صفاقس باستيرادها، والتحضير لتوزيعها على المحتجين خلال الفترة المقبلة.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.