صحوة كبرى للفن السابع في باكستان خلال 2013

إقبال واسع على أفلام عمليات قوات الأمن ضد الإرهابيين والمسلحين

ملصقات الأفلام الرومانسية تنتشر في الشوارع والأسواق الباكستانية
ملصقات الأفلام الرومانسية تنتشر في الشوارع والأسواق الباكستانية
TT

صحوة كبرى للفن السابع في باكستان خلال 2013

ملصقات الأفلام الرومانسية تنتشر في الشوارع والأسواق الباكستانية
ملصقات الأفلام الرومانسية تنتشر في الشوارع والأسواق الباكستانية

دخلت صناعة السينما الباكستانية في غيبوبة على مدى عقود طويلة شهدت حالة من الركود لهذه الصناعة الكبيرة. غير أن عام 2013 شهد صحوة كبيرة للفن السابع في باكستان، بإنتاج مجموعة من الأفلام التي حققت شهرة واسعة.
وقد حقق فيلم «وار» (أو «الهجوم» حسبما تعنيه الكلمة في اللغة الأوردية) نجاحا باهرا، واحتل الصدارة في شباك التذاكر. وتتناول أحداث الفيلم قصص عمليات قوات الأمن الباكستانية ضد الإرهابيين والمسلحين في السنوات العشر الأخيرة من «الحرب على الإرهاب». وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، قال أحد منتجي الفيلم إن فيلم «وار» يعكس أحداث حقيقية، كما يجمع ويسرد الأحداث المختلفة والعمليات التي نفذتها قوات الأمن الباكستانية في مناطق مختلفة من البلاد.
فعلى سبيل المثال، يبدأ الفيلم بتقديم صورة تعكس الأحداث التي يرتكز إليها الغرض الأساسي للعملية الأمنية التي نفذتها قوات الأمن الباكستانية في شمال البلاد لتأمين عملية تحرير مهندس صيني كان قد جرى احتجازه من قبل المسلحين القبليين. وعلى نحو مماثل لما حققه فيلم «وار»، استطاع فيلم آخر حمل عنوان «بول» (أو «تكلم» حسبما تعنيه الكلمة في اللغة الأردية)، الذي جرى عرضه في بداية عام 2013، اجتذاب عدد كبير من الجمهور الباكستاني.
وقد أنعشت النجاحات التي حققتها الأفلام المذكورة الآمال في أن صناعة الأفلام الباكستانية ستستطيع الخروج من حالة الركود، التي عانت منها طوال السنوات الماضية.
وعلى مدار ما يقرب من عقدين من الزمان، شهدت صناعة السينما الباكستانية حالة من التراجع المتواصل، التي أرجعها الكثيرون لمجموعة من الأسباب، من بينها انعدام التمويل من القطاع الخاص، وغياب الأطر الفنية المدربة وسيطرة الأفلام الهندية على دور السينما الباكستانية.
ويقول ساردار شهاب، ناقد سينمائي باكستاني يكتب في كثير من الصحف المحلية: «بقيت صناعة السينما الباكستانية تعاني الاحتضار على مدار سنوات طويلة حتى الآن.. وفي تلك الأثناء كانت الأفلام الهندية تغزو الشاشة الفضية الباكستانية في وقت لم يشعر فيه أحد بالحاجة إلى إحياء صناعة السينما في باكستان».
ويشير نقاد السينما الباكستانيون إلى أن عام 2010 كان الأسوأ في تاريخ السينما الباكستانية، حيث جرى إنتاج سبعة أفلام، ستة منها لم تحقق النجاح المطلوب، وهذا ما سبب إحباطا كبيرا للجمهور الباكستاني الذي عزف عن مشاهدة تلك الأفلام. يقول نقاد سينمائي: «هذا العام كان أفضل حالا، حيث كان هناك 14 فيلما في انتظار العرض في 2012، وتحمل جميعها، على أقل تقدير، طابع التشويق».
وعندما نفذت حركة طالبان سلسلة من الهجمات ضد دور السينما في عام 2009، وأدى ذلك على التوقف الكامل لصناعة السينما في البلاد، عزف صناع السينما الباكستانية عن الاستمرار في العمل على مدى عدة أعوام، وكان السبب الرئيس وراء ذلك هو توقف التمويل من القطاع الخاص.
وقد شهدت مدينة لاهور، مركز صناعة السينما في باكستان، سلسلة من التفجيرات الانتحارية والهجمات الإرهابية (استهدف بعضها دور السينما واستوديوهات تصوير الأفلام)، وهو ما أدى إلى التوقف التام لصناعة السينما في باكستان.
ويشير ساردار شهاب إلى أن «صناعة السينما الباكستانية شهدت حالة الركود بسبب وقوعها بين سندان طوفان الأفلام الهندية ذات الجودة العالية الذي أغرق السوق الباكستانية، ومطرقة الهجمات الإرهابية التي شنتها حركة طالبان ضد دور السينما».
وقد حازت الأفلام الهندية شعبية كبيرة في المجتمع الباكستاني منذ ثمانينات القرن الماضي، لا سيما بعد أن بدأ الباكستانيون مشاهدة تلك الأفلام عبر أجهزة الفيديو كاسيت.
حتى سبعينات القرن الماضي، كان في باكستان صناعة سينما نابضة بالحياة تنافس نظيرتها الهندية. وخلال فترة ازدهار السينما الباكستانية، جرى إنتاج مجموعة من أفضل الأفلام الروائية الطويلة التي تعالج قضيا اجتماعية، غير أنها تخلفت بعد ذلك عن ركب صناعة السينما في العالم، بعد أن قبضت الحكومة الباكستانية يدها عن تمويل الأفلام، والأدهى أنها فرضت بعض القيود الثقافية على مجال الإنتاج السينمائي في ثمانينات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، لم تقم للسينما الباكستانية قائمة، بيد أن المؤسسات الإعلامية الكبيرة في باكستان قامت خلال الأعوام القليلة الماضية بمحاولات لإحياء صناعة السينما، من خلال إنتاج بعض الأفلام المشوقة، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.
يقول ناقد سينمائي إن «المؤسسات الإعلامية قامت بمحاولات لإحياء صناعة السينما، لكنها كانت ضعيفة جدا، لأن إنتاج فيلم واحد خلال أربعة أعوام لن يساعد أبدا في إحياء تلك الصناعة المهمة. وعلى الجانب الآخر، يجري عرض أربعة أفلام هندية جديدة شهريا على شاشات السينما الباكستانية». وفي عام 2006، جرى تخفيف الحظر، الذي فُرض على دخول الأفلام الهندية إلى باكستان، بعد تحسن العلاقات بين الهند وباكستان بفضل الحوار الذي ركّز على تحسين العلاقات الثقافية والاتصالات بين شعبي البلدين. ويقول مسؤول رفيع المستوى في وزارة الشؤون الثقافية الباكستانية: «في عام 2006، قررت الحكومة الباكستانية السماح بدخول ثلاثة أفلام هندية للعرض في دور السينما كل شهر».
ومنذ أن رفعت الحكومة الباكستانية الحظر المفروض على الأفلام الهندية، شهدت ثقافة السينما في البلاد حالة من الانتعاش لا بأس بها. ويعتقد الخبراء أن الأفلام الهندية ستساهم في إحياء الثقافة السينمائية في باكستان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».