بيترو بوروشينكو... حلم أوكرانيا القوية «المتحرّرة من هيمنة الروس»

بيترو بوروشينكو... حلم أوكرانيا القوية «المتحرّرة من هيمنة الروس»
TT

بيترو بوروشينكو... حلم أوكرانيا القوية «المتحرّرة من هيمنة الروس»

بيترو بوروشينكو... حلم أوكرانيا القوية «المتحرّرة من هيمنة الروس»

قد يكون الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو واحداً من الزعماء القلائل حالياً في الفضاء السوفياتي السابق، الذين لم يخرجوا من عباءة الحزب الشيوعي وأنظمة الحكم الشمولي، بل حملته رياح الانفتاح وشعارات التيار الديمقراطي إلى رأس هرم السلطة.
طبعت هذه الخلفية أول ظهور واسع له، في ميدان كييف، العاصمة الأوكرانية، خلال ما عُرف في حينها بـ«الثورة البرتقالية» في العام 2004 التي كانت أول ثورة ملوّنة في الفضاء السوفياتي السابق ترفع إلى جانب شعارات الحرية والتقارب مع الغرب، شعار «التخلص من هيمنة روسيا».
كانت تلك الشرارة الأولى لدخول رجل الأعمال الناجح وعضو البرلمان عن كتلة «التضامن» المستقلة عالم السياسة الواسع، وهي نقطة التحول التي رسمت ملامح خطواته اللاحقة ووضعته في المعسكر المعادي لطموحات روسيا «التوسعية» في بلاده.

مفارقات التاريخ لعبت أدواراً مهمة في بناء شخصية بيترو بوروشينكو الآتي من إقليم أوديسا في الجنوب الأوكراني حيث تقطن غالبية ناطقة بالروسية، وحيث ارتفعت نبرات المطالبة بتقارب أوثق مع روسيا. فقد كان بوروشينكو أحد المساهمين الأساسيين في تأسيس «حزب الأقاليم» الموالي للرئيس السابق ليونيد كوتشما في العام 2002، والذي غدا لاحقاً «حصان طروادة» الروسي في قلب ميدان كييف. وهذا ما دفع بوروشينكو إلى الانتقال نحو المعسكر الآخر وقيادة حملة كتلة المعارضة التي حملت سلفه الرئيس فيكتور يوشينكو إلى رأس السلطة لاحقاً.
وكما أن أوكرانيا خاضت معركة البحث عن هويتها الوطنية على مدى عقدين وظلت منقسمة بين الشرق والغرب، فإن التطورات دفعت ببوروشينكو إلى رفع لواء محاربة طموحات «الجار الأكبر» في بلاده، في مجالات عدة قد يكون بين الأبرز منها، نضاله لتثبيت اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة في البلاد. كيف لا وهو الرجل الذي أقر في مقابلة تلفزيونية أخيراً بأنه لم يتكلم بها قط قبل العام 1997 برغم أنه يتقنها، وأنه منذ ولادته كان يتكلم فقط بالروسية.
ومن المفارقات أيضاً أنه مثل «خصمه» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مصارع جودو محترفاً في سنوات شبابه. وقد يكون هذا عنصراً مهماً يجمع زعيمين لهما اهتمامات رياضية متشابهة، لكن - كما يقول بعضهم في أوكرانيا حالياً - في المباراة القائمة بينهما: ثمة مصارع جودو جاء من حضن جهاز الاستخبارات، والآخر جاء من بوابة الأعمال والاستثمارات.

