إسرائيل تتجه لانسحاب أحادي من غزة و{لا ترى طائلا} من مفاوضة حماس

{غموض} بشأن ارسال وفدا للقاهرة.. والحركة الإسلامية: دليل ارتباك

أطفال فلسطينيون يلهون أمام منزلهم الذي دمته غارات إسرائيلية في قطاع غزة أمس (رويترز)
أطفال فلسطينيون يلهون أمام منزلهم الذي دمته غارات إسرائيلية في قطاع غزة أمس (رويترز)
TT

إسرائيل تتجه لانسحاب أحادي من غزة و{لا ترى طائلا} من مفاوضة حماس

أطفال فلسطينيون يلهون أمام منزلهم الذي دمته غارات إسرائيلية في قطاع غزة أمس (رويترز)
أطفال فلسطينيون يلهون أمام منزلهم الذي دمته غارات إسرائيلية في قطاع غزة أمس (رويترز)

شاب الغموض الموقف الإسرائيلي أمس من عملية إجراء مفاوضات مع حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فعشية انطلاق المفاوضات المقررة في القاهرة اليوم، كشف مسؤولون إسرائيليون أن المجلس السياسي والأمني الإسرائيلي المصغر «الكابينت» يتجه إلى إنهاء العملية العسكرية في غزة من جانب واحد، بعد الانتهاء من عمليات تدمير الأنفاق على قاعدة «الهدوء يقابله هدوء والنار بالنار»، مؤكدين أنه «لا طائل» من إجراء محادثات مع حماس، التي بدت متحمسة للمفاوضات في مسعى لتحقيق ولو جزء من مطالبها وأبرزها رفع الحصار عن غزة.
وحتى وقت متأخر من أمس بدا وصول وفد إسرائيلي إلى القاهرة محل غموض، بعدما أعلن مسؤولون أن الوفد لن يذهب نهائيا إلى المباحثات، بينما قال آخرون إنه «لن يذهب السبت»، في إشارة إلى احتمالية ذهابه اليوم (الأحد).
ونقلت صحيفة «هآرتس» أمس عن موظف كبير قوله إن إسرائيل لا تعتزم إرسال وفد مفاوضات إلى القاهرة في الوقت الراهن. وأضاف «لا نعتقد أن ثمة جدوى من إجراء تسوية في الوقت الراهن. نحن ندرس الانتهاء من العملية العسكرية على قاعدة الردع». وأضاف «إسرائيل ستعمل بموجب مصالحها. بعد الانتهاء من الأنفاق سنتخذ قرارات بشأن الخطوات المقبلة، لكننا نتجه إلى الاعتماد على مبدأ الهدوء يقابله هدوء والنار تقابلها نار».
ولاحقا، أكد مصدر سياسي كبير أن المجلس الوزاري المصغر «قرّر عدم إيفاد بعثة إسرائيلية إلى القاهرة للتفاوض حول وقف لإطلاق النار في قطاع غزة». وقال إن حركة حماس «أثبتت عدم مسؤوليتها وعدم مصداقيتها من خلال الأحداث الأخيرة»، مضيفا أنه «آن الأوان أن يدرك ذلك المجتمع الدولي أيضا». وأوضح المصدر أن إسرائيل بصدد استكمال عملية الجرف الصامد بالشكل الذي تراه مناسبا، وتفعل كل ما هو مطلوب للدفاع عن مواطنيها. بينما قال مسؤول إسرائيلي إن إسرائيل «لن ترسل المبعوثين اليوم السبت»، في إشارة ضمنية إلى أنه يمكن إيفادهم اليوم.
وعدت حماس قرار الحكومة الإسرائيلية عدم إرسال وفد إلى القاهرة للتفاوض على اتفاق لوقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة يمثل «استخفافا بالجهود الدولية والعربية وإمعانا في الإجرام ضد شعبنا».
وقال القيادي في الحركة مشير المصري لوكالة الأنباء الألمانية، إن الموقف الإسرائيلي «دليل على الارتباك والعجز أمام المقاومة الفلسطينية ومحاولة للهروب من استحقاقات مطالبها بأي تهدئة».
وحذر من تداعيات إقدام إسرائيل على انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة دون اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية. وقال في هذا الصدد إن «المقاومة سيكون لها اليد الطولى في مواجهة أي انسحاب إسرائيلي أحادي دون الاستجابة للمطالب الفلسطينية».
وفي تلك الأثناء، قال مسؤولون إسرائيليون إن «الكابينت» قرر بعد جلسة مطولة انتهت فجر السبت «العمل على وقف إطلاق نار من جانب واحد خلال 48 ساعة وعدم التوصل إلى اتفاق جديد مع حماس». وأخذ «الكابينت» القرار بعد اتهامات إسرائيلية لحماس بخرق هدنة 72 ساعة واختطاف جندي إسرائيلي، وهو الأمر الذي نفته الحركة الإسلامية أمس. وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة «هآرتس» إن «الحكومة لن تجري مباحثات حول اتفاق لوقف إطلاق النار، وتخطط لإنهاء الحملة العسكرية من جانب واحد فقط على قاعدة الهدوء مقابل الهدوء».
وتزامن ذلك مع ما أورده موقع «واللا» الإسرائيلي نقلا عن مسؤول بأن «الكابينت» بحث فعلا هذا الخيار، لأنه «لا طائل من التباحث مع حماس».
وتشير تحركات إسرائيلية على الأرض إلى بدء تنفيذ هذا الخيار، إذ انسحبت قوات إسرائيلية أمس من مناطق في خان يونس جنوبا وبيت لاهيا شمالا، فيما أعلن مصدر عسكري مسؤول أن الجيش يحتاج إلى يوم أو يومين من أجل الانتهاء من تدمير الأنفاق العسكرية، التي كانت الهدف الأساسي للعملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
وقال المحلل الإسرائيلي المعروف إيهودا يعاري إن «الكابينت يريد منع حماس من تحقيق أي من مطالبها ويبقي قيادتها في دائرة الاستهداف». وفي المقابل، تعهدت حماس بعدم تمرير أي قرار يتعلق بإنهاء العملية من طرف واحد. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الحركة «لن تسمح لإسرائيل بالتوغل في الدم الفلسطيني ومن ثم المغادرة وقتما شاءت حتى تقرر ثانية وقتما تشاء التوغل في الدم ثانية». وأَضافت «حماس سترد في وقته إذا ما نفذت إسرائيل هذا الخيار».
وكان سامي أبو زهري، الناطق باسم حركة حماس، قال في وقت سابق أمس «في حال انسحب الاحتلال من جانب واحد فهذا لن يلزمنا بشيء». وأضاف «المقاومة ستواصل». وتابع «على الاحتلال أن يدفع الثمن، لكن عليه أن يختار كيف، فإما أن يبقى في غزة ويدفع الثمن، أو ينسحب من طرف واحد ويدفع الثمن، أو يفاوض ويدفع الثمن».
ويرى مراقبون إسرائيليون أن الانسحاب الجزئي من غزة والتلويح بوقف العمليات من طرف واحد قد يكون مرتبطا بـ«مناورة» من أجل الضغط على حماس أثناء مباحثات القاهرة. وإذا ما وصل الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة فعلا، فمن المفترض أن تنطلق مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تتوسط فيها مصر.
ويطالب الفلسطينيون بفتح المعابر وإلغاء الشريط الأمني والسماح بالصيد البحري على عمق 12 ميلا بحريا، وإطلاق سراح أسرى صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذين أعيد اعتقالهم مؤخرا وإطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة الذين اتفق عليهم أثناء المفاوضات مع الإسرائيليين ولم يفرج عنهم، والسماح بإدخال الاحتياجات ومواد البناء والأموال إلى غزة.
وفي المقابل، يطرح الإسرائيليون كذلك شروطا من ضمنها ضرورة تدمير الأنفاق، وسحب سلاح حماس، وإيجاد آلية لمنع تهريب الأسلحة والأموال إلى غزة، ووجود فلسطيني رسمي على معبر رفح وليس من حماس، وآلية مراقبة تهريب الأسلحة والأموال إلى القطاع.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.