سنوات السينما

جين هاكمان في «المحادثة»
جين هاكمان في «المحادثة»
TT

سنوات السينما

جين هاكمان في «المحادثة»
جين هاكمان في «المحادثة»

The Conversation
(1974)
رجل يصعد إلى الهاوية
> اختلف فيلم «المحادثة» عن فيلمي مخرجه فرنسيس فورد كوبولا السابق واللاحق وهما «العرّاب» (1972) و«العرّاب - الجزء الثاني» (1974). وقوعه بينهما كان دلالة على القوّة التي أخذ كوبولا يتمتع بها بعد نجاح «العراب». لكن اختلافه عنهما له دلالة أخرى. كوبولا اختار موضوعا ينتمي إلى حس اجتماعي ذاتي. قضية ووترغيت التي أحاط بها كذلك «كل رجال الرئيس» و«بارالاكس فيو» (كلاهما لألان ج. باكولا، أفشت عن وجود حكومات داخل حكومات وأجهزة مخابرات وليدة أجهزة أخرى. «المحادثة» كان عبارة عن قصة خيالية من حيث إنها بنات أفكار كوبولا لكنها كانت أيضا من بنات الواقع كونها استندت إلى ما شاع من وجود جهاز يعمل فوق القانون كاد أن يبقى مستورا لولا أشرطة ووترغيت التي هوت بالرئيس نيكسون.
يقدم «المحادثة» حالة خبير تجسس بالتنصت اسمه هاري كول (جين هاكمان) الذي يعيش حياة وحيدة لا تخلو من كبت المشاعر والعواطف. يهوى عزف الساكسفون ويحيط نفسه بسرية كبيرة تدفعه لأن يبقى حذرا وبعيد التناول. هو شريك في جريمة إنسانية كونه يعمل لصالح وكالة تجسس تعمل لصالح أشخاص غامضين.
هذا قبل أن ينحدر وضعه فإذا به يصبح شريك جريمة قتل من حيث لم يدرك عندما يطلب منه رئيس الوكالة (روبرت دوفال) التجسس على عاشقين. هاري كول (جين هاكمان في أكثر أدواره إجادة) يكتشف أن المرأة ما هي إلا زوجة رئيسه والرجل عشيقها لكنهما متحابان فعلياً وليس بحكم الشهوة فقط. حال وقوع الجريمة يدرك هاري بأن تجسسه كان الدليل الذي استند إليه القاتل (رئيس الوكالة) للإيعاز بقتل زوجته. هذا الإدراك يدفع هاري لحالة من الانطواء يزيدها وقعا شعوره بالذنب وسيكولوجيته المعقدة التي تدفعه للانجراف صوب الهاوية.
المشهد الأخير من الفيلم يعكس حالة رجل يدعو للرثاء. لقد أخذ الشك يدهمه بقوّة ما يحوّله إلى مهووس. ما يدريه أنه هو بنفسه بات موضوعاً للتجسس والمراقبة؟ يدخل شقته ويمزق جدرانها ويقبع بلاطها ويفرغ محتوياتها. حين لا يجد ما يثبت ريبته يجلس وفي يده آلة الساكسفون ويبدأ بالعزف. كنوع من الاغتراب بعيدا عن الذات وهروب إلى ملاذ جديد.
بنى كوبولا الممتاز، الكاتب والمخرج، شخصية هاري بدراية شديدة. إلى جانب مهارته الكبيرة في التنصت حافظ على مهارة كبيرة في المحافظة على حياته بعيدة عن الأنظار. ومنوال حياته هو خط دفاع ضد الآخرين فهو لا يثق بأحد وهو يخشى من ضعفه أمامهم لذلك يحمي عزلته ويخشى انهيارها (مشهد رفضه التجاوب مع امرأة رغبت به خلال حفلة راقصة صغيرة). ويخال له أن أفضل طريقة لحماية نفسه هو العيش من دون أي تواصل، فيزيائي أو ميتافيزيائي، مع الآخرين (مثال الهاتف الذي يخبئه في درجه مدعيا أنه لا يوجد هاتف لديه).
فيلم فرنسيس فورد كوبولا يتحدث باقتصاد عن مواضيع نفسية - فردية كبيرة، كما عن مواضيع اجتماعية أكبر. يترك في البال شعورا بأن الحياة أصبحت سلسلة من المواقف الغرائبية وأن الأخ الأكبر يراقبك من دون أن تدري. إنه نموذج لسينما «البرانويا» التي داومت السينما الأميركية البحث فيها طويلاً وبنتائج مختلفة. لكن صاحب «العراب» و«سفر الرؤيا الآن» ليس مهتماً برصف أوضاع وأشكال اجتماعية أكبر حجماً من المطلوب رصده. يبقى في إطار الشخص الواحد الذي هو المجرم والضحية معاً. يمنح هاري مرجعية إنسانية لكنه يصنفه في الوقت ذاته كمتعاون مع النظام كحال عشرات الألوف ممن يشاركونه المهمّة ذاتها حول العالم.

قيمة تاريخية: (4*)
قيمة فنية: (5*)


مقالات ذات صلة

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.