مئات العائلات اللبنانية المهجَّرة من قرى حدودية مع لبنان في الداخل السوري، في ريف حمص الجنوبي، منسية في مخيم للنزوح في مشاريع القاع في شمال شرقي لبنان؛ لا النظام السوري يسمح لهم بالعودة إلى مناطق يتحدرون منها، ولا المنظمات الدولية تقدم لهم المساعدات منذ 6 سنوات.
المساعدات هنا تقتصر على السوريين في المخيم نفسه. فيحصل محمد عامر على مساعدات غذائية ومادية من الأمم المتحدة لأنه يحمل الهوية السورية، بينما لا يحصل ابن عمه حسين عامر على أي من المساعدات لأنه يحمل الهوية اللبنانية، رغم أنه يحمل بطاقة «حلا» التي أصدرتها وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية في وقت سابق لمساعدتهم، ولم يحصلوا منها إلا على القليل الذي لا يكفي قوتهم اليومي. هنا، اكتشف أبناء العمومة أن النازح اللبناني داخل أرضه يختلف عن النازح السوري على الأراضي اللبنانية.
مخيمات للنزوح يسكنها لبنانيون على مرمى حجر من بلدتي النزارية وجوسية السوريتين الواقعتين على الضفة السورية من الحدود شمال بلدة القاع اللبنانية. هُجروا من الأراضي السورية التي وُلدوا فيها قبل ست سنوات إلى مشاريع القاع. الخيام مستأجرة مقابل خمسين ألف ليرة عن كل خيمة، وثُبتت فوق أراضٍ لبنانية مستأجرة صخرية موحلة في منطقة مشاريع القاع.
في عام 2012، كانت الهجرة الثانية لهم. هي هجرة معاكسة. فأجدادهم غادروا منطقة الشواغير اللبنانية (تتبع إدارياً قضاء الهرمل) باتجاه الأراضي السورية، وسكنوا هناك. وعندما بدأت الحرب في القصير في عام 2012، عادوا إلى لبنان كنازحين. اليوم، لا يرتاد أطفالهم المدارس، وهم محرومون من المساعدات والطبابة، ويعتاشون على عمالة الأطفال والشباب منهم في الأراضي الزراعية مقابل ستة آلاف ليرة يومياً.
يقدَّر عدد اللبنانيين النازحين من سوريا إلى لبنان بنحو 250 عائلة، أي ما يناهز الـ1500 لبناني، يعيشون في ظروف معيشية سيئة جداً، يتمنون العودة إلى الداخل السوري ليعيشوا ولو تحت الخيم في القرى التي هُجروا منها بالقرب من أرزاقهم وأملاكهم وأرضهم، طمعاً في استئناف أعمالهم، وأن يرتاد أطفالهم المدارس القريبة.
رئيس بلدية الشواغير محمد الحاج حسن، طالب بأولوية عودة النازحين اللبنانيين إلى قريتي النزارية وجوسية داخل الأراضي السورية بسبب المعاناة التي يعيشونها في مخيمات النازحين. يقول: «لقد استوعبت الشواغير قسماً منهم، قبل أن ينزح بعضهم إلى الجديدة أو إلى عرسال». ويضيف: «هناك عائلات لا تملك سوى الثياب التي يلبسونها ولا أحد يساعدهم لأنهم لبنانيون وليسوا على جداول مساعدات النازحين السوريين ولا يحظون باهتمام حتى من دولتهم أو من الهيئات المانحة والأمم المتحدة»، متسائلاً: «هل جريمتهم أنهم لبنانيون يحملون الهوية اللبنانية، هُجروا من الأراضي اللبنانية في الداخل السوري؟».
ويشير الحاج حسن إلى أن معظمهم «يرغب في العودة ويطالبون الدولة السورية بالسماح لهم بالعودة والسكن ولو في خيم من أجل تأمين حياة ترفع عنهم المعاناة وعيشة الذل التي يعيشونها في لبنان»، مشيراً إلى أن بعضهم سجّل اسمه للعودة في القوائم التي أعدها «حزب الله» للراغبين بالعودة الطوعية، لكنه يشير إلى أنهم «لم يتبلغوا حتى الآن موعد العودة، وهم يطالبون بتسريعها».
ويقول النازح حسين عامر إنه محروم من المساعدات لأنه يحمل الهوية اللبنانية، «بينما ابن عمي سوري لا يعرف من أين تنزل عليه المساعدات. أما نحن فلولا عمالة أطفالنا لَمتنا من الجوع في هذه الخيم. لا مساعدات نتلقاها سواء من الأمم المتحدة أو من وزارة الشؤون الاجتماعية التي نحمل بطاقاتها منذ عام 2017».
ويضع عبد الله الأطرش في جيبه مع أفراد عائلته الستة بطاقة «حلا» ويقول: «لم نستفد من هذه البطاقات بشيء سوى أننا نحملها في جيوبنا».
من جهته، ناشد أحمد عبد الله الأطرش، نواب المنطقة ومدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، السعي لوضعهم على لوائح المصالحة السورية والعودة إلى منازلهم «لأننا نعيش حياة الذل». وقال: «نحن مستعدون لبناء خيم والسكن فيها في أرضنا إذا تعذر علينا إصلاح بيوتنا». الاستثناء الوحيد بين الذين التقيناهم، هو راعي أغنام مهجّر من النزارية، يقول: إن أراضي القاع «غنية وتشكل مرعى خصباً للأغنام»، لافتاً إلى أنه «لا يريد العودة إلى النزارية لأن أغنامه شبعانة في أراضي القاع».
نازحون من سوريا حرمتهم جنسيتهم اللبنانية من التعليم والمساعدات
نازحون من سوريا حرمتهم جنسيتهم اللبنانية من التعليم والمساعدات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة