لم يتردد غابرييل غارسيا ماركيز عندما قال فيه إنه «أكبر شعراء القرن العشرين بكل اللغات»، ولا يختلف اثنان على أن قصائد الحب والغزل التي خرجت من ريشته لم يدانها شعرٌ بالإسبانية إلى اليوم. لكنّ نساء تشيلي ترفض منذ سنوات أن يُطلَق اسمه على مطار العاصمة، لأنّه كان يسيء معاملة النساء، وتخلّى عن ابنته المريضة، واعترف في مذكراته التي نُشرت بعد وفاته بأنّه اغتصب فتاة كانت في خدمته عندما كان دبلوماسياً في سريلانكا.
بابلو نيرودا، شاعر القصائد المستحيلة، كما وصفه بورخيس، ومالك اللغة الشّعرية كما لا أحد، في رأي صديقه لوركا، والحائز على جائزة نوبل للآداب، شخص غير مرغوب فيه بين نساء بلده. فللمرة الرابعة منذ سبع سنوات، يعود برلمان تشيلي لمناقشة مشروع قانون يقضي بتغيير اسم مطار سانتياغو ليحمل اسم الشاعر الكبير، لكنّ المنظمات والجمعيات النسائية تصرّ على رفض الاقتراح بسبب من سجلّ نيرودا في معاملة النساء، وتهدد بسلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات والمقاطعة، وتقترح اسماً بديلاً هي الشّاعرة التشيلية غابرييل ميسترال الحائزة أيضاً على جائزة نوبل للآداب.
المرة الأولى التي ناقش فيها برلمان تشيلي مشروع تسمية مطار العاصمة على اسم أحد أشهر أبنائها في العالم كان عام 2001، لكنّه لم يحظ بالتأييد الكافي. وفي المرات التالية، كما في هذه المرة، رفضته بشدة المنظمات النسائية بحجّة أنّ ذلك سيعطي صورة سيئة عن البلاد في الخارج.
وقد جاء في مذكرات الشاعر التي نشرت بعد سنوات من رحيله، أنّه أقدم على «ممارسة الجنس عنوة» مع فتاة كانت تخدمه في سيلان (سريلانكا اليوم)، عندما كان في الخدمة الدّبلوماسية هناك عام 1929، من ثمّ يضيف بصراحته المعهودة أنّها تجاهلته عندما حاول مراودتها عن نفسها، لكنّه أجبرها على الدخول إلى الغرفة حيث قضى حاجته معها في لقاء وصفه «مثل لقاء بين رجل وتمثال. وكانت عيناها مفتوحتين، وغائبة عن الوعي».
تجدر الإشارة إلى أن أشد المعترضين على المشروع في البرلمان هن البرلمانيات في الأحزاب اليسارية، علماً بأن نيرودا كان شيوعيّاً وقد اعتذر عن قبول ترشيحه لرئاسة الجمهورية مفسحاً المجال لصديقه سالفادور الليندي الذي قُتِل عندما كان يدافع عن القصر الرئاسي خلال الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال آوغوستو بينوتشي. وتقول إحدى أعضاء البرلمان: «لسنا في وارد تكريم من كان يسيء معاملة النساء، واعترف بارتكابه عملية اغتصاب وتخلّى عن ابنته المريضة التي كان يسمّيها مصّاصة الدماء الصغيرة». وقد وردت تفاصيل معاملته لابنته في كتاب بعنوان «مالفا» للشاعرة الهولندية هاغان بيترز، تسرد فيه قصة ابنة نيرودا التي كانت تعاني من مرض وراثي منذ ولادتها عام 1934. وتوفّيت في الثامنة من عمرها، بعد أن تخلى عنها والدها الذي لم يحضر جنازتها. وعند صدور الكتاب عام 2016 وزّعت مؤسسة بابلو نيرودا التي تتولى الحفاظ على إرثه بياناً جاء فيه: «إن الشّاعر ذهب لزيارة ابنته في آخر مناسبة أتيحت له عام 1939، خلال الزيارة الأخيرة التي تمكّن من القيام بها إلى أوروبا لمرافقة بعض الجمهوريين الإسبان في طريقهم إلى المنفى بعد الحرب الأهلية».
ويقول النائب الاشتراكي مارسيلو دياز الذي يرأس لجنة الثقافة في البرلمان، «سيبقى هذا الموضوع الحسّاس مادة للنقاش، لكنّنا هنا بصدد تكريم أعمال الشاعر الذي حمل اسم تشيلي إلى العالم».
يذكر أن نيرودا الذي كان أحد الأعضاء البارزين في الحزب الشيوعي ودبلوماسياً وعضواً في مجلس الشيوخ، توفّي بعد أيام من سقوط الليندي مصاباً بسرطان البنكرياس، كما أُفيد يومذاك، لكنّ فحوصات أجراها أطباء شرعيون على حامضه النووي العام الماضي، استبعدت تلك الفرضية، ورجّح خبراء بأنّه قضى ضحية عملية اغتيال.
نساء تشيلي يرفضن إطلاق اسم نيرودا على مطار سانتياغو
نساء تشيلي يرفضن إطلاق اسم نيرودا على مطار سانتياغو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة