مبدعون في مواجهة الصفحة البيضاء

تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» عن تجاربهم في التغلب على «الانسداد الكتابي»

الشاعر زهير كريم  -  الكاتب محمد عبد النبي  -  الكاتبة عزة رشاد
الشاعر زهير كريم - الكاتب محمد عبد النبي - الكاتبة عزة رشاد
TT

مبدعون في مواجهة الصفحة البيضاء

الشاعر زهير كريم  -  الكاتب محمد عبد النبي  -  الكاتبة عزة رشاد
الشاعر زهير كريم - الكاتب محمد عبد النبي - الكاتبة عزة رشاد

كثيراً ما تتمرد الصفحة البيضاء على الكتاب. قد يحدقون فيها لساعات، وحتى لأيام أو سنين، كما في بعض الحالات؛ لكنها تبقى بيضاء، متحولة إلى «حُبسة» وحاجز صلد، رافضة استقبال الكلمات والأفكار أيضاً. هل هي النهاية؟ ما الذي يحصل في ذهن المبدع وروحه؟ هل توقفا عن العمل لسبب ما؟ ما العمل في مثل هذه الحالة؟
هنا كتاب يتحدثون عن خوفهم وعجزهم أمام الورقة البيضاء، وعما يفعلوه للتغلب على «الانسداد الكتابي»:
في البداية يحيلنا الروائي والمترجم المصري محمد عبد النبي، إلى المصطلح الإنجليزي «The writing block»، الذي يوحي بذلك الحاجز الضخم الذي يُعيق تدفق الكتابة، أو ما يمكن تسميتها العقبة، أو الانسداد، أو الحُبسة، حين تختفي الكلمات وتهرب الأفكار والصور والمعاني فجأة. لكن عبد النبي «لا يتذكر» أنه عانى من ذلك. ربما ليس بعد. يقول: «لا أذكر أنني عانيت من مشكلة انسداد الكتابة أو حُبسة الكتابة، فدائماً هناك أفكار ومشروعات أكثر مما يتيحه الوقت والطاقة الفردية للكاتب؛ لكن من ناحية أخرى يمكن أن يحدث لي هذا في وسط العمل على مشروع قصة طويلة أو رواية، عندئذٍ تبرز المشكلة الحقيقية، وهي السكة المسدودة على الصفحة البيضاء، حينئذ لا أعرف أين أتوجه بالأحداث مثلاً، أو أي شيء من هذا القبيل، ويكون لدي ساعتها عدة خيارات لتجاوز هذه العقبة، أفضلها أن أبتعد عن الكتابة لبعض الوقت، وأمارس نشاطاً مختلفاً تماماً، بعيداً عن فكري أو ذهني بالمرة، مثل المشي أو الأعمال المنزلية».
وعلى ذكر المشي، يتذكر صاحب رواية «في غرفة العنكبوت» ما قاله الروائي الأميركي بول أوستر في سيرته الذاتية «حكاية الشتاء»؛ حيث يعقد فيها مقارنة بين علاقة المشي بالكتابة: «لكي تؤدي عملك عليك أن تمشي، المشي هو ما يوجد لك الكلمات، وهو ما يتيح لك سماع إيقاعات الكلمات، فيما تكتبها في ذهنك». ويستدعي الكاتب والشاعر العراقي زهير كريم، واحدة من فترات «حُبسة الكتابة» التي مر بها: «حدث بالفعل أني انقطعت لظروف صعبة عن الكتابة، سفر متواصل، عمل لساعات طويلة، وشعور بعدم الاستقرار يرافقه قلق مستمر. وقد حاولت خلال فترة دامت أعواماً طويلة أن أكتب شيئاً؛ لكن النتيجة كانت مخزية. وفي تلك اللحظات العصيبة، ترسخ لدي اعتقاد بأني سوف أفشل حتى في كتابة جملة جيدة واحدة في المستقبل، وأنه من الأفضل أن أنسى موضوع الكتابة. هذا ليس غريباً. كثير من الشعراء والكتاب توقفوا، يحدث ذلك لأسباب متنوعة. لكن هاجس الكتابة في الحقيقة لم ينطفئ في داخلي، كان يحتاج في الحقيقة لشروط حياة أخرى كي يتوهج».
ويضيف كريم: «حدث لي هذا بالفعل بعد أن استقر بي الحال في أوروبا، في البداية لم يكن الأمر سهلاً، كنت أحتاج للتدريب، تماماً مثل المرء الذي تُجرى له عملية في ساقيه، ومن الطبيعي أنه يحتاج إلى فترة تدريب على المشي، خلال ذلك كنت أكتب نصوصاً سيئة، وكنت أدرك أنها سيئة، لكني آمنت في تلك الفترة بأنني يجب أن أستمر، وأن أنفخ على الجمرة حتى يتأجج اللهب. بعد سنتين أصدرت روايتي الأولى (قلب اللقلق)، ولم أكن قد صدقت فعلاً أنني كتبت شيئاً كهذا. إذن، أنا أركز في شهادتي هذه على قضية أجدها ضرورية، وهي أن نستمر في الكتابة، ربما سوف يحدث أن نكتب نصوصاً سيئة، وهذا شيء طبيعي؛ لكن هذا التواصل مع عملية الكتابة نفسها، سوف يمنحنا فرصة لمعالجة الأفكار، وتحريض المخيلة، واختزال الشوائب، وفي النهاية الخلاص من متلازمة الورقة البيضاء».
