السلطات الفرنسية تبحث عن «شركاء» لمرتكب الجريمة الإرهابية في ستراسبورغ

وزير الداخلية يعتبر تبني «داعش» انتهازياً ... وتساؤلات حول نجاعة الخطة الأمنية لحماية أسواق أعياد الميلاد

رجال الشرطة الفرنسية في شوارع السوق الميلادية بستراسبورغ ضمن خطة التأمين عقب مقتل منفذ الهجوم الإرهابي أول من أمس (أ.ف.ب)
رجال الشرطة الفرنسية في شوارع السوق الميلادية بستراسبورغ ضمن خطة التأمين عقب مقتل منفذ الهجوم الإرهابي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

السلطات الفرنسية تبحث عن «شركاء» لمرتكب الجريمة الإرهابية في ستراسبورغ

رجال الشرطة الفرنسية في شوارع السوق الميلادية بستراسبورغ ضمن خطة التأمين عقب مقتل منفذ الهجوم الإرهابي أول من أمس (أ.ف.ب)
رجال الشرطة الفرنسية في شوارع السوق الميلادية بستراسبورغ ضمن خطة التأمين عقب مقتل منفذ الهجوم الإرهابي أول من أمس (أ.ف.ب)

تنفست مدينة ستراسبورغ الصعداء، وعادت للسوق الميلادية التي يعود تاريخ انطلاقها إلى 450 سنة خلت، حيويتها، وامتلأت الشوارع مجدداً بالمتنزهين والسياح والزبائن، بعد أن نجحت الشرطة في القضاء على شريف شيكات، مرتكب العمل الإرهابي في قلب ستراسبورغ، الذي أوقع ليل الثلاثاء 4 قتلى و13 جريحاً، بينهم خمسة في حالة الخطر الشديد.
وبعد أن أوفدت الحكومة رئيس نيابة مكافحة الإرهاب في فرنسا ريمي هيتز إلى العاصمة، لحقه وزير الداخلية. وبعد ظهر أمس، وصل الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ستراسبورغ، للاطلاع على الوضع وطمأنة المواطنين، وتقديم الشكر لرجال الأمن الذين نجحوا في التخلص من شريف شيكات، بعد 48 ساعة على ارتكابه العمل الإرهابي.
ورغم القضاء على هذا الرجل البالغ من العمر 29 عاماً، والمتحدر من أسرة جزائرية تسكن ستراسبورغ، مثل كثير من العائلات المغاربية، فإن الأجهزة الأمنية ما زالت منشغلة بالبحث عن خيوط العملية الإرهابية، وهي الثالثة من نوعها في فرنسا خلال العام الجاري. وثمة سؤالان رئيسيان، تسعى هذه الأجهزة لجلائهما: الأول: هل ثمة علاقة بين منفذ الاعتداء وأي تنظيم إرهابي مثل «داعش» أو «القاعدة»؟ والثاني: هل ثمة «شركاء» لـشريف شيكات ساعدوه على تنفيذ جريمته، سواء أكان ذلك من خلال توفير السلاح له والمال، أو إيوائه وإخفائه عن الأعين؟
بالنسبة للسؤال الأول، سارع وزير الداخلية كريستوف كاستانير، الذي كان أول من أعلن ليل أول من أمس القضاء على شيكات، إلى استبعاد فرضية كونه منتمياً إلى «داعش» الذي تبنى العملية مباشرة بعد موت مرتكبها، بتأكيده من خلال وكالة «أعماق» أنه «جندي من جنود الخلافة». وقال كاستانير للصحافيين أمس، عند جولة تفقدية قام بها إلى السوق الميلادية، وأضيئت بمناسبتها شجرة الميلاد للمرة الأولى منذ الثلاثاء الماضي، إن تبني تنظيم داعش «انتهازي تماماً»، وإنه في أي حال «لن يغير أي شيء». لكن كلام وزير الداخلية لن يوقف استقصاءات أجهزة الأمن، التي تمحص في تاريخ شريف شيكات، وفي شبكة علاقاته، وتبحث في ذاكرة هاتفه، وخصوصاً من خلال الاستمرار في استجواب أربعة من أفراد عائلته (هم والده ووالدته وأخواه) تم القبض عليهم ليل الثلاثاء، إضافة إلى شخصين آخرين أوقفتهما الشرطة، وفق ما أعلن ريمي هيتز أمس.
وتعول باريس على تعاون السلطات الأمنية الجزائرية، التي أوقفت بطلب من فرنسا شقيق شريف الأكبر، واسمه سامي، الذي انتقل إلى الجزائر منذ فترة قصيرة. وبحسب المعلومات التي تم تناقلها في باريس، فإن والده أفاد بأنه ذهب إلى الجزائر بحجة «ترميم البيت العائلي». واللافت أن اسم سامي شيكات كأخيه شريف، موجود على لائحة الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم يشكلون خطراً على الأمن العام، بسبب تشددهم وراديكاليتهم الإسلاموية.
أما بالنسبة للسؤال الثاني المرتبط بطبيعة الحال بالأول، فإن التحقيق القضائي الذي فتح منذ الثلاثاء الماضي، يسعى لجلاء ماضي هذا الرجل، الذي رفعت بحقه 67 قضية، وحكم في 27 منها، وعرف السجن في فرنسا وألمانيا. وحتى أمس، لم تتسرب معلومات تفيد بحصوله على مساعدة من شركاء أو متورطين في العملية الإرهابية. والرأي الراجح أنه قام بذلك من نفسه، وأن محاولة قوة من الدرك القبض عليه صبيحة يوم الثلاثاء، لدور لعبه في محاولة فرض «فدية» وتهديد بالقتل، سرَّعت بدفعه إلى ارتكاب جريمته. ويدفع في هذا الاتجاه أمران: الأول، هو نوعية السلاح الذي استخدمه، والذي وجد إلى جانب جثته، وهو مسدس قديم من طراز «8 ملم»، يعود تاريخ تصنيعه إلى عام 1892. ويرى الخبراء أنه لو كانت له شبكة علاقات، لكان قادراً على الحصول على سلاح أحدث؛ لا بل على رشاش من طراز «كلاشنيكوف» من سوق تضج بالأسلحة، كما في بلجيكا. والأمر الثاني أن شريف شيكات قتل في الحي الذي ولد وترعرع فيه، وقريباً من المكان الذي أنزله فيه سائق سيارة الأجرة، الذي أجبره تحت تهديد سلاحه بنقله إليه. وأفادت مصادر الشرطة بأن أحد إخوة الجاني يسكن في الحي المذكور. ولو كان له أعوان أو شركاء لاستطاع أن يخرج منه إلى مكان أبعد، أو أن يغادر ستراسبورغ، أو حتى يداوي الجرح الذي أصيب به عند تبادل إطلاق النار مع الشرطة، ليلة ارتكابه جريمته.
وأمس، كُشفت بعض المعلومات التي تفسر سرعة التخلص من شيكات ليلة الخميس – الجمعة، على يد ثلاثة من رجال الشرطة المحلية. وأفاد المدعي العام لشؤون الإرهاب، بأن الأجهزة الأمنية استفادت من تعاون المواطنين الذين اتصلوا 800 مرة للتبليغ عن معلومات بخصوص شيكات، بعد أن عممت صورته وأوصافه. وبحسب هيتز، فإن اتصالين كانا «حاسمين» في تحديد مكان الجاني الفار، الذي تعرفت عليه دورية الشرطة وطلبت منه التوقف في حي قريب من منطقة نودروف التي يعرفها تماماً.
وبحسب رواية هيتز، وكذلك وزير الداخلية، فإن شريف شيكات لم يمتثل، وحاول الدخول إلى أحد الأبنية من غير أن ينجح. إلا أنه عندها استدار لإطلاق النار على عناصر الشرطة، الذين صوبوا عليه وقتلوه. ووجد إلى جانب جثته المسدس الذي استخدمه وثماني رصاصات وسكين في جيبه.
ورغم التخلص من الجاني، فإن كثيراً من الأسئلة ما زالت من غير إجابات، ولعل أبرزها سؤالان: نجاعة الخطة الأمنية لحماية السوق الميلادية من عمليات إرهابية، علماً بأن ستراسبورغ، وتحديداً سوقها الشهيرة، كانت على لائحة أكثر الأماكن المستهدفة لكثافة ارتيادها بمناسبة أعياد نهاية السنة. والسؤال هو: كيف استطاع شيكات أن يلج إليها وهو يحمل مسدساً وسكيناً؟ وكيف نجح في الهرب رغم تبادله الرصاص مع مجموعتين أمنيتين؟ والسؤال الثاني يتناول كيفية التعاطي مع الموجودة أسماؤهم على لائحة الأشخاص الخطرين أمنياً، والذين يتبنون فكراً أصولياً، ويمكن في أي لحظة أن يعمدوا إلى ارتكاب عمل إرهابي، من غير أن تكون لهم علاقات خارجية بتنظيمات إرهابية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».