الجزائرية كاميليا جوردانا تتألق غنائياً في فرنسا

المغنية الملتزمة تطلق أسطوانتها الثالثة وتعتبر نفسها فنانة عابرة للحدود

كاميليا جوردانا ضيفة برنامج تلفزيوني فرنسي
كاميليا جوردانا ضيفة برنامج تلفزيوني فرنسي
TT

الجزائرية كاميليا جوردانا تتألق غنائياً في فرنسا

كاميليا جوردانا ضيفة برنامج تلفزيوني فرنسي
كاميليا جوردانا ضيفة برنامج تلفزيوني فرنسي

من تولون، في أقصى الجنوب الفرنسي، صعدت الشّابة المتحدرة من أوساط الهجرة إلى باريس لتفرض صوتها على عشاق النبرات المختلفة. لهذا لا يعرف النقاد في أي خانة يصنفون كاميليا جوردانا. فهي في أغنياتها تقدم مزيجاً من الموسيقى العربية والأفريقية، وفي إمكان حنجرتها أن تجمع ما بين التمتمات الصّوفية وبين الإيقاعات التي تعبر عن الشباب. هل هذا السبب في أنّها تعتبر نفسها فنانة عابرة للحدود والانتماءات؟
بعد أربع سنوات من آخر أسطوانة لها، ها هي جوردانا تعود بباقة جديدة من الأغنيات تحمل عنواناً بالإنجليزية هو «لوست»، أي ضائع. والمقصود هو هذا الجيل، جيل المغنية البالغة من العمر 26 سنة، الذي تتقاذفه رياح متصادمة، لكنّه يبقى متكاتفاً، يحاول التخلص من صبغة سياسية تُلصق به عنوة. وهي إذا كانت في مسيرتها السابقة تطمح للتماهي مع صورة الشابة الفرنسية «البيضاء» ذات الشعر الناعم، فإنّ صورتها على غلاف أسطوانتها الجديدة تسجل عودتها إلى انتمائها الأول، وإلى ملامح الشابات المهاجرات ذوات العيون السود الكحيلة والشعر الأجعد المتمرد على المشط.
لا يمكن تحديد المنطقة التي تنطلق منها هذه الموهبة. فهي قد بدأت بأغنيات تحاكي فيها المطربة الفرنسية الكبيرة باربارا، ومرّت على محطات متعددة بحثاً عن طابع خاص بها، وكانت تميل للتمثيل إلى جانب الغناء، بل نالت جائزة «سيزار» للعام الحالي كأفضل ممثلة فرنسية واعدة. وأخيراً استقرت على ألا تستقر، واستراحت لكونها واحدة من أبناء وبنات جيل «ملتبس في انتماءاته الجغرافية والعاطفية والسياسية» حسب قولها. وفي إحدى مقابلاتها الصّحافية للترويج للإسطوانة الجديدة قالت إنها نتاج عالم متحرك ورجراج، لكنّه ينحاز إلى التضامن والانفتاح على الآخر. ومن هذه النّظرة لدورها في هذا العالم، وقفت كاميليا جوردانا لتغني في ساحة «الأنفاليد» في باريس، مع فنانين من أصول مختلفة، تحية لذكرى ضحايا اعتداءات خريف 2015. وهي قد اختارت أن تستعيد، في تلك المناسبة، أغنية الراحل جاك بريل «حين لا نملك سوى الحب»، مع كل ما تحمله تلك الكلمات من شحنة إنسانية.
ولدت كاميليا عليوان في ميناء تولون الفرنسي، على المتوسط، حيث تقع أكبر ورشة لصناعة السفن. وهي حفيدة عامل وصل إلى فرنسا في خمسينات القرن الماضي مهاجراً من الجزائر مع زوجة وتسعة أطفال، وعمل في الصيد لتربية أبنائه. ولما بدأت حرب التحرير في وطنه الأم كان من أبرز أنصارها في فرنسا. أمّا أبوها فقد امتلك شركة لنقل الحجارة وكان من هواة الغناء الشعبي الجزائري ويجيد الإنشاد مع زوجته، والدة جوردانا التي كانت أيضاً مغنية أوبرا. وقد التقطت البنت تلك النغمات منذ نعومة أذنيها، وداومت على تلقي دروس في العزف على البيانو وفي الأداء المسرحي، وعاشت في وسط ميسور أتاح لها الخروج من حلقة الفشل الدراسي الذي يترصّد أبناء المهاجرين الفقراء.
في سن السابعة عشرة، تقدمت كاميليا للمشاركة في البرنامج التلفزيوني «نجوم جدد». وبفضل النّمط المختلف الذي تؤديه، نجحت في أن تلفت إليها الأنظار وحلّت في المركز الثالث بين المتسابقين من أصحاب المواهب الغنائية. وبعد ذلك بسنة أصدرت أسطوانتها الأولى التي حملت اسمها الفني «كاميليا جوردانا» من ثمّ تلتها أسطوانة ثانية عام 2014 بعنوان «في الجلد». واعتباراً من تلك السنة انتقلت للإقامة في بلجيكا، قبل أن تعود لتجعل من العاصمة الفرنسية باريس مقراً لنشاطها الفني. وبفضل مساعدة الملحن لوران باردين، عرفت البنت الموهوبة كيف ترسم ملامح مشروعها الفني وتخطّط لانطلاقة ثانية ذات ملامح أكثر وضوحاً. ومن هذه الملامح مزجها في الغناء بين اللغات الفرنسية والعربية والإنجليزية، تعبيراً عن هويتها الثقافية المتعددة.
ناصرت كاميليا الحركة النسائية وقدّمت أغنية بعنوان «فتاة مثلي»، وكانت تسعى باستمرار لأن تكون ألحانها عابرة للحدود، لا تخشى المزج بين «الهيب هوب» والموسيقى الإلكترونية أو الأنغام العربية الطّربية. وها هي تعود بعد غياب لتضع مشروعها قيد الامتحان. وقد استضافها النجم ميشيل دروكير في حلقة الأحد الماضي من برنامجه الأسبوعي الشهير على القناة التلفزيونية الثانية، وهذا في حد ذاته جواز مرور إلى عالم الفنانين المتميزين.
والمستقبل يبتسم لكاميليا جوردانا، خصوصاً بعد أن وصفتها الصّحافة بأنّها صاحبة واحد من أجمل الأصوات في الأغنية الفرنسية حالياً. ولعل من مزاياها تلك الجرأة في الانحياز السياسي للوسط الذي جاءت منه، وأيضاً ثقتها بحنجرتها القادرة على أنّ الهمس والصّراخ بالقوة ذاتها من التأثير.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».