يخلص كريم إلى أن «الكتابة المستمرة دون انقطاع هي المحاولة الأكثر أماناً لتجنب حُبسة الكتابة» حسب كريم صاحب «ماكنة كبيرة تدهس المارة»، معتبراً أن ظاهرة «قُفْلة» الكتابة تحدث مع أغلب الكتاب وليس مع الجميع، مستشهداً في هذا السياق بقول الكاتب الألماني هيرمان هيسه: «لا يوجد في الحقيقة ما يُسمى بالقفلة الكتابية، وإن ما يحدث هو تأخير زمني ما بين بزوغ المشكلة الإبداعية التي تحتاج إلى حل درامي في منطقة اللاوعي، وبين انتقاله إلى منطقة الوعي».
- ثقب من الضوء
ما يقوله هيسه عن قفلة الكتابة، تستدعيه الكاتبة المصرية عزة رشاد، صاحبة «ذاكرة التيه»، وهي تتحدث عن المرور القاسي بتلك الأزمة الكتابية، عبر نص تشير إليه هنا، وهو أقرب للتأمل السردي، أطلقت عليه «الأبيض الدامي أم العماء الكامل؟».
تقول رشاد: «ولكنهم أتوا؛ وسرعان ما جعلوا من بياض الصفحة متاهة مظلمة متباينة الأعماق؛ هو وهي... هم. أشياؤهم، وأشياء العالم أو خرابه وخراباته، من قلق الأفكار؟ من الكوابيس؟ أم من غبار خيالات مترنحة؟ أم من كل ذلك؟ لا بأس؛ يبدو هذا في البداية أقل بؤساً أو أقل وأداً من البياض المرعب. الصفحة التي تخشين أن تصبح خاوية بعد التوهم بمنتصف الطريق، نصف العمى؛ لكن تناحرهم موجع، كلٌّ يريد الاستيلاء على الصفحة كلها أو عليَّ، يتطاولون فتلفظهم جميعاً نفسي وأعود إلى البياض، إلى الخواء، هل هو العدم؟ أم أنه انتظار مؤلم، يصبح أقل إيلاماً إذا آمن الشخص بحتميته. آتٍ لا محالة، أنتظره أم أجري وراءه؟ أي جري؟ أي طريق؟ أي ظلمة؟ أي مسافة؟ يا لها من خرافة!».
تتابع صاحبة «حائط غاندي» متسائلة في نصها: «أهي الخرافة الثانية؟ إذن ما الثالثة؟ وعد؟ حلم؟ أم حمى وهلاوس؟ أهي جنة قد لفظتكِ بعد أن نالت منكِ مرادها؟ هل فتحت بابها وألقت بجسدك العاري المقدد خارجاً؟ هل ستجففين دموع عينيكِ اللتين فقدتا ثلاثة أرباع البصر في القراءة، وتطوين الصفحة للأبد؟ أم ستبقين عند الباب، مُتربصة، مُتحرشة، تقررين فقط أن تظلي في الجوار. تغوص عيناكِ في الأبيض والأسود، تحركين النقاط لتغيير الخريطة، لتهدمي عوالم وتشيدي بدائلها بطرف القلم في الخطوط والظلال (أبيض- أسود)، في الكتابات... فوق خربشات وجوه منهكة، تظلين تقلبين طبيخ العالم وإفرازاته الشاذة، وتُبدلين الأبيض الرائق، الأبيض الشفاف، الأبيض الطاهر، إلى الأبيض الدامي، خثرة الحبل السري الذي لن يكف عن النزف طالما أنتِ حية، متوهجة، ومنتظرة لحظة انفلات ثقب من الضوء من تحت الباب؟ كي تنقضي عليه، وعليها مرة أخرى، بحثاً عن العماء الكامل. وفي لغة أخرى: لن أتنازل عنها (الكتابة)، إن لم تأتني سأقلب العالم حتى أجدها، وأجدها لكي أقلب بها العالم، العالم الذي أمثل أنا صورته ونقيضه معاً».
- مفاتيح الاستمالة
إذن، عدم التنازل عن الكتابة هو خيار عزة رشاد، صاحبة «شجرة اللبخ»، رغم كوابيس خواء الصفحة، وهو خيار اختبره أيضاً الكاتب محمد عبد النبي، عبر ورشته المهتمة بالكتابة الإبداعية التي أطلقها منذ عام 2009، وتحمل اسم «الحكاية وما فيها»، والتي قام بجمع فصول منها في كتاب له يحمل الاسم ذاته.
من بين تلك الآليات فتح حوار مع شخصيات الكاتب، حوار متخيل في ذهنه، أو مكتوب، على الورق، فلعله يوحي له بمفاتيح استمالتها واستدعائها إلى عالم النص من جديد، حسب تعبيره. ويرى عبد النبي أن من بين المفاتيح وأدوات كسر الجمود أيضاً، رسم خرائط عقلية في حرية تامة على صفحة كبيرة، يعتبرها لعبة استكشافية، كأن يقوم الكاتب بكتابة الكلمات المفتاحية أو المشاهد الأساسية، وكل ما يشعر بأنه مركزي في عمله، ويرى إلى أي الاتجاهات تسير.
وفي واحدة من نصائحه الواردة في كتاب «الحكاية وما فيها» يقول: «اقتل الناقد الجاثم على كتفيك. كثيراً للغاية ما ينبع العجز عن الاستمرار في الكتابة من عدم رضانا عمَّا كتبناه، ذلك الصوت السخيف المزعج الذي يوسوس لنا باستمرار، مستهيناً أو ساخراً أو مشككاً، وعندئذٍ لن يجديك أي شيء إلا القضاء على ذلك الصوت تماماً، ولَي عنقه لصالحك، والسخرية منه، ودحض براهينه، وما هي إلا مسألة وقت وممارسة حتى تفاجأ بخرس ذلك الببغاء البشع، أمام حركة يدك على لوحة المفاتيح أو صفحاتك البيضاء. قد تبدو هزيمته مستحيلة لبعض الوقت؛ لكنه ينكمش ويتضاءل ويختفي أمام إصرارك على العمل دون إصدار أي أحكام في الوقت الحالي، فللمراجعة والتحرير وقت سيأتي فيما بعد، ولكن ماذا يمكنك أن تراجع وتصحح إن لم تضع شيئاً على الورق من الأساس؟».



«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
TT

«إقامة جبرية» يراهن على جاذبية «دراما الجريمة»

هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)
هنا الزاهد بطلة المسلسل (الشركة المنتجة)

تطلب «سلمى» التي تجسد دورها هنا الزاهد من زوجها الذي يلعب دوره الفنان أحمد حاتم الطلاق، لكنه يصطحبها لقضاء الليلة الأخيرة لهما بأحد الفنادق لعلها تعيد النظر في قراراها، يُلح عليها ويعترف لها بخطئه في غيرته المجنونة عليها، تُصر على قرارها ما يدفعه للقفز أمامها من ارتفاع شاهق، تنتهي التحقيقات إلى أنه «حادث انتحار».

وتشعر سلمى بمسؤوليتها عن انتحاره وتعيش حالة صدمة وحزن، تستعيد مشاهد من قصة حبهما وزواجهما على وقع إصرار صديقتها دينا «ثراء جبيل» لإخراجها من حالة الحزن بعد 3 أشهر من الحادث.

وتلجأ لطبيبة نفسية «الدكتورة عايدة» التي تجسد دورها الفنانة صابرين، تروي لها حكاية مغايرة عن قصتها مع زوجها وأنها هي من دفعته بيديها من أعلى المبنى، يتكرر نفس الحوار الذي جاء في مشهد يجمعها وزوجها قبل انتحاره، لكن هذه المرة يرفض هو استمرار حياته معها، ويكتنف الغموض تصرفات «سلمى»، فيما تقرر الطبيبة تسجيل اعترافها بدفع زوجها للانتحار وتكتشف «سلمى» الأمر.

فيما تعيش «الدكتورة عايدة» أزمة مع ابنها موسى بطل السباحة «محمد الشرنوبي» الذي تخفي عنه أن والده على قيد الحياة. تتصارع الأحداث وتنبئ بأن «سلمى» ستصبح مصدر خطر يهدد الطبيبة.

الزاهد تقدم دوراً جديداً عليها (الشركة المنتجة)

المسلسل الذي يعرض عبر منصة «Watch It» من تأليف أحمد عادل وإخراج أحمد سمير فرج ويشارك في بطولته محمد الدسوقي، جالا هشام، أحمد والي، مع ظهور خاص لعايدة رياض، وأحمد حاتم كضيفي شرف، وخضع العمل لمراجعة طبية من د. مينا إيميل، وتدور أحداثه في 10 حلقات تُعرض كل أربعاء بواقع حلقتين أسبوعياً.

مؤلف المسلسل أحمد عادل له باع طويل في كتابة دراما الإثارة والغموض عبر مسلسلات عدة من بينها «خيانة عهد»، «حرب أهلية»، «أزمة منتصف العمر»، والمسلسل السعودي اللبناني «كسرة قلب» الذي عرضته منصة «نتفليكس»، كما يشارك المؤلف أيضاً في إنتاج المسلسل مع كل من عامر الصباح وشريف زلط.

وحول تفضيله لدراما الجريمة والإثارة يقول أحمد عادل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه يكتب الدراما التي تستهويه مشاهدتها والتي تجعله كمشاهد لا يستطيع أن يرفع عينيه من على الشاشة طوال مشاهدة الحلقة، وأنه يضع المشاهد في هذه الحالة عبر أعماله الدرامية.

صابرين تجسد دور طبيبة نفسية بالمسلسل (الشركة المنتجة)

ويفسر عادل أسباب تزايد إنتاج هذه النوعية من المسلسلات في السنوات الأخيرة إلى ظهور المنصات التي أتاحت تقديم القصة في 10 حلقات مكثفة، معتمدة على الإيقاع السريع.

ويؤكد المؤلف أنه لا يحاول إثارة الغموض بدليل أنه كشف في الحلقة الثانية عن أن «سلمي» هي من قتلت زوجها، مؤكداً أن هناك كثيرات مثل «سلمى» في الحياة، مشيداً بتعاونه الأول مع المخرج أحمد سمير فرج الذي يصفه بأنه من أكثر الناس المريحة نفسياً وقد أضاف كثيراً للسيناريو.

ويؤكد أحمد عادل الذي عمل 15 عاماً بمجال الإنتاج مع شركة «العدل غروب» أنه يكتب أعماله أولاً ثم يقرر إذا كان يمكنه إنتاجها بعد ذلك أم لا، لأن كلاً من الكتابة والإنتاج يتطلب تفرغاً.

وأفاد بأن عنوان المسلسل «إقامة جبرية» سيتكشف مع توالي حلقات العمل.

وبحسب الناقد أحمد سعد الدين فإن المسلسل صدم مشاهديه من أول مشهد بحادث الانتحار ما يجذبهم لمشاهدته لافتاً إلى ما ذكره الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة من أن «الحلقة الأولى إما تنجح في جذب المشاهد لاستكمال حلقاته أو التوقف عن مشاهدته»، مؤكداً أن «المسلسل نجح في الاستحواذ على المشاهد من اللقطات الأولى».

لقطة من العمل (الشركة المنتجة)

ويلفت سعد الدين إلى أن مسلسلات الجريمة والغموض تحقق تشويقاً كبيراً للمشاهد خاصة مع ظهور المنصات التي دفعت لإنتاجها وعرضها فترة «الأوف سيزون» بعيداً عن موسم رمضان، ودفعت لموسم موازٍ بأعمال مختلفة ومثيرة.

ويشير الناقد المصري إلى أن أحداث الحلقات الأولى كشفت أيضاً عن أزمة تعيشها الطبيبة النفسية لأن الطبيب النفسي إنسان أيضاً ولديه همومه ومشكلاته.

فيما ذكرت هنا الزاهد في تصريحات صحافية إلى حماسها الكبير لهذا المسلسل الذي تقدم من خلاله دوراً جديداً تماماً عليها، وأنها تراهن على هذا الاختلاف.