«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

نتائج متضاربة بين الأبحاث التسويقية والرصينة

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي
TT

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

هل تشعرون بالحيرة حول ما يجب أن تأكلوه وتشربوه لحماية صحتكم؟ هذا الأمر ليس مفاجئاً، فبعد عقود من النصائح الغذائية المدعّمة بالأبحاث الداعية للتقليل من استهلاك الدهون المشبعة لتقليص خطر الإصابة بأمراض القلب والجلطات الدماغية، خرجت دراسة وصفية جديدة شملت 136384 شخصاً في 21 دولة، لتربط استهلاك الدهون الكاملة (المشبعة) ومنتجات الألبان بتراجع خطر الموت الناتج عن أمراض القلب!
- نتائج متضاربة
ولكن لا شكّ أنّ أحداً لا يمكنه أن يقول لكم ما تخبئه هذه النتائج المفاجئة خلفها، أو أن يسمح لكم بإضافة القشدة إلى قهوتكم، والحليب الكامل الدسم إلى وعاء حبوب الفطور دون إجراء مراجعة تفصيلية لكلّ دراسة شملها هذا التحليل الإحصائي، لأن هذه الدراسة قد تعني ببساطة أنّ تناول ما يعادل ثلاث حصص غذائية من منتجات الألبان في اليوم هو أمر صحي، وليس تناول الدهون المشبعة بحدّ ذاتها.
الحذر واجب دائماً، خاصة وأنّ دراسة أخرى حديثة تضمّنت تجربة إكلينيكية (عيادية) عشوائية، وجدت أن ثلاثة أسابيع من النظام الغذائي المشبع بالدهون سببت زيادة في دهون الكبد ومقاومة الإنسولين أعلى بكثير من تلك التي تسببها الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر أو الدهون غير المشبعة. أو لعلّكم أيضاً انجررتم خلف الحماس السائد لتناول عصير الرمان الذي بات يعرف كغذاء ممتاز غني بمضادات الأكسدة... إلا أنّنا علمنا من كتاب صدر حديثاً أنّ هذا الدليل الذي يروّج للحصول على صحة أفضل بواسطة هذا العصير الباهظ يعتمد بشكل رئيسي على بحث مموّل بـ20 مليون دولار من قبل شركة تجارية.
في هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان «الحقيقة المرّة: كيف تشوّه الشركات الدعائية علم غذائنا»، أشارت ماريون نستله، أستاذة محاضرة بالتغذية والدراسات الغذائية والصحة العامة في جامعة نيويورك، إلى أن «الرمّان قد يتمتّع فعلاً بنشاط فعال في مقاومة الأكسدة»، ولكنّها تعود وتسأل «مقارنة بماذا؟» هل هو أكثر فائدة من العنب (الفاكهة الأرخص ثمناً)؟
من جهتها، ردّت شركة «بوم واندرفول» التي تصنع عصير الرمان، بأنّ مقارنة الفوائد الصحية لمنتجها بعصائر أخرى ليس هدفاً رئيسياً لبرنامجها البحثي الشامل. وبدورها سألت الباحثة الشركة: «في حال كان ما تبيعونه مفيداً حقاً للصحة، لماذا لا تكون المقارنة هي هدفكم الأول؟»
والجواب هو، بحسب بحث الأستاذة نستله المطوّل، أنّ خلاصة البحث فقط هي التي تمثل المصلحة غير المعلنة لغالبية الأبحاث الممولة من قبل الشركات التجارية. واعتبرت الأستاذة في إحدى المقابلات التي أجرتها «هذه أبحاث تسويقية، وليست علمية». فلا يهمّ ما إذا كان الطعام موضوع البحث صحياً فعلاً، كالتوت والأفوكادو، أو ما إذا كان محمّلاً بالسعرات الحرارية الناتجة عن الدهون والسكريات والنشويات المكررة المضرّة بالصحة.
- تحليل وتقييم
وبعد أن اعتبرت أنّ البحث الغذائي، وخصوصاً الممول من جهات تجارية، يتطلّب تحليلاً حذراً، اقترحت الأستاذة نستله مقاربة أي منطلقات حكيمة يمكن للمستهلكين اعتمادها: «عندما أقرأ دراسات تروّج لفوائد نوعٍ واحدٍ من الغذاء، أسعى لمعرفة ثلاثة أشياء: ما إذا كانت النتائج ممكنة من الناحية البيولوجية؛ وما إذا تحكّمت بالدراسة عوامل غذائية أو سلوكية أو حياتية أخرى من شأنها أن تؤثر على النتائج؛ ومن هي الجهة التي موّلت هذه الدراسة».
على سبيل المثال، قادت صناعة المشروبات الغازية، دراسة مارست فيها شركة كوكا كولا نفوذاً كبيراً لنسف مساهمة المياه الغازية الغنية بالسكر في انتشار وباء السمنة في الولايات المتحدة. فقد موّلت الشركة دراسة حول سمنة الأطفال، خلصت أخيراً ودون البحث في رابط محتمل بين زيادة الوزن والمشروبات السكرية الخفيفة، إلى أن قلّة الحركة البدنية واضطرابات النوم ومشاهدة التلفاز لساعات طويلة كانت العوامل الأبرز المسببة لهذه السمنة. ولإضفاء المزيد من المصداقية على هذه النتائج، أدرجت كوكا كولا مشاركة علماء جامعيين حققوا أرباحاً مالية مقابل مشاركتهم في هذا البحث.
تشكّل معضلة «من الذي موّل الدراسة» صلب الموضوع في كتاب الأستاذة نستله، خاصة وأنّه سؤال جوهري يجب طرحه، ليس في موضوع الغذاء فحسب، بل أيضاً في مواضيع أخرى كالأدوية، والمكملات الغذائية، وأنظمة التمارين الرياضية ومنتجات وخدمات أخرى قد تؤثر أو لا تؤثر على صحة المستهلكين.
من جهة ثانية، يجذب تضارب مصالح قائمة أو محتملة، وعوامل أخرى من شأنها أن تؤثر عمداً أو دون قصد على نتائج البحث، اليوم انتباه الرأي العام بشكل متزايد. ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، تخلّى مدير البحث العيادي في مركز «ميموريال سلون كيترينغ» للسرطان Kettering Cancer Center عن منصبه بعد عجزه عن التصريح عن ملايين الدولارات التي تلقاها من الشركات المنتجة للأدوية المخدرة التي شكلت موضوع بحثه. وكان تحقيق أجري في هذه القضية قد كشف أنّ المدير أضاف ملاحظات إيجابية على نتائج وجدها باحثون آخرون، ناقصة.
وفي سبتمبر أيضاً، تحدّث مقال نشر في قسم «آبشوت» في صحيفة نيويورك تايمز عن نوع آخر من التضارب في التبليغ عن اختبارات الأدوية، وما تنشره الدراسات (النتائج الشديدة السلبية لا تخرج إلى النور)، وكيف يصار إلى عرض نتائجها، والتلاعب بالخلاصات السلبية أو غير الواضحة بشكل يضفي عليها إشارات إيجابية. وغالباً ما ينتهي أمر هذه التجاوزات بالطمر بعد استعانة باحثين آخرين بهذه النتائج مرّات كثيرة ومتكررة.