- «إمبراطور الشوكولا» الذي أغضب الروس
سعى بوروشينكو منذ ولوجه عالم السياسة إلى الفصل بين نشاطه المالي والصناعي وحياته السياسية، حتى إنه أعلن بيع عدد من الشركات الكبرى التي كان يمتلكها، مع أن بعض خصومه يرى أنه لم يتخل عنها نهائياً بل انصرف عن إدارتها مؤقتاً.
ورغم أن نشاطه المالي كان شديد التنوع، إذ ضمت «إمبراطورية» الملياردير الذي صنّف في «فوربز» كسادس أغنى رجل في أوكرانيا، خليطاً واسعاً من القطاعات التي دخلت فيها صناعة السيارات والحافلات وبناء السفن ومجموعات مالية وشركات تصنيع الأسماك، فضلاً عن امتلاكه مجموعة مهمة من وسائل الإعلام على رأسها «القناة الخامسة» التلفزيونية التي تعد الأبرز في أوكرانيا. لكن ما تميّز به على مدى سنوات صعوده في عالم الأعمال هو صناعة الشوكولا الفاخرة «روشين» التي تكاد تكون دخلت إلى كل بيت في روسيا وأوكرانيا وغالبية بلدان الفضاء السوفياتي السابق وبعض البلدان الأوروبية.
ومنذ أن بدأ بوروشينكو نشاطه التجاري في بيع مادة الكاكاو، قبل أن يشتري عدداً من المصانع المتخصّصة بصناعة الشوكولا ويضمها في مجموعة ضخمة منحته لقب «إمبراطور الشوكولا». ولم يكن مُستغرباً أن ظهوره كخصم عنيد لروسيا بعد تفجر الأزمة بين البلدين، أسفر عن حملة واسعة في روسيا لمقاطعة الشوكولا التي يصنعها. وهي حملة كان مصيرها الفشل، إذ ظلت «روشين» تتسلل إلى الأسواق الروسية رغم المشاكل السياسية والمواجهة القائمة بين البلدين. لكن بوروشينكو ما لبث أن أعلن في نهاية 2014 عن بيع أسهمه في الشركة الكبرى. ومع أن تدهور العلاقة مع روسيا استند على مدى سنوات على التباين الواسع مع الكرملين في قراءة موقع أوكرانيا وآلية بناء تحالفاتها - وخصوصاً، بعد عملية ضم شبه جزيرة القرم - لكن بوروشينكو، فضلاً عن هذه العناصر، واجه بعداً شخصياً مباشراً... عندما قامت موسكو بـ«تأميم» مصنع للسفن كان يملكه في سيفاستوبول (سيباستوبول) بعد ضمها شبه الجزيرة.

- معركة تقليص النفوذ الروسي
منذ وصوله إلى سدة الحكم في خريف العام 2014، حدد بوروشينكو أهدافه الرئيسية كرئيس لأوكرانيا في الحفاظ على وحدتها الوطنية وتعزيزها واستعادة شبه جزيرة القرم، وتثبيت اللغة الأوكرانية لغة رسمية وحيدة في البلاد، معتبراً أن ذلك سيكون «ضمانة لاحترام حقوق الناطقين بلغات أخرى في البلاد»، بما في ذلك اللغة الروسية. وتعهد أيضاً بمواصلة العمل بهدف تحقيق اندماج أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي، وطرح هدفاً لا يخلو من معانٍ عبر تأكيد العمل على تعزيز القوة العسكرية لأوكرانيا.
منذ تلك الفترة سار الرئيس الأوكراني خطوات لتوسيع الطلاق مع روسيا، عبر إجراءات هدفت إلى النهوض بالوعي القومي الأوكراني والتخلص من تبعات سنوات طويلة من التداخل مع روسيا في مجالات عدة. وبدأ بدغدغة مشاعر الأوكرانيين عبر إعلان «يوم العلم الأوكراني» عيداً وطنياً، قبل أن ينتقل إلى ترسيخ وضع اللغة الأوكرانية «لغة رسمية وحيدة في البلاد».
لكن الرئيس الذي يجيد اللغات الأوكرانية والروسية والإنجليزية والرومانية، قال في وقت لاحق إنه من الضروري التحدث «عن الوضع الخاص للغة الإنجليزية، وليس اللغة الروسية». ورأى أنه ينبغي أن تكون اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الرئيسية للدراسة في البلاد. ومن ثم، حثّ الأوكرانيين على تعلّم الإنجليزية عبر إطلاق عبارته الشهيرة «إن معرفة اللغة الإنجليزية هي أن تكون على نفس الموجة مع العالم المتحضّر الحديث، أن يكون لدينا أداة قوية لتطوير الذات في السنوات اللاحقة».
ومع أن بوروشينكو لم يحصل في أي وقت على نسب تأييد جارفة مماثلة لتلك التي يتمتع بها بوتين، إذ راوحت شعبيته دائماً بين 40 و47 في المائة، إلى درجة أن خبراء سياسة وصفوا، بعد مرور عام على توليه الرئاسة، الحكومة الأوكرانية بأنها «هشّة لدرجة أنها أضعف من أن تفعل الأشياء الضرورية لإنشاء دولة موحدة ومستقلة». لكن خطوات بوروشينكو قوبلت بتأييد في مناطق واسعة في البلاد، وبالذات، عندما بدأ عملية تعديل دستور أوكرانيا لتحقيق اللامركزية الإدارية، معتبراً ذلك «عنصراً أساسياً في خطة السلام» من أجل إنهاء الصراع الدائر في شرق البلاد. كذلك، اقترح بوروشينكو إنشاء منصب لممثلين رئاسيين يراقبون تنفيذ الدستور والقوانين الأوكرانية امتثالاً لحقوق الإنسان وحرياته في المناطق والأقاليم.

- مكافحة الشيوعية
ومع مواقفه الحاسمة في مواجهة «العدوان الروسي»، واجه الرئيس الأوكراني على الصعيد الداخلي الشيوعية بصرامة لا تقل عن ذلك، وتمكن من فرض قانون أساسي يحاكم التجربة الشيوعية في البلاد ويضعها في كفة واحدة مع النازية في ألمانيا. لكنه، في المقابل، دافع وإن بشكل غير مباشر، عن الأحزاب القومية التي تتهمها موسكو بأنها تحمل أفكاراً نازية جديدة. وعمل على إعادة الاعتبار للمجموعات القومية التي ناضلت ضد الاتحاد السوفياتي، واتُهم أعضاؤها في روسيا بأنهم كانوا عملاء لهتلر، وتم تصنيفهم كمقاتلين من أجل استقلال أوكرانيا وإعلان «يوم المدافع عن أوكرانيا»، عطلة عامة يجري الاحتفال بها سنوياً.
أيضاً، حملت سلسلة توجهات دعمها الرئيس الأوكراني بُعداً أوسع في توسيع الابتعاد عن روسيا، عبر سن قوانين تقلص مساحة عرض الأفلام والكتب والأعمال الفنية الروسية، وتزيد تدريجياً من حصة البرامج والأغاني التي تبث باللغة الأوكرانية، مع الحرص على إعلان «احترام لغات الأقليات، وخصوصاً تتار القرم»... وهي إشارة لا تقتصر على رفض الوجود الروسي في القرم، بل تتعمد إظهار أهمية المحافظة على تتار القرم كونهم «أصحاب المنطقة الأصليين».
وفي السياق ذاته، وقّع بوروشينكو لاحقاً قانون التعليم الذي تبناه البرلمان الأوكراني، مؤسساً الأوكرانية كلغة في العملية التعليمية، وأتاح هذا القانون «تدريس مادة واحدة أو عدة مواد باللغة الإنجليزية ولغات أخرى في دول الاتحاد الأوروبي». وكان ملاحظاً أن القانون لا يحتوي على «حلول لغات ليست رسمية في الاتحاد الأوروبي» ما يعني تغييب اللغة الروسية.
وهكذا، مع سلسلة القوانين التي طاولت عقوبات على وسائل إعلام روسية اتهمت بإثارة الفتن والتخريب، واشتملت على تدابير تقلّص كل مساحة ممكنة للتقارب مع روسيا، سارت أوكرانيا خلال ولاية بوروشينكو نحو هدم الأسس القانونية التي تجمع بلاده مع روسيا. وهو بدأ منذ 2014 بإلغاء «اتفاقية التعاون العسكري» وحظر كل نشاط عسكري لأوكرانيا مع الدولة الجارة، وهذا أمر بدأ به بعد تسلمه الرئاسة مباشرة، وتوجّه في يونيو (حزيران) 2015، بإنهاء الاتفاقات مع روسيا المتعلقة بالتعاون في المجال العسكري، وفي مجال الاستخبارات العسكرية.
وقبل ذلك، كان المجمع الصناعي العسكري الأوكراني مترابطاً بشكل وثيق مع المجمع الروسي. وعمل عدد كبير من المؤسسات الصناعية العسكرية المشتركة على الأراضي الأوكرانية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعلى سبيل المثال، فإن ما يقرب من ثلث الشركات ومكاتب تصميم صناعات الطيران والصناعات الجوية للاتحاد السوفياتي كانت على أراضي أوكرانيا. وحتى عام 2015، كانت روسيا من بين الشركاء الرئيسيين للبلاد في صناعات الطيران، وكان نصف المكوّنات الروسية يتألف من الطائرات الأوكرانية من طراز «أنطونوف» التي أوقفت تعاملها مع الروس، وتم دمج العملاق الصناعي في مجمع «أوكرابورون بروم» التي توصلت في وقت لاحق إلى اتفاق مع شركة «بوينغ» الأميركية لتوريد المكوّنات. واعتبر بوروشينكو وهو يوقع على الاتفاقية أن «هذه الاتفاقات ستصبح ضمانة لاستقلال أوكرانيا الجوي عن روسيا».
وشملت تدابير بوروشينكو قرارات أخرى، بينها قوانين «مواجهة التهديد الروسي ومظاهر الإرهاب التي يدعمها الاتحاد الروسي»، ثم المرسوم الرئاسي «بشأن تدابير إضافية لمواجهة العدوان المعلوماتي للاتحاد الروسي». ولائحة عقوبات شخصية ضد قادة بعض وكالات الأنباء الروسية والقنوات التلفزيونية والمنشورات على الإنترنت. وتوّج هذا المسار في أغسطس (آب) الماضي بتوجيه أوامر إلى وزارة الخارجية للتحضير لإنهاء معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة مع روسيا، وهو الأمر الذي تم حسمه عبر قرار مجلس الأمن القومي الأوكراني في الشهر التالي.

