نصير شمة يطرب جمهور الظهران بـ 3 آلات موسيقية حديثة

قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يطمح لتأسيس «بيت العود» في السعودية

جانب من حفل نصير شمة الذي أقيم في «إثراء» الظهران
جانب من حفل نصير شمة الذي أقيم في «إثراء» الظهران
TT

نصير شمة يطرب جمهور الظهران بـ 3 آلات موسيقية حديثة

جانب من حفل نصير شمة الذي أقيم في «إثراء» الظهران
جانب من حفل نصير شمة الذي أقيم في «إثراء» الظهران

أمسية شاعرية من ألف ليلة وليلة، بغدادية الهوى، شرقية الروح والهويّة، عاشها جمهور مسرح «إثراء» في الظهران، على أوتار عود الموسيقار نصير شمّة وفرقته «أوركسترا بيت العود»، ليروي عطش عدد كبير من السعوديين الذين غص بهم مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، مساء أول من أمس، في حفلات تستمر مدة ثلاث ليالي، عامرة بالفن والطرب والدهشة.
واختار شمّة، الظهران، لتكون أول مدينة عربية تصدح فيها الآلات الثلاث الجديدة التي ابتكرها، والتي شارك فيها عازفو الفرقة، وتلذذت بها أسماع الجمهور، وهي «العودلين»، الذي يُعزف لأول مرة على مسرح في العالم العربي، بالإضافة إلى آلتي «العودلا» (تعزف بالقوس) و«العودلو» (تعزف بالبنر).
ومن لحظة دخول شمّة إلى المسرح بفرقته المكونة من نحو 40 عازفاً، حتى انتهاء الحفل الذي امتد لنحو ساعتين، كان تاريخ الموسيقى الشرقية حاضراً بقوة، إذ عزف شمّة موسيقى أغاني أم كلثوم وفيروز وأغانٍ من التراث العراقي، وقدم مقطوعاته الشهيرة «إشراق» و«رقصة الفرس» و«غداً أجمل»، بمشاركة عازفين مهرة من مختلف الدول العربية، ما دعا شمّة للتباهي بهذه القوة الفنية العربية التي وحدتها الموسيقى، خلال كلمته للجمهور.
شارك في الحفل، الإسباني كارلوس بنيانا، عازف غيتار الفلامنكو، الذي قدمه شمّة للجمهور، وعزفا معاً خليطاً مذهلاً من الموسيقى الشرقية والغربية. الأمر الذي ألهب حضور المسرح الذي يضم 900 مقعد، امتلأت بالكامل. وبعد نهاية الحفل التقى شمّة بالإعلاميين في المؤتمر الصحافي الذي تحدث خلاله عن فخره بالآلات الموسيقية الجديدة التي ابتكرها، وكونها ستشكل نقلة وعلامة موسيقية مستقبلاً.
وتشكّل هذه الآلات مشروع جسد جديد يقابل آلات «الكمان» و«الفيولا» و«التشيلو»، حيث لم يحدث من قبل تطوير آلات العود وصنعها واختبارها باستخدام قياسات متعلقة بعلم الصوت والذبذبات، وذات مقاييس عالية الدقة، لصناعة عائلة مترابطة ومتكاملة من آلات العود، حيث يحظى العود بمكانة مرموقة في تاريخ الآلات الوترية الموسيقية؛ كونه الأساس الذي تبنى عليه الكثير من الآلات الأخرى مثل «الغيتار» و«الماندولين» و«الساز»، حيث ترأس هذا المشروع الفنان نصير شمّة بمساعدة صانع العود عمرو فوزي ودعم طلاب «بيت العود» في القاهرة وأبوظبي.
وتحدث شمّة لـ«الشرق الأوسط» عن طموحه تأسيس «بيت العود» في السعودية، على غرار نجاح التجربة في القاهرة والإسكندرية وأبوظبي. في حين كشف الدكتور أشرف فقيه، مدير العلاقات والإعلام في «إثراء»، عزم المركز على تقديم ورش عمل لعازفي العود خلال العام المقبل 2019، بالتعاون مع الموسيقار نصير شمّة، قائلاً: «بلغت نسبة التسجيل 150 في المائة، وهي بداية مشجعة».
وتناول شمّة تجربته الأولى في لقاء الجمهور السعودي، قائلاً: «كنتُ متخوفاً، لكوني أعلم أنه في السعودية في كل 3 بيوت يوجد عود تقريباً، وأعرف أن الشعب السعودي يولي اهتماماً كبيراً بآلة العود، والطرب في الحجاز ونجد والألوان القديمة المعروفة هي دليل على أن للسعوديين تاريخاً في الغناء والموسيقى».
من جهته، قال علي المطيري، مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، عن الموسيقار نصير شمة، إنه «يعتبر رمزاً ثقافياً ملهماً وسفيراً للفن الراقي». ويضيف: «نسعد بأنه سيصل للجمهور في المملكة للمرة الأولى عبر (إثراء)، لينشر قيمه الإبداعية وفنونه الجمالية، ويسعدنا أن يكون مسرح (إثراء) هو أول مسرح في العالم العربي يكشف من خلاله عن الآلات الجديدة، وهو ما يتماهى مع رسالة (إثراء) في مزج الفنون بالابتكار والإبداع».
ويسترجع شمّة بداياته بالقول: «بدأت في تطوير آلة العود عندما كنت طالباً، إلا أن حلمي ظلّ طي النسيان مع انشغالي بمسيرتي المهنية كموسيقي، حتى جاءتني الفرصة العظيمة لإنشاء (بيت العود العربي) في القاهرة وأبوظبي». وأضاف: «إن الموسيقى العربية الآن تولد مجدداً من رحم الثقافة العربية، وهذا بفضل واحدة من أعرق الآلات الموسيقية على مرّ التاريخ، ألا وهي آلة العود».
جدير بالذكر أن شمّة المولود عام 1963 في مدينة الكوت العراقية، حصل على لقب سفير الشرق إلى الغرب من وزارة الثقافة الألمانية، وكرّمه معهد الفكر العربي بجائزة التميز الفنّي، وأنشأ الكثير من المشروعات، مثل «الأوركسترا الشرقية» التي جمع فيها أكثر من 75 موسيقياً من الشرق الأقصى والأدنى. وحصل على لقب سفير اليونيسكو للسلام العالمي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».