عندما أوشكت تشيلي أن تبيع جزيرة الفصح للنازيين

حسب كتاب صدر حديثاً

عندما أوشكت تشيلي أن تبيع جزيرة الفصح للنازيين
TT

عندما أوشكت تشيلي أن تبيع جزيرة الفصح للنازيين

عندما أوشكت تشيلي أن تبيع جزيرة الفصح للنازيين

«Rapa Nui» هو الاسم الذي يطلق على مجموعة من السكّان الأصليين، الذين يعيشون في إحدى أغرب الجزر المأهولة وأبعدها في العالم، التي تعرف اليوم باسم «جزيرة الفصح»، بعد أن أصبحت تابعة إلى تشيلي في عام 1887، وتحوّلت بعد سلسلة من أعمال التمرّد والعصيان التي قام بها سكّانها الأصليون احتجاجاً على سوء معاملتهم وحرمانهم من التحدّث بلغتهم وتجريدهم من ملكية أراضي أجدادهم، إلى وجهة سياحيّة بامتياز عندما حطّت فيها أول طائرة تجارية عام 1976.
تقع «جزيرة الفصح» (Isla de Pascua) وسط المحيط الهادي، وتبعد أربعة آلاف كيلومتر عن سواحل تشيلي ويعيش فيها نحو ثمانية آلاف نسمة يتجمّعون في عاصمتها والمدينة الوحيدة «هانغا روا». ويحفل تاريخها بفصول كثيرة من المواجهة بين سكّانها الأصليين والحكومة التشيلية امتدت حتى العام 2006، عندما توصّل الطرفان إلى اتفاق نهائي يتيح لأهلها صلاحيات واسعة في إطار من الإدارة الذاتية. لكن كتاباً صدر منذ أسابيع للمؤرخ ماريو آمورّس بعنوان «رابا نوي... جرح في المحيط» كشف للمرة الأولى عن مفاوضات سرّية جرت بين تشيلي وألمانيا النازية لبيع الجزيرة مقابل سفينتين حربيّتين لسلاح البحرية التشيلي عام 1937 عندما كانت القوات المسلحة التشيلية تخشى قيام تحالف عسكري ضدّها بين البيرو وبوليفيا والأرجنتين التي تعاقدت يومها مع بريطانيا على شراء ثماني سفن حربية متطورة.
ويستفاد من المعلومات الواردة في الكتاب، الذي قدّمه المؤلف مؤخراً في العاصمة سانتياغو، بأن الحكومة التشيلية كانت تعتبر الجزيرة لا قيمة استراتيجية لها، بسبب المسافة البعيدة التي تفصلها عن سواحل البلاد، ولأنها كانت لسنوات ملاذاً يُنقل إليه المصابون بمرض الجدري. وقد تزامنت تلك المفاوضات مع الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها تشيلي بعد الانهيار الاقتصادي العالمي عام 1929، ومع المطامع الإقليمية التي أبدتها حكومة الأرجنتين في تلك الفترة، التي دفعت بالتشيلي إلى شراء 36 طائرة حربية من ألمانيا لتعزيز قواتها المسلّحة.
ويستند آمورّوس في كتابه إلى أبحاث الأخصائي في تاريخ القوات المسلحة التشيلية والأستاذ في جامعة بودابست، فيرنك فيسكير، الذي وقع على وثيقة في أرشيف وزارة الخارجية الألمانية في بون تلخّص اللقاء الذي دار بين سفير هتلر في سانتياغو ووزير خارجية التشيلي يوم الرابع عشر من أغسطس (آب) 1937، الذي تناول موضوع بيع الجزيرة. ويقول آمورّوس إن مفاوضات سريّة جرت بين ألمانيا النازية وتشيلي منذ العام 1935 حتى العام 1939 لم يقع على أثر لها في أرشيف وزارة الخارجية التشيلية، وليس واضحاً السبب الذي حال دون إتمام الصفقة.
ومن المعلومات التي يكشفها الكتاب أيضاً أن تشيلي كانت قد حاولت بيع الجزيرة للولايات المتحدة، التي اعتبرت السعر المطلوب مرتفعاً جداً، كما حاولت بيعها لبريطانيا واليابان. وتفيد الوثائق، التي كشفها المؤلف للمرة الأولى، بأن لندن وواشنطن رفضتا عرض البيع، لكنهما كانتا تعتبران من المستحسن عدم بيعها لأي من دول المحور، ألمانيا أو اليابان أو إيطاليا.
ويستعرض الكتاب تاريخ الجزيرة التي اكتشفها البحّار الهولندي جاكوب روغيوين عام 1722، وتراثها الثقافي والأثري الفريد الذي ترمز إليه التماثيل الحجرية الشهيرة المعرفة باسم «موايس»، التي ما زالت إلى اليوم لغزاً يحيّر علماء الآثار والعلوم البشرية.
وتشهد جزيرة الفصح منذ سنوات إقبالاً متزايداً من السيّاح الذين تجذبهم آثارها الفريدة، التي ليس معروفاً بعد من الذي بناها، وما الذي ترمز إليه، كما تجذبهم طبيعتها العذراء التي تمتدّ على 165 كيلومتراً مربّعاً لا يعيش فيها سوى بضعة آلاف من السكّان. وقد أعلنتها اليونيسكو تراثاً عالمياً، ووضعت مشروعاً ضخماً للحفاظ على مجموعة التماثيل الحجرية على شكل رؤوس ضخمة مزروعة في الأرض، وعلى منصّات الطقوس الدينية للسكان الأصليين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».