موجة تلاسن جديدة بين نتنياهو وإردوغان

على خلفية قلق إسرائيل من التقارب الأميركي ـ التركي

TT

موجة تلاسن جديدة بين نتنياهو وإردوغان

أعرب مسؤول إسرائيلي عن شعور سائد في تل أبيب بالقلق من التقارب الشخصي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والتركي رجب طيب إردوغان. ولم يستبعد هذا المسؤول، في حديث مع هيئة البث الرسمية الإسرائيليّة («كان»)، أمس، أن تكون موجة التلاسن القاسي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإردوغان، انفجرت على خلفية هذا القلق.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن إردوغان يملك تأثيراً متزايداً على ترمب، وقد بات واضحا أن قرار ترمب بالانسحاب الأميركي من سوريا، مخالفاً قادته العسكريين وحلفاءه، بعد اتصال هاتفي بإردوغان وبتأثير مباشر منه. وادعى أن ترمب قال لإردوغان، خلال تلك المكالمة: «سوف أترك لك سوريا كلها وأنسحب». وأكد أن هذا الموقف لم يكن بمثابة نزق على طريقة ترمب المعروفة، بل موقف مدروس سلفا يدل على أن هناك تغييراً حقيقياً في الاستراتيجيّة الأميركيّة في المنطقة، وأن إردوغان، على ما يبدو، هو الصديق الجديد لترمب فيها. ولفت مسؤول إسرائيلي آخر إلى أن ترمب، وفق ما أعلن حتى الآن، أحاط نتنياهو وإردوغان فقط من بين المسؤولين في المنطقة بنيته الانسحاب من سوريا، التي فاجأت الفاعلين في الملفّ السوري من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها، وقادت لاستقالة وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، من منصبه.
وكان إردوغان ونتنياهو قد جددا موجة التراشق الكلامي بينهما، بشكل مفاجئ، أول من أمس الأحد. فقد استغل إردوغان ظهوره أمام الاجتماع الثالث للجمعية العامة لشباب تركيا في إسطنبول، ووجه انتقادات شديدة اللهجة إلى الحكومة الإسرائيلية ونهجها الاحتلالي للأراضي الفلسطينية، قائلا: «اليهود في إسرائيل يقومون بركل الناس وهم على الأرض، الركل والاعتداء ليس على الرجال بل على النساء والأطفال عندما يتم إسقاطهم أرضا، لكننا، كمسلمين، سنواجه اليهود وإذا كانت لديهم الشجاعة لمواجهتنا سنلقنهم درسا». وقد رد عليه نتنياهو، باتهام الجيش التركي بأنه يرتكب مجزرة بحق الأكراد. وقال نتنياهو إن إردوغان يعاني من «هاجس الشعب الإسرائيلي، لأنه يعرف ما معنى الجيش الأخلاقي وما هي الديمقراطية، مقابل جيش يرتكب مجزرة بحقّ الأكراد». كما اتهم نتنياهو إردوغان بأنه «معادٍ للساميّة».
وانخرط في الصراع وزير الخارجيّة التركيّ، مولود جاويش أوغلو، الذي، قال: «نتنياهو، قاتل بدم بارد في العصر الحديث، ومسؤول عن مقتل آلاف الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني». وأكد الوزير التركي أن بلاده لن تتوقف عن كشف الحقائق، مبينا أن نتنياهو قصف الأطفال الفلسطينيين وهم يلعبون في الشواطئ. كما زود جاويش أوغلو تغريدته بصور لرموز المقاومة الفلسطينية، مثل الطفل فوزي الجنيدي الذي تعرض للاعتقال من قبل عدد من الجنود الاحتلال والشهيد المقعد فادي أبو صلاح. ورد نتنياهو: «إردوغان، الذي يحتل شمالي قبرص، وجيشه يرتكب مجازر بحقّ النساء والأطفال في القرى الكرديّة داخل تركيا وخارجها، لا يعلّم لإسرائيل ما هي الأخلاق». وقد دعا بعض الوزراء والنواب إلى قطع العلاقات تماما بين إسرائيل وتركيا، لكن وزير الطاقة في حكومة نتنياهو هب يرفض الفكرة ويحذر من تبعاتها، وقال إن إسرائيل تقيم علاقات اقتصادية ضخمة مع ترميا ولا يجوز لها أن تمس بها لأي سبب كان. وأضاف: «مررنا بأزمات أخطر مع تركيا لكننا لم نقحم السياسة في الاقتصاد. فهذا موضوع آخر، وقد تصرفنا هكذا في الماضي أيضا، مع تركيا وحتى مع مصر والأردن. فقد هاجمونا بشراسة ولكننا لم نقطع العلاقة».
جدير بالذكر أن نتنياهو سيلتقي، في الأسبوع المقبل، بوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لبحث الانسحاب الأميركي من سوريا، بحسب ما نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين. وسيجري اللقاء في العاصمة البرازيليّة، برازيليا، على هامش تنصيب الرئيس البرازيلي الجديد، جايير بولسونارو.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.