حديقة حيوان الجيزة الشهيرة بمصر في مرمى المظاهرات

تأثرت بأحداث العنف.. وقنابل الغاز تهددها بالاختناق

زوار توافدوا على الحديقة رغم سخونة الأحداث («الشرق الأوسط»)
زوار توافدوا على الحديقة رغم سخونة الأحداث («الشرق الأوسط»)
TT

حديقة حيوان الجيزة الشهيرة بمصر في مرمى المظاهرات

زوار توافدوا على الحديقة رغم سخونة الأحداث («الشرق الأوسط»)
زوار توافدوا على الحديقة رغم سخونة الأحداث («الشرق الأوسط»)

لم تكد حديقة حيوان الجيزة بعمرها الذي جاوز القرن، تتنفس الصعداء بعد فض اعتصام أنصار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بميدان النهضة المتاخم لها، حتى عاودها الإجهاد أخيرا جراء المواجهات الأمنية لطلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة، واستخدام الغاز المسيل للدموع بكثافة في تفريقها. وهي الكلية التي يقع مبناها لصيقا للحديقة مباشرة.
صدى المظاهرات والغاز انعكس على حيوانات الحديقة، التي لم تتعود هذا النوع الحاد من الفوضى، البعيد عن مشاكسات الزوار وضجيجهم الشفيف، الذي أصبح يؤنس الحيوانات في أماكنها، بل إن بعضها أصبح يبادل الزوار مهارات اللعب، ويستجيب لإشاراتهم المرحة من بعيد.
يقول عم حسين، أحد حراس الحديقة: «للأسف نحن في بلد آخر ما تهتم به هو الإنسان، فهل يعقل أن تنتفض وتهتم لصحة الحيوان؟! الزوار أصبحوا لا يأتون لمشاهدة الحيوانات كالسابق، بل أصبح كل همهم أن يجدوا في الحديقة مرتعا يقضون فيه ساعات النهار وسط الحدائق والشلالات وآخر النهار يعودون لبيوتهم».
يضيف عم حسين: «الغاز المسيل يصل بنسبة ضئيلة جدا للحيوانات، ومع ذلك يؤثر عليها ويؤدي إلى اختناق بعضها، في حين لا يلتفت أحد لخطورة هذا، وأثره من ناحية أخرى على صورة مصر أمام العالم على اعتبار أن الحيوانات لا تلقى المعاملة اللائقة في واحدة من أهم حدائق الحيوان بالعالم».
وبينما تمشي وتتجول داخل الحديقة التي تصل مساحتها إلى ما يقارب 80 فدانا تشاهد جداول مائية وكهوفا بشلالات مائية وجسورا خشبية، وبحيرات للطيور المعروضة وما يقرب من ستة آلاف حيوان من نحو 175 نوعا، بينها أنواع نادرة من التماسيح والأبقار الوحشية.
وداخل رواق طويل - إلى حد ما - يطالعك مبنى إدارة الحديقة الواسعة، تدخله من باب خشبي صغير، داخله مكتب أنيق جدا، يجلس عليه د. نبيل صدقي مشرف عام الحديقة الذي بدأ كلامه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «المشكلة الأساسية هي في تهويل منظمات حقوق الحيوان للقضية برمتها، ففي بادئ الأمر بدأوا بالترويج لحادثة الزرافة التي ماتت داخل الحديقة على أنها انتحار قبل أن يطلعوا على تقارير اللجان الثلاث المنتدبة للتحقيق في الحادث، وهي اللجنة الفنية واللجنة القانونية ولجنة الخبراء، التي انتدبت بعلم وزارة الزراعة، ثم أخيرا بدأوا في الترويج للغاز المسيل الذي تستخدمه قوات الأمن في تفريق مظاهرات جامعة القاهرة، وقالوا إنه يؤدي إلى اختناق الحيوانات، في حين أنه لم تظهر حالة اختناق واحدة حتى الآن. وقد قمنا تحسبا لهاذ الاحتمال بنقل كل الحيوانات للجهة الأخرى البعيدة عن المظاهرات لتجنيبها الغاز المسيل الذي من شأنه أن يؤثر على صحتها».
ويوضح مشرف عام الحديقة قائلا: «الحديقة تتبع لائحة الاتحاد الأفريقي لحدائق الحيوان الذي انضممنا إليه في عام 2009 بعد أن تأكدوا من تطبيقنا اللوائح بشكل دقيق جدا، ويأتي منه مفتشون كل 6 أشهر للاطمئنان على الحالة العامة للحيوانات وطريقة معاملتهم وفقا لتلك اللوائح، ونسعى حاليا للانضمام إلى الاتحاد الدولي ونقوم باتصالات مباشرة في هذا الصدد».
يرجع إنشاء حديقة حيوان الجيزة إلى عام 1891 وكانت تسمى آنذاك «جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا»، وهي تعد أكبر حدائق الحيوان في مصر والشرق الأوسط، وبها مجموعات نادرة من الحيوانات والطيور والزواحف الحية والمحنطة، التي كانت وما تزال إحدى علامات الحديقة التاريخية بامتياز.
ورغم هواجس تبديها منظمات حقوق الحيوان في مصر والعالم القلق حول صحة الحيوانات التي تواجه ظروفا صعبة بالحديقة ويحاصرها الغاز المسيل للدموع المستخدم في اشتباكات بين متظاهري جماعة الإخوان وقوات الأمن أكدت د. سارة مكاوي، طبيبة بيطرية تعمل بالحديقة، لـ«الشرق الأوسط» أن الغاز يؤثر بشكل كبير على صحة الحيوانات، قائلة: «لا جدال في أن الغازات المسيلة التي تستخدمها قوات الأمن في تفريق مظاهرات طلاب الإخوان تؤثر وبشكل كبير على صحة الحيوانات، وتؤدي إلى اختناقها، بل من الممكن أن تؤدي إلى نفوقها في بعض الأحيان وهو ما لم يحدث حتى الآن، نظرا لقرار مشرف الحديقة نقل معظم الحيوانات إلى الجهة البعيدة عن المظاهرات حتى نقلل كمية الغاز الذي يطالها، ولكن يظل الحل الجذري يكمن في منع المظاهرات في هذا المكان الحيوي من الأساس».
ويظل القلق يطاردك وأنت تتجول بالحديقة، وتنظر لوداعة الحيوانات والطيور، وتتأمل بأسى حركتها التي افتقدت الكثير من الحيوية والبهجة المعتادين.. وتودعها في النهاية، بينما هي تنتظر بقلق غيمة من قنابل الغاز، قد تمطر سمومها على أوكارها الهادئة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».