- تأثير الشركات المدمر
وقالت الباحثة نستله: «أثبتت خمسون عاماً من البحث تأثير الشركات المصنعة للدواء على سلوك الأطباء. إذ يكفي تقديم المناديل أو الأقلام المطبوعة باسم العلامة التجارية لإحدى الشركات لدفع الأطباء إلى تجاهل علامة منافسة أو مؤثرة».
في المقابل، أكدت نستله وجود آلاف الدراسات التي تناولت موضوع تضارب المصالح في الأبحاث الدوائية، مقابل 11 دراسة فقط ركزت على تأثير التمويل التجاري على نتائج الأبحاث المتعلقة بالغذاء المرتبط بالصحة.
وتوثق نستله في كتابها كيف أصبحت الجهات التجارية الممولة شريكة في منظمات يعتمد عليها الناس، أو حتى صحافيون متخصصون في العلوم، للحصول على تقييم غير منحاز لنتائج البحث. ووجدت أيضاً أنّ الخبراء في المنظمات أو اللجان التي تصيغ النصائح الصحية للعامة حتى يمكن أن يرضخوا للتأثيرات التجارية.
وأخيراً، أشارت الباحثة إلى وجود تضارب كامن في قلب وزارة الزراعة الأميركية مثلاً، التي تتمتع بصلاحيتين متعارضتين. فهذه الوكالة التي يفترض بها أن تدعم إنتاج جميع أنواع المنتجات الزراعية ومنها اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان إلى جانب الفواكه والخضراوات، تشارك في الوقت نفسه وزارة الصحة والخدمات البشرية في صياغة الإرشادات الغذائية الوطنية والشروط الغذائية للوجبات المحضّرة في المدارس وغيرها من برامج التغذية العامة.
- تعاون «مشبوه» بين الشركات والجامعات
> يمكن لنتائج الدراسات أن تضلل المستهلكين، وخصوصا عندما تصدر عن مؤسسة مرموقة أو هيئة متخصصة. وترى نستله أنّ هذا النوع من الجمعيات يجب أن يبدي اهتماماً أكبر لمسألة تضارب المصالح للحيلولة دون اتهامها بالترويج للعلم التضليلي.
واستشهدت نستله بدراسة ممولة من إحدى الشركات أجريت عام 2015 في جامعة ماريلاند حول منتج «فيفث كوارتر فريش»، حليب بالشوكولا، خال من الدسم يحتوي على الفيتامينات و42 غراماً من السكر.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تُعرض أو تنشر في أي دورية مهمّة، ادعى بيان صادر عن الجامعة أن الشراب قد يزيل تأثير الارتجاجات الدماغية التي يتعرض لها طلاب المدارس الثانوية جرّاء الوقوع أثناء لعب كرة القدم. وبعد الانتقادات التي تعرّضت لها على خلفية السقوط الأخلاقي، اضطرت الجامعة إلى إرجاع ما يقارب 230 ألف دولار أميركي للجهات التجارية الراعية.


مقالات ذات صلة

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

الاقتصاد فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

سيطرت السياسة على نقاشات قمة توفير الغذاء ومحاربة الجوع في أسبوع الغذاء العالمي الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

هبة القدسي (أبوظبي)
المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
TT

«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين

صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية

لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.

حوار مع علماء فلسطينيين

ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.

وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).

د. أسيد السر

من فلسطين الداخل... نحو هارفارد

* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.

وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».

في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.

وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.

كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.

د. وفاء خاطر

فيزيائية بجامعة بيرزيت

* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.

أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».

والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».

وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.

وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.

مرصد جامعة بيرزيت

وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».

حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.

التدريس عن بُعد في الضفة الغربية

بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.

أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.

د. ضحى البرغوثي

طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية

ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.

كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.

في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.

بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.

في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».

بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.

د. رامي مرجان (الى اليسار)

مركّبات جديدة مضادة للسرطان

* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».

يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.

«غزة أجمل مكان في وطني»

تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.

وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.

واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً