إردوغان يرفض الامتثال للعقوبات وروحاني يعتبرها «إرهاباً»

إردوغان يرفض الامتثال للعقوبات وروحاني يعتبرها «إرهاباً»
TT

إردوغان يرفض الامتثال للعقوبات وروحاني يعتبرها «إرهاباً»

إردوغان يرفض الامتثال للعقوبات وروحاني يعتبرها «إرهاباً»

أكدت تركيا رفضها للعقوبات الأميركية على إيران مشددة على أنه لا يجب أن يتصور أحد أنها ستقطع علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها بسبب هذه العقوبات التي وصفها الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنها «عمل إرهابي».
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن العقوبات الأميركية ضد إيران تعرض أمن واستقرار المنطقة للخطر قائلا إن «تركيا لا تدعم هذه القرارات».
وأضاف إردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني حسن روحاني عقب مباحثات ثنائية وترؤسهما اجتماعات الدورة الخامسة لمجلس التعاون الاستراتيجي بين بلديهما التي عقدت برئاستهما في أنقرة أمس (الخميس)، أن «تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني الشقيق في هذه الفترة التي تتزايد فيها الضغوطات الجائرة عليه... نقف إلى جانب إيران في مسألة العقوبات الأميركية».
وتابع إردوغان أن بلاده لا ترى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني قرارا صائبا، في الوقت الذي أعلنت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا عن التزام إيران بتعهداتها، مشيرا إلى أن تركيا «تؤيد حل المسائل عبر المفاوضات المتبادلة وليس عبر الإملاءات».
وقال إن «هناك خطوات كثيرة يمكن لتركيا وإيران اتخاذها معا من أجل إنهاء الصراعات، وتأسيس أجواء السلام في منطقتنا»، مضيفا: «يتعين علينا أن نزيد من جهودنا الرامية إلى احتضان الشعب السوري».
وأشار إردوغان إلى أن مباحثاته مع روحاني، تناولت العلاقات الاقتصادية، والتجارية بين البلدين، والتطورات الراهنة والإقليمية، وقال إن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران في العام الماضي 2017 بلغ 11 مليار دولار، في حين وصل حجم التبادل التجاري خلال الأشهر العشرة الأولى من 2018 إلى 8 مليارات دولار.
وأضاف إردوغان أنه يتعين على البلدين العمل بشكل مكثف من أجل زيادة حجم التبادل التجاري حسب الهدف المحدد، وهو الوصول بحجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار.
وأكد أن تركيا وإيران مستعدتان لاتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون تراجع العلاقات التجارية المشروعة بينهما بسبب العقوبات الأميركية على إيران، وشدد على عزم البلدين تعميق علاقات التعاون بينهما في مختلف المجالات خلال الفترة المقبلة.
من جانبه، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه تم الاتفاق على إزالة العراقيل أمام تطوير التعاون الاقتصادي بين بلاده وتركيا، مضيفا أن «الدول القليلة التي أيّدت العقوبات الأميركية على إيران ناقضت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231».
وأضاف أن واشنطن تهدد الآخرين لمنعهم من الاستثمار في إيران وهذا يناقض القرارات الدولية. معتبرا أن إجراء أميركا ضد إيران هو «عمل إرهابي بنسبة مائة في المائة لأنها ترهب الدول الأخرى لمنعها من التجارة الحرة مع إيران».
وعبر روحاني عن شكره للرئيس التركي وحكومته لـ«مواقفهم الحازمة في وجه الأحادية والحظر غير القانوني والجائر من قبل أميركا على إيران».
وأضاف روحاني أن موقف تركيا ورئيسها، رجب طيب إردوغان ضد ما سماه مؤامرات العقوبات الأميركية في الأشهر الأخيرة، كان جيداً ودقيقاً للغاية، لافتا إلى وجود الكثير من النقاط المشتركة بين طهران وأنقرة في مجالات تاريخية وثقافية ودينية.
وفيما يخص سوريا، أكد الرئيس الإيراني أن الجانبين سيواصلان تعاونهما في مسار أستانة، قائلا، اتفقنا اليوم أن نعقد الاجتماع القادم للدول الثلاث في روسيا، وإن قضية سوريا مهمة بالنسبة لنا... وينبغي أن تحظى وحدة الأراضي السورية باحترام الجميع... وفي هذا الشأن تتفق وجهات نظر البلدين بشكل كامل وسنواصل تعاوننا لإحلال السلام والأمن في المنطقة.
وأكد روحاني اتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، والتعاون لمساعدة الشعب اليمني. واستتباب الأمن في سوريا واليمن.
وأضاف أن إيران وتركيا قررتا إجراء مشاورات بخصوص المساعدات الإنسانية في اليمن.
كان روحاني وصل إلى أنقرة مساء أول من أمس، في زيارة رسمية تلبية لدعوة من إردوغان، الذي استقبله أمس بالقصر الرئاسي ثم عقدا جلسة مباحثات ثنائية ترأسا بعدها وفدي البلدين في الاجتماع الخامس لمجلس التعاون التركي الإيراني رفيع المستوى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