تداعيات الأزمة المالية العالمية تواصل إلقاء ظلالها على الاستثمار

الوضع الحالي يدعم الاستثمار قصير الأجل

تداعيات الأزمة المالية العالمية تواصل إلقاء ظلالها على الاستثمار
TT

تداعيات الأزمة المالية العالمية تواصل إلقاء ظلالها على الاستثمار

تداعيات الأزمة المالية العالمية تواصل إلقاء ظلالها على الاستثمار

تتغير حاليا التركيبة الاقتصادية حول العالم، مع تغير معطياتها المالية التي تتأثر بالتحولات الجيوسياسية، مما يغير وجهات المستثمرين حول العالم وأجل الاستثمار ونوعيته.
ورغم ما يمر به الاقتصاد العالمي، من ضبابية شديدة، نتيجة تسارع المتغيرات، لم تصعد الملاذات الآمنة في الاستثمار (مثل الذهب والين) بنفس وتيرة وحجم هذه الضبابية، ويغلب على تعاملاتها في معظم الأوقات التذبذب الشديد في الجلسة الواحدة، حتى مع صدور بيانات تزيد من مخاطر الاستثمار في الأصول التي تنطوي على مخاطر (مثل الأسهم).
غير أن تشابك المعطيات الاقتصادية العالمية، والتي تسعى الولايات المتحدة الأميركية لفكها من خلال «أميركا أولاً»، يزيد المؤشرات تعقيدا، ويجعل من الاستثمار قصير الأجل أو المضاربات السريعة، الخيار الأقرب للمستثمرين حول العالم، على الأقل حتى بداية العام 2020.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في 2008، وتداعياتها تطل برأسها على معظم القرارات الاقتصادية حول العالم، حتى أمس فقط تخلى البنك المركزي الأوروبي عن برنامج التيسير الكمي (شراء سندات)، لكنه أبقى على أسعار الفائدة عند صفر أدنى مستوى في 10 سنوات.
وأسعار الفائدة المتدنية حول العالم، خلقت «أموالا رخيصة» مما زاد من معدلات التضخم في بعض الدول، وبعد أكثر من عشر سنوات على بداية الأزمة المالية، ما زالت بعض الدول تعاني من تداعياتها، وهو ما دفع بعض المحللين لربط السياسات الاقتصادية الأميركية حاليا، بمحاولة الخروج من أزمة أخرى كانت على وشك البدء.
وفرضت مؤخرا الولايات المتحدة، رسوما حمائية على وارداتها من بعض الدول، على رأسها الصين، التي بلغ فائضها التجاري مع أميركا نحو 450 مليار دولار العام الماضي، وذلك بالتزامن مع خطة لرفع أسعار الفائدة، بعد تحسن الاقتصاد الأميركي، رغم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ورغم تحذيرات كبرى المؤسسات المالية والاقتصادية، من تداعيات سياسة الحمائية على الاقتصاد العالمي، إلا أن الصين لم تجد سبيلا آخر إلا من خلال مجاراة الولايات المتحدة في سياستها، رغم مدافعتها أولا عن العولمة والانفتاح الاقتصادي، ومؤخرا