- مع قرب نهاية الولاية
بدا أن بوروشينكو، وهو يقترب من نهاية ولايته الرئاسية، حقق الجزء الأكبر من برنامجه في مواجهة التدخل الروسي. وهو قال في أغسطس الماضي: «لقد اخترنا طريقنا الخاص بالتنمية وليس لدينا الحق في التراجع عنها لصالح الأعداء الخارجيين ووكلائهم داخل البلاد... نحن نكسر كل الأغلال التي تربط بيننا وبين الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي، مع المحافظة على المهمة الرئيسية للسلطات والجيل الحالي وهي تحويل أوكرانيا إلى بلد عظيم وقوي من دون أي احتمال للعودة إلى منطقة النفوذ الروسي».
وفي المقابل، كانت الخطوات نحو الاقتراب من أوروبا تتخذ بُعداً متسارعاً، ورأى بوروشينكو عندما وقع على اتفاقية الجزء التجاري من خطة الاندماج مع الاتحاد الأوروبي أن «هذا اليوم هو الأهم في أوكرانيا منذ الاستقلال عام 1991»، واصفاً إياه بأنه «رمز للإيمان وإرادة غير قابلة للكسر».

- بطاقة هوية
- ولد بيترو بوروشينكو في مدينة بولهراد الصغيرة التابعة لإقليم أوديسا، بجنوب أوكرانيا، يوم 26 سبتمبر (أيلول) 1965، وكان أبوه مهندساً ومدير مصنع.
- إبان الحقبة السوفياتية، عاش ردحاً من فتوته في مولدافيا (مولدوفا) لظروف عمل أبيه، وهو ما أسهم في إتقانه اللغة الرومانية. وفي هذه المرحلة من عمره أحب الرياضة، ومارسها، لا سيما الجودو. ولاحقاً أدى خدمته العسكرية في كازاخستان.
- تخرّج في جامعة كييف الحكومية عام 1989، حيث درس الاقتصاد والحقوق. وفي هذه الجامعة التقى وصادق ميخائيل ساكاشفيلي، الذي صار فيما بعد رئيساً لجمهورية جورجيا.
- تزوّج عام 1984 بطالبة الطب مارينا بيريفدينتسيفا، وأنجبا 4 أولاد (هم صبيان وابنتان).
- انطلق في عالم التجارة والصناعة في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وصار من كبار رجال الأعمال الأثرياء، واشتهر خصوصاً بصناعة الشوكولاته (مع أنه يعاني من مرض السكري).
- دخل البرلمان عام 1998، وبعد ذلك صعد السلّم السياسي بسرعة وتولى حقائب وزارية بينها الخارجية والتجارة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.