حملت نهاية الأسبوع مفاجأة سارة لعشرات آلاف المغتربين العرب في روسيا، حين أعلنت جامعة الدول العربية تسمية موسكو هذا العام «عاصمة الاغتراب العربي»، التي تزامنت مع الإعلان عن انطلاق مؤسسة «البيت العربي» الجامعة للمغتربين العرب في روسيا. بهذه المناسبة شهدت موسكو حفلاً بحضور سفراء الدول العربية لدى روسيا، الذين يجمعهم إطار «مجلس السفراء العرب»، وسفير جامعة الدول العربية، فضلاً عن عدد كبير من الأكاديميين الروس، وشخصيات رسمية من حكومة موسكو ووزارة الخارجية الروسية، وجمهور من المغتربين العرب والضيوف الروس. وكانت الكلمات الرسمية والفعاليات الفنية خلال الحفل أقرب إلى «رحلة في تاريخ الاغتراب العربي في روسيا»، منذ عهد القياصرة، وحتى يومنا هذا.
في مستهل احتفالية «موسكو عاصمة الاغتراب العربي»، توقف المنظمون في كلمتهم عند تاريخ الاغتراب العربي في روسيا، فكانت أولاً وقفة عند الشيخ محمد عياد الطنطاوي ابن قرية نجريد في محافظة طنطا المصرية الذي بدأ منذ عام 1840، بتدريس اللغة العربية في روسيا، بموجب تكليف الوالي محمد علي باشا، استجابة لطلب قدمته وزارة الخارجية الروسية في ذلك الحين. ويعود له الفضل في وضع القواعد الأولى لإقامة مدرسة الاستشراق الروسية. ومن أشهر أعماله كتابه «تحفة الأذكياء في بلاد الروس». ولم يبخل في العطاء، حتى توفي ودفن في مدينة سان بطرسبوغ عاصمة القياصرة، في عام 1861. تبعت الشيخ طنطاوي الأستاذة الفلسطينية كلثوم عودة فاسيليفا، ابنة مدينة الناصرة التي تلقّت تعليمها في المدرسة الروسية في بيت جالا خلال الحرب العالمية الأولى، ومارست كلثوم الترجمة من الروسية إلى العربية، والتدريس في معهد الاستشراق، وعملت في معهد العلاقات الدولية وفي المدرسة الدبلوماسية العليا. وحصلت على الوسام السوفياتي «الصداقة بين الشعوب». واعتبرت الأم الحقيقية لمدرسة الاستشراق الروسية المعاصرة.
وإذا كان الأوائل تميزوا بنقل اللغة والثقافة العربية إلى روسيا، فإن التابعين جاؤوا ليقوموا بعملية عكسية؛ إذ نقلوا روائع اللغة والثقافة في روسيا إلى المتلقي العربي، بينهم مبدعون لا تغيب ذكراهم في التاريخ العربي، مثل غائب طعمة فرمان، وعبد الرحمن الخميسي، ومعين بسيسيو، ونجيب سرور، وكثيرين غيرهم، وصولاً إلى المترجمين المعاصرين، مثل أبو بكر يوسف، وجلال الماشطة، وعبد الله حبه، ومترجمين آخرين نقلوا روائع الأدب الروسي الكلاسيكي إلى العالم العربي. إلى جانب هؤلاء، لعب مغتربون عرب من العاملين في مجالات السياسة والاقتصاد وغيرهما، دوراً مهماً في تعزيز العلاقات العربية - الروسية. وشهد الحفل تكريم عدد منهم، مثل زياد سبسبي، أول عربي يعين في المجلس الفيدرالي الروسي، ممثلاً عن جمهورية الشيشان، والسفير رامي الشاعر، الذي تولى أعمال السفارة الفلسطينية حتى عام 1986، وبرز لاحقاً كرجل أعمال ناجح، ولعب أدواراً مهمة في التقارب الروسي الفلسطيني، والروسي العربي عموماً. كما كُرّم رجل الأعمال جورج شعبان، الممثل الشخصي لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدى روسيا الاتحادية، الذي منحه الرئيس فلاديمير بوتين وسام الصداقة؛ تقديراً للأدوار المهمة التي لعبها في تعزيز التعاون الروسي - العربي في شتى المجالات. وبالطبع، كان الدكتور أبو بكر يوسف على قائمة المكرمين، وهو شيخ المترجمين العرب، وأبرز ناقلي الأدب الروسي الكلاسيكي إلى القارئ العربي.
وألقى جابر حبيب جابر، سفير جامعة الدول العربية في موسكو، كلمة أكّد فيها على «الاهتمام الخاص الذي توليه جامعة الدول العربية لقطاعات المغتربين». وقال: إن «اختيار روسيا في هذا العام لتكون عاصمة الاغتراب العربي، مؤشر إضافي إلى الأهمية التي توليها الجامعة العربية لتعزيز العلاقات مع روسيا الاتحادية، ولتوثيق التعاون مع أبناء الجاليات العربية فيها». لافتاً إلى دور المغتربين العرب، الذين «طوروا خلال العقدين الماضيين وجوداً مهماً غزير التنوع في روسيا». كما تحدث عميد السلك الدبلوماسي العربي في روسيا، عبد القادر لشهب سفير المملكة المغربية عن الدور الهام للجالية العربية، واقترح تحويل احتفالية مثل «يوم المغترب العربي» إلى تظاهرة عربية متنوعة تُنظّم مرة كل عام في روسيا.
وتخلل الحفل الإعلان عن تأسيس «البيت العربي». وهو مؤسسة «اجتماعية ثقافية تضمّ في صفوفها ناشطين من أصول عربية، تسعى إلى تعزيز أواصر التعاون والصلات التي تجمع روسيا مع الدول العربية». وقال القائمون على مشروع «البيت العربي» إنهم يتطلعون إلى «تقديم الصورة الحضارية الحقيقية للثقافة العربية التي تقوم على الاعتدال والتسامح والانفتاح على التعاون. فضلاً عن عملية عكسية من خلال نقل صورة روسيا البلد المتعدد القوميات والأديان والمنفتح على تطوير الصلات مع بلداننا الأصلية».
العبارات في كلمات المتحدثين عن دور المغتربين في تعزيز التفاعل والتبادل العابر للجغرافيا، بين المجتمَعَين العربي والروسي، لم تكن «مجرد شعارات خطابية». هذا ما أكدته فقرات فنية خلال احتفالية «موسكو عاصمة الاغتراب العربي»، عكست تزايد اهتمام المجتمع الروسي بالثّقافة العربية، بما في ذلك فضل دور الاغتراب العربي في روسيا. وفي واحدة من تلك الفقرات قرأ تلاميذ إحدى المدارس الحكومية في موسكو، التي اعتمدت اللغة العربية في منهاجها، فقرات من الشعر العربي. وقدم طلاب جامعة روسية عرضاً مسرحياً باللغة العربية أيضاً. فضلاً عن ذلك عزفت فرقة «الأندلس»، وهي فرقة أوركسترا روسية مهتمة بالموسيقى العربية، مقطوعات من الموسيقى الشرقية. ولا يكتمل أي حفل من دون «كرم الضيافة العربي»، حيث قدمت الجاليات العربية للضيوف والحضور، وجبات من المطابخ الوطنية، أتاحت لكثيرين، ولا سيما من الضيوف الروس، فرصة الاستمتاع بتذوق وجبات تقليدية عربية شهيرة، مثل المنسف والكبسة والكشري وغيرها.
الجامعة العربية تحيي «يوم المغترب» في روسيا
أعلنت موسكو «عاصمة الاغتراب العربي» هذا العام

الجامعة العربية تحيي «يوم المغترب» في روسيا

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة