أنجلينا جولي بين السينما والسياسة

أفضل العمل الإنساني والسياسي أولاً

لقطة من فيلم «ماليفيسنت» (أ.ب)
لقطة من فيلم «ماليفيسنت» (أ.ب)
TT

أنجلينا جولي بين السينما والسياسة

لقطة من فيلم «ماليفيسنت» (أ.ب)
لقطة من فيلم «ماليفيسنت» (أ.ب)

أعباء الحياة وكثرة الشواغل لا تمنع أنجلينا جولي من إيفاء كل عبء وعمل حقه. هي سفيرة فوق العادة لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وأم لستة أولاد وشريكة حياة لرجل يوازيها شهرة. فوق ذلك هي ممثلة لا تتوقف عن العمل ومخرجة عندما تجد المشروع المثالي.
لقاءاتها الصحافية ليست متاحة. بالعادة على المتقدم أن يوفر للوكيل الإعلامي أوراق اعتماد، مثل رسالة من صحيفته ومقاله الأخير عنها، وإذا ما كان المقال بلغة غير إنجليزية فترجمة له. ثم عليه أن ينتظر وقد يحدث اللقاء أو قد لا يحدث. بالنسبة لأعضاء «جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب» هناك استثناء يشمل كل الأعضاء. وفي كل مرّة لديها فيلم جديد ووقت يسمح فإن المقابلة تأتي ما بين العرض الصحافي والعرض التجاري كما الحال في فيلمها الأخير «ماليفيسنت» Maleficent المعروض بنجاح واسع أينما حل.
في الحقيقة، سيتميز هذا العام بنجاحات ممثلاته: أنجلينا جولي عن هذا الفيلم، ساندرا بولوك وماريسا مكارثي عن «حرارة»، إليزابث بانكس عن «ممر العار»، ومؤخراً، سكارلت جوهانسن عن «لوسي».
بالنسبة لأنجلينا جولي، فإن «ماليفيسنت» هو أكثر من مجرد دور تؤدي فيه شخصية امرأة شريرة في عمل فانتازي أولا وأخيرا:
«أعتقد أن رسالة الفيلم والسبب الذي من أجله تحمست للدور هو أنه يحاول أن يفهم السبب وراء تحوّل امرأة إلى الشر. كلنا مررنا بظروف أدركنا فيها أننا لم نولد للقيام بما لا نرضى عنه. بعضنا قام بأفعال يندم عليها، لكنه يدرك أنه لم ينشأ شريراً. أعتقد أننا جميعاً نستطيع التكيف مع هذا الوضع. نرى جدارا يبنى بين ما كنا عليه وبين أنفسنا ونتحول إلى مخلوقات داكنة ذات قلوب باردة. السؤال هو إذا ما كانت شخصيتي في هذا الفيلم تستطيع استعادة إنسانيتها».
في «ماليفيسنت» تؤدي أنجلينا جولي دور امرأة كانت موعودة بإخلاص من تحب لتكتشف أنه في النهاية تحول إلى مخلوق يبحث عن المال والسلطة ولو اقتضى الأمر التنكر لحبهما السابق. حين تدرك أنها لن تستطع مقاومة هذا الجشع ومؤامرات ذلك المزارع الذي أصبح قادراً على غزو البلاد والاستيلاء عليها، تنضوي إلى مخبئها، مقررة انتظار الوقت المناسب للانتقام.
كل ذلك في إطار خيالي بالطبع فالحكاية مأخوذة من رواية «الجمال النائم» Sleeping Beauty التي طالما شاهدناها من وجهة نظر الفتاة البريئة مراراً. هنا، في هذا الفيلم هي ابنة ذلك الرجل (تقوم بها إيلي فانينغ) وماليفيسنت ستجدها الوسيلة المثلى للانتقام من أبيها الذي غدر بها. بذلك ينتقل الفيلم من حكاية الفتاة المتكررة إلى وجهة نظر مختلفة تتيح لأنجلينا جولي أن تكون محور الأحداث طوال الوقت.
رحلة أنجلينا جولي في السينما طويلة. هي الآن في التاسعة والثلاثين من العمر إذ ولدت في الرابع من الشهر السادس من سنة 1975. وكانت لا تزال في السابعة من العمر عندما وقفت أمام الكاميرا لأول مرّة لأداء دور صغير في فيلم عنوانه «التطلّع للخلاص» أو Looking to Get Out سنة 1982.
هي ابنة الممثل جون فويت والممثلة غير المشهورة مارشيلين برتراند. وُلدت في لوس أنجليس حيث كان والدها وصل إلى سدّة النجومية في أواخر الستينات عندما لعب بطولة «مدنايت كاوبوي» وفي عام ولادتها شارك في بطولة «خلاص» أمام بيرت رينولدز وارتقت شهرته بعد ذلك حتى أصبح نجماً «هوليوودياً» كبيراً في منتصف السبعينات وما بعد قبل أن تنحسر عنه الأضواء الأولى بسبب تقدمه في العمر ولجوئه الطبيعي إلى الأدوار المساندة.
حين أصبحت أنجلينا جولي شابة في العشرين من عمرها، لم يعد هناك شك في أن مستقبلها الفني بات مضموناً. كانت تملك المقومات الجمالية كلها. وكانت متفوقة على مقومات ممثلات أخريات بكونها طبيعية من ناحية، ولديها ملامح غير متوفرة بين الممثلات الأخريات من ناحية أخرى. شاركت في مسرحيات وأفلام حققها طلاب من بينهم شقيقها ثم وقفت على المسرح الفعلي مع أمي ماديغان وإد هاريس وهولي هنتر ثم دخلت التمثيل المحترف بدءاً من «سيبورغ 2» سنة 1993 وبعد عامين ظهرت في فيلم آخر من النوع المستقبلي عنوانه Hackers.
في العام التالي لعبت دوراً ملحوظاً في فيلم عنوانه Foxfire تحرّض فيه الفتيات المراهقات على المطالبة بحقوقهن الاجتماعية ورفض المعاملة المهينة لهن. وبعد خمس سنوات من العمل منتقلة بين أدوار مساندة معظمها منسي، تحقق لها ما صبت إليه من طموح عندما لعبت دورا مساندا في فيلم «فتاة، مُقاطعة» Girl, Interrupted الفيلم الذي سدد إليها جائزة أوسكار كأفضل ممثلة مساندة عن عام 1999. لم تكتف بذلك، بل سحبت بساط الاهتمام من الممثلة الأولى وينونا رايدر.
عامان بعد ذلك وإذا بها تتصدر بطولة «لارا كروفت: غازية التابوت» لاعبة دور امرأة بالغة القوة في عالم لا يعرف سوى القوة سبيلا. لكنها لم تمض في منوال هذه الأفلام وحدها. هي الأم الشريرة للإسكندر المقدوني في «ألكسندر» (2004) والزوجة التي تخوض مغامراتها الجاسوسية مع زوجها في «مستر ومسز سميث» (2005) ثم عرفت طعم الأفلام القائمة على أحداث سياسية في «قلب كبير» (2006) وكانت الممثلة المناسبة لفيلم كلينت إيستوود الجيد «استبدال» (2008) قبل أن تعود إلى المغامرة في «سولت» (2010).
في عام 2011 قررت الإخراج فأقدمت على تحقيق فيلم حول النساء البوسنيات اللواتي اغتصبن حال اندلع القتال بين دول يوغوسلافيا المنهارة عنوانه «في أرض الدم والعسل». ومع أنه لم يكن الفيلم الأول الذي تحققه بصفتها مخرجة (سبق لها وأن تمرّنت على فيلم تسجيلي عنوانه «مكان في الزمن»)، إلا أنه كان العمل الرئيس الذي أنجزته في هذا المضمار.
نعود إلى شواغل الحاضر:
* ما الدور الذي تفضلين أن تلعبيه أكثر من سواه؟ التمثيل أو الإخراج أو العمل مع الأمم المتحدة؟
- سأفضل العمل الإنساني والسياسي أولاً. لكني أعتقد أن الجوانب الثلاثة تتوافق خصوصاً إذا ما قمت بالإخراج، لأنني أستطيع اختيار ما أريد القيام به وهو سيتضمن المشاريع التي تهمني والتي تمكنني من تسليط الضوء على التاريخ ونشر المعرفة به وبما يمكن استخلاصه من دروس.
* هل وقف ذلك وراء اختيارك فيلمك السابق «في بلد الدم والعسل»
- طبعاً. كما كررت سابقاً، هذا النوع من الموضوعات هو النوع الذي أريد أن أنجزه كلما اخترت الانتقال إلى الإخراج. لست معنية بأفلام لا تنقل مسائل الحياة أو لا تنظر إلى عبر التاريخ. وأحاول أن أكون صادقة حتى ولو بدا الصدق انحيازا. فيلمي الجديد «غير مكسور» هو أيضا عمل مهم لأجله أنا أمارس هذه المهنة.
* إنه فيلم عن رياضي أسترالي اسمه لويس زامبريني اعتقلته القوات اليابانية عندما غزت أستراليا. أليس كذلك؟
- بالتأكيد. لقد تعلمت من الفيلم السابق. الإخراج بالنسبة لي مختلف عنه بالنسبة لمخرجين آخرين. بالنسبة إلي، عندي القدرة أن أتناول مواضيع معينة وأمضي بها إلى حيث أعبر عنها على نحو شامل.
* ماذا تعلمتيه من الفيلم السابق كمخرجة؟
- تعلمت أن علي أن أحيط نفسي بمواهب كبيرة من حولي وأن أستمع إليهم. لقد أخذت معي (مدير التصوير) روجر ديكينز إلى أستراليا (حيث تم التصوير) وتعلمت منه الكثير. اخترت ممثلين رائعين كان عليهم بذل جهد كبير لتقديم الأدوار التي يلعبونها.
* إلى جانب الرسالة التي أردت التعبير عنها، ما هو حرصك الآخر؟
- كنت حريصة على تقديم ما ورد في كتابة لورا هلنبراند على نحو صادق وشامل. كنت أريد أن أوفي الكتاب حقه وبالأساس الرياضي زامبريني حقه أيضا. لذلك كل شيء قمنا به تم على نحو مشترك. أعتقد أن الفيلم غير الناس التي اشتغلت معي على هذا الفيلم. جميعنا أصبحنا أناساً أفضل.
* وبالنسبة لفيلم «ماليفيسنت». كيف وصل إليك؟
- كنت أبحث عن مشروع يمنحني شخصية جديدة لم أقم بها من قبل عندما وصلني هذا المشروع. قرأت السيناريو مرتين. الأولى لأتعرف عليه والثانية لكي أتمعن فيه وأتأكد من شعوري الإيجابي نحوه الذي أتاحته لي القراءة الأولى. عادة ما أقرأ السيناريو مرتين متتاليتين إذا ما أعجبتني القراءة الأولى. كما ذكرت، أعجبتني الشخصية لأنها لم تُكتب كامرأة اختارت أن تكون شريرة وسوداوية، بل نتيجة إحباط كبير حولها مما كانت عليه. ووجدت أن تأدية دور كهذا يمكن أن يفتح العين على هذه الحقيقة وأعتقد أن هذا ما حققه الفيلم.
* هل تعتقدين أنه مناسب للصغار؟
- إذا شاهدت الفيلم ستدرك أنه مناسب تماما للصغار. أخذت الفيلم إلى البيت وشرحته لأولادي. أعجبوا به كثيرا. أعتقد أنه ترفيه جيد لأنه احتفظ بالصراع بين الخير والشر ولم ينحز إلى الشخصية الداكنة على نحو مطلق.
* هل ترددت في الانتقال من نوع أداء إلى آخر؟ هل اعتقدت مثلاً أن هذا قد يضر بالصورة الإيجابية التي كونها المشاهدون عنك؟
- لا. كنت أعلم يقيناً أن هذا المشروع وهذه الشخصية الموكلة إلى هو ما أريد القيام به. وأكثر من ذلك، ومن وجهة نظري كسينمائية وليس كممثلة، الفيلم يحتاج لممثلة أولى لكي ينجح. لو كنت منتجة الفيلم ولا نيّة في تمثيله، لبحثت بين الممثلات المعروفات بجمالهن وأدوارهن البطولية عمن تقوم بهذا الدور الداكن.
* بالنسبة لدورك ناشطة سياسية، بماذا تخرجين من زياراتك إلى الأماكن المضطربة من هذا العالم؟ كيف تعودين إلى حياتك الطبيعية بعد رحلة كتلك التي قمت بها إلى الحدود التركية–السورية مثلا؟
- هناك دائما فاصل معين. تخطو إلى هذا الجانب ثم تعود منه إلى الجانب الآخر. هذا لا يعني أنك تقوم بمهمّة تنتهي حال تنفيذها، بل هي بالطبع تبقى معك لأن العمل يتواصل. عندما انتقلت إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا أردت أن أخبر هؤلاء الناس أن هناك من الطرف الآخر البعيد من يهتم بهم. إنهم محط اهتمامنا جميعا. والعمل يتواصل. تلتقي دائما بالمسؤولين وتجلس معهم لتتناول ما يحدث في هذا العالم من أوضاع جميعنا نتمنى لو أنها لم تقع.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».