شعراء يولدون بعد الموت

شعراء يولدون بعد الموت
TT

شعراء يولدون بعد الموت

شعراء يولدون بعد الموت

غالباً ما يكون الأمر هكذا. شعراء، يموتون في الحياة وشعراء يولدون بعد الموت، ثم لا يموتون أبداً. في القرن التاسع عشر، قتلوا ذلك الشاعر العذب جون كيتس. كان ينتظر منهم كلمة اعتراف واحدة بشعره، لكنه لم يحصل عليها قط. تعبت رئتاه اللتان كانتا لا تتنفسان إلا شعراً. حلّ السل، ذلك المرض الانفعالي الذي قتل كثيراً من المرهفين، محل الشعر، وقتله بعد قتل النقاد وهو في السادسة والعشرين من عمره. لم يرثه أحد سوى صديقه بيرسي شيللي في قصيدته الخالدة «أدونيس».
ومنذ ذلك التاريخ البعيد، 1821، حتى الآن، بعد قرابة القرنين، وهو يزداد قوة، حتى أصبح من أكثر الشعراء الإنجليز دراسة ونقداً.
ولم يكن شيللي نفسه أحسن حالاً. فلم ينل في حياته القصيرة، التي لم تتجاوز الثلاثين عاماً (1792 - 1822) الاعتراف الذي يستحقه رغم ملاحمه الخالدة «ثورة الإسلام» و«بومثيوس طليقاً» و«أغنية إلى قبرة»، التي لا تزال تشكل عقداً فريداً في الشعر الإنجليزي.
لم ينصف أحد شيللي في حياته، لكن قوته عرفت زخماً نادراً بعد رحيله، فهيمن شعره على أربعة أجيال من شعراء بوزن روبرت براوننغ، وغابريل روسيتي، وتوماس هاردي. وامتد تأثيره الفكري والتنويري إلى روائيين وفلاسفة مثل برتراند رسل في بريطانيا، وليو تولستوي في روسيا.
وفي ألمانيا، وفي الفترة نفسها تقريباً، دفع عرّاب الثقافة آنذاك، وفي مقدمتهم غوته، ذلك الشاعر الجميل فريدريك هولدرلين (1843 - 1770) إلى الجنون، فقضى ثلاثين سنة كاملة في مستشفى الأمراض العصبية. ولم يتم الاعتراف والاهتمام به إلا في القرن العشرين، وبخاصة بعدما نشر عنه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر دراسة بعنوان «هولدرلين وماهية الشعر». ويرى بعض الدارسين أن أثر هولدرلين يمكن تلمسه حتى في «الكينونة والزمن»، كتاب هايدغر الأكبر تأثيراً في فلسفة القرن العشرين. أمثلة قليلة على آلاف الحالات المشابهة في التاريخ الأدبي عبر القرون، حين تهيمن اعتبارات غير أدبية على أحكامنا، وتتشوه أذواقنا، ويعلو الضجيج على الأصوات الحقيقية، التي تبدع في الصمت والوحدة، مسكونة بالشعر وحده.
السياب ينتمي إلى هذه الفئة، التي لا تتجلى ماهيتها الحقيقية إلا في الشعر، وعلينا ألا نحكم عليها، كما فعلنا حين كان السياب حياً فظلمناه لحد الإعدام، سوى بأحكام الشعر، فلم يكن الرجل يجيد سواه. وبسبب الشعر وحده هو باقٍ بيننا، أقوى مما كان حياً. وبعد أكثر من خمسين سنة على رحيله التراجيدي شبه وحيد عن 38 سنة، نستطيع أن نقول إنه يزداد قوة كلما تقدم الزمن. إنها قوة الشعر.
زيارتان

منذ خمسٍ وعشرين سنة
زارني السيّاب
وهو يحملُ أطرافه فوق ظهرهِ
قبلني في جبيني
ثم طار في غرفتي طويلاً
مترنحاً بين البابِ والقفص
وأمس مساء،
وبعد خمسٍ وعشرين سنة،
جاءني راكضاً بأطراف قوية
ما مسها موتْ.
نام إلى جانبي،
ثم مدّ لسانه الطويل
وقال لي:
أنت أيها المنافق... يا أخي!
ألم تخضّر جثتك بعد؟
(1989)



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».