قوبل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بسحب القوات من سوريا بترحيب روسي، ترافق مع تشكيك بنيات الإدارة الأميركية وإشارات إلى أن موسكو ستراقب آليات تنفيذ القرار، والخطوات الأميركية اللاحقة على المستويين الميداني والسياسي.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار نظيره ترمب بأنه «خطوة صحيحة»، لكنه دعا إلى التريث، «لأننا لا نفهم بالضبط ماذا يعني هذا الإعلان».
وقال بوتين أمس، خلال مؤتمره الصحافي السنوي في موسكو، إن «الوجود العسكري الأميركي في سوريا غير شرعي، وسحب الولايات المتحدة قواتها خطوة صحيحة، لكن حتى الآن لا أرى مؤشرات على الانسحاب، نفترض أن هذا أمر ممكن، لا سيما أننا نسير في طريق التسوية السياسية»، مشيرا إلى أنه «ليس هناك حاجة للوجود العسكري الأميركي في سوريا للتوصل إلى هذه التسوية».
وزاد بوتين بلهجة تشكيك أنه لا يعرف «ماذا يعني ذلك؟ (القرار) للولايات المتحدة حضور في أفغانستان منذ 17 سنة، وكل سنة يتحدثون عن الانسحاب من هناك، لكنهم ما زالوا موجودين».
وتعمد بوتين خلافا للمواقف الأوروبية أن يدعم المبررات التي قدمها ترمب في شأن الحاق الهزيمة بتنظيم داعش. وقال إنه «موافق في أنه تم تحقيق الانتصار على داعش في سوريا»، مشيرا إلى أن القوات الروسية وجهت ضربات قوية للتنظيم هناك.
وكان القرار الأميركي المفاجئ قوبل بردود فعل متباينة في روسيا، وسط تشكيك أطراف عسكرية وبرلمانية بجدية الرئيس الأميركي في تنفيذ انسحاب كامل وسريع.
ومع أن البيانات الرسمية الصادرة عن الخارجية والكرملين أعربت عن ارتياح لكن دبلوماسيين روسا قالوا إن القرار بصياغته المعلنة «غامض ويبعث على تساؤلات»، خصوصا لجهة انعكاساته المحتملة على الوضع الميداني في الشمال السوري، مع التحضيرات الجارية لعملية عسكرية تركية، وكذلك حول طبيعة التحركات الأميركية الجديدة التي وصفت في واشنطن بأن ستشكل «مرحلة جديدة» للتعامل مع الملف السوري.
وأعربت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن قناعة بأن القرار الأميركي سيؤثر إيجابا على تشكيل اللجنة الدستورية السورية. وأضافت أن القرار سينعكس إيجابا أيضا على الوضع في منطقة التنف الحدودية بين سوريا والأردن. ورأت الخارجية الروسية في خطوة ترمب المفاجئة «إدراكا من جانب واشنطن بأن معارضتها للجهود التي تبذلها الدول الضامنة لعملية أستانا (روسيا، تركيا، إيران) في سوريا تضر بالمصالح الأميركية نفسها».
وذكرت زاخاروفا أن مباحثات وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا التي جرت في جنيف، أسفرت عن صدور بيان وتقديم قائمة بأسماء الأشخاص المرشحين لتشكيلة اللجنة الدستورية السورية. وزادت أن القرار الأميركي يمنح «فرصا لا بأس بها» لهذه المبادرة، التي «أصبح تنفيذها يعود إلى موظفي الأمم المتحدة». لكن الناطقة توقفت عند الإشارة الأميركية إلى «المرحلة الجديدة»، ورأت أنها «ما تزال مبهمة وضبابية». وشككت في جدية النوايا الأميركية، مشيرة إلى أن التصريحات عن سحب قوات الناتو من أفغانستان لم تمنع من إعادتها إلى هناك مرارا على مدى سنوات.
تزامن ذلك مع تشكيك رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب (الدوما) الروسي، فلاديمير شامانوف، وهو جنرال سابق ومقرب جدا من وزارة الدفاع في القرار الأميركي. وقال إنه لا يجدر بروسيا أن يصيبها «الاسترخاء» بعد قرار الرئيس الأميركي. وزاد أن الأميركيين «لا ينسحبون أبدا من مواقع سبق أن احتلوها، ويبتكرون حيلا ما للبقاء». بينما لم يستبعد رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الفيدرالية (الشيوخ) الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن تواصل الولايات المتحدة نشاطاتها في سوريا، بعد سحب عسكرييها من هذا البلد، عبر حلفائها.
ولفتت أوساط إعلامية روسية إلى أن توقيت القرار بعد مشاورات مكثفة مع تركيا وجولتي محادثات بين إردوغان وترمب، يشير إلى أن القرار مرتبط بالتحضيرات التي تقوم أنقرة لشن عملية عسكرية في شمال سوريا. ونقلت وسائل إعلام حكومية عن مصدر عسكري تركي أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من شمال شرقي سوريا «بشكل جزئي قبيل بدء الجيش التركي عمليته العسكرية المرتقبة في المنطقة». وأوضح أن الانسحاب سيكون «من المناطق الحدودية التي ستكون مسرحا للعمليات في المرحلة الحالية، وذلك وفقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وأميركا، وهذا الانسحاب سيكون جزئيا». وأضاف المصدر: «تملك الولايات المتحدة نحو 15 قاعدة عسكرية في الضفة الشرقية لنهر الفرات، لذلك فإن انسحابها بشكل كامل من المنطقة أمر غير وارد، حيث ستقوم بتقليص عدد جنودها فقط في هذه المرحلة وذلك قبيل بدء الجيش التركي عمليته العسكرية في شرق الفرات». وأفادت بأن الوضع ما زال ضبابيا حول تأثير القرار على عملية عسكرية واسعة النطاق لتركيا.
وأبرزت تصريحات زاخاروفا أيضا أن روسيا ليست متيقنة من أن الانسحاب الأميركي شامل، بمعنى أنه سوف يشمل الوجود الأميركي في المناطق الجنوبية أيضا، قاعدة التنف ومخيم الركبان. وقال دبلوماسيون إن «التنفيذ العملي سيشكل اختبارا لجدية ترمب».
في السياق برز تشكيك بنيات ترمب السياسية أيضا، من خلال التوقف عند إشارته إلى «مرحلة جديدة للتعامل مع الملف السوري» خصوصا أن حديثه حول مبررات الانسحاب شكل تراجعا عن النقاط التي وضعها مبعوثه الخاص إلى سوريا قبل ثلاثة أيام فقط، إذ تحدث جيمس جيفري عن ثلاثة أهداف في سوريا (هزيمة «داعش» وخروج إيران وتسوية سياسية قابلة للحياة)، بينما حمل قرار ترمب إشارة إلى واحد منها فقط هو هزيمة «داعش».
ووفقا لزاخاروفا فإن موسكو تنتظر أن ينعكس القرار الأميركي سياسيا خلال انعقاد الاجتماعات الأولى مع الأمم المتحدة لإقرار اللجنة الدستورية مطلع العام. وموسكو تعول على اتضاح الموقف حينها لجهة وجهات نظر المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا وطبيعة التحركات الأميركية هناك، خصوصا أن الرئيس الروسي تعمد أن يركز في حديثه أمس، على أن «العام القادم سيشهد انطلاق المرحلة السياسية من تسوية الأزمة السورية، ولا سيما بعد انتهاء العمل على تشكيل اللجنة الدستورية». وأكد بوتين أن «الرئيس السوري بشار الأسد، وافق على قائمتين لمرشحي اللجنة الدستورية السورية رغم اعتراضه على بعض الأسماء الموجودة فيها، وهو قدم قائمته من 50 شخصا كما شارك في تشكيل قائمة ضمت 50 شخصا آخرين من المجتمع المدني ووافق عليها رغم أنه لم يكن راضيا عن كل شيء فيها».
وأشار بوتين إلى أن إيران وتركيا أيضا أكدتا موافقتهما على هذه القائمة، التي تمت إحالتها بعد ذلك إلى الأمم المتحدة. وأضاف: «كما أبلغني أمس وزير الخارجية سيرغي لافروف، تبين أن الممثلين الأمميين وخاصة السيد دي ميستورا قرروا بشكل مفاجئ التروّي مدفوعين من شركائنا في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة». وتابع: «لكن هذا العمل، وهو ما أريد التصديق به، يدخل المحطة النهائية، وآمل في أن يتم الاتفاق على هذه القائمة أوائل العام المقبل إن لم يتم في أواخر السنة الجارية، لتبدأ المرحلة الجديدة من التسوية، أي المرحلة السياسية بالتحديد».
بوتين يرحب بـ«الخطوة الصحيحة» لترمب... وينتظر التنفيذ
بوتين يرحب بـ«الخطوة الصحيحة» لترمب... وينتظر التنفيذ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة