موسكو: سوريا تجاوزت «السيناريو الأسوأ»

TT

موسكو: سوريا تجاوزت «السيناريو الأسوأ»

حدد مسؤول في مجلس الأمن القومي الروسي أبرز المجريات التي شهدها عام 2018 على صعيد الوضع في سوريا وحولها، ورأى أن «الانتصار الأهم» هو نجاح حكومة الرئيس بشار الأسد في تجاوز «أسوأ سيناريو» من خلال عدم السماح بانهيار الدولة السورية، لكنه حذّر من خطر استمرار وجود «مناطق رمادية» في سوريا، ورأى أن إدلب تشكل «أكبر تهديد حالياً». وتطرق إلى العلاقة مع إسرائيل، مؤكداً «تفهم موسكو الحاجات الأمنية لتل أبيب» والقلق من وجود إيران على الأراضي السورية.
ورغم أن جزءاً من المعطيات التي قدمها مساعد سكرتير مجلس الأمن الروسي ألكسندر فينيديكتوف، تباين مع الموقف الرسمي المعلن للكرملين، خصوصاً ما يتعلق بأن إدلب تشكل التهديد الأكبر حالياً، فإن إشاراته دلت على قناعة بعض النخب العسكرية والأمنية الروسية التي واصلت الحديث خلال الأيام الماضية عن ضرورة «تحرير كل الأراضي السورية من سيطرة الإرهابيين وإعادتها إلى قبضة الحكومة السورية». وفي حديث لشبكة «سبوتنيك» الحكومية، رأى فينيديكتوف أن الإنجاز الأهم في العام الماضي هو تمكين حكومة بشار الأسد من طي صفحة خطر انهيار الدولة السورية ووقوعها تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية تماماً. وقال إنه «لا شك في أن حكومة بشار الأسد الشرعية تمكنت حتى اليوم من تجنب السيناريو الأسوأ، وهو دمار الدولة السورية وتحولها إلى مرتع عالمي النطاق للإرهابيين».
وزاد أن المناطق «الرمادية» الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة في منطقة التنف وما وراء الفرات في سوريا؛ «ما زالت تعرقل دفع التسوية السلمية للأزمة السورية». وتابع أنه «توجد في البلاد قوات أجنبية أخرى، مع العلم بأنهم بخلافنا؛ نحن والإيرانيين، ينتشرون هناك بشكل غير قانوني. ما زال يقلقنا وجود المناطق (الرمادية) على الخريطة السورية»، موضحا أن «الحديث يدور عن التنف وما وراء الفرات، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها. نرى أن وجود مثل هذه المناطق في سوريا عامل معرقل على طريق المصالحة الوطنية وعملية التسوية السلمية في البلاد».
وأشار فينيديكتوف إلى أن محافظة إدلب هي «أكبر التهديدات في الوقت الحالي»، مشددا على أنه «يجب عدم السماح بأن تتحول المنطقة إلى ملاذ آمن للإرهابيين».
وأضاف أن «التهديد الأكبر اليوم هو منطقة إدلب. من ناحية؛ يجب عدم السماح لإدلب بأن تصبح ملاذا آمناً للإرهابيين، ومن ناحية أخرى؛ من الضروري تجنب تكرار الكارثة الإنسانية التي وقعت نتيجة للأعمال غير المدروسة التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الموصل والرقة».
وقال المسؤول الروسي إن بلاده «تتفهم القلق الذي تشعر به إسرائيل حيال وجود قوات تابعة لإيران قرب حدودها الشمالية»، لكنه أضاف أن هذا الوجود يستند إلى أساس قانوني.
وأشار إلى أن «اتصالاتنا مع الشركاء الإسرائيليين تبين أن وجود الوحدات العسكرية التي تسيطر عليها طهران على الأراضي السورية بالقرب من الحدود الإسرائيلية، لا يزال يمثل أخطر نقطة خلافية في العلاقات بين إيران وإسرائيل. ونظرا إلى السياق التاريخي والجيوسياسي، فإن مخاوف الإسرائيليين مفهومة». لكنه استدرك: «مع ذلك، ينبغي على المرء أن يدرك أن الوجود الإيراني في سوريا له أساس شرعي؛ إذ جاء بناء على دعوة من حكومة هذا البلد للمساعدة في القضاء على الإرهابيين».
وحذر فينيديكتوف من مخاطر انتقال جزء من مسلحي سوريا والعراق إلى مناطق في أفريقيا. وقال إن «الدول الأفريقية تواجه تحديا خطيرا من قبل الإرهاب؛ فبعد الهزيمة التي لحقت بالمسلحين في سوريا والعراق، رُصد نزوح بعضهم إلى منطقة الساحل الأفريقي والمناطق الواقعة إلى الجنوب منها».
وأضاف فينيديكتوف أنه «نتيجة لذلك، شهدت أراضي واسعة هناك نشوء جيوب إرهابية تحت رايات (داعش) و(القاعدة) وتنظيم (بوكو حرام) الذي أعلن ولاءه لـ(داعش)».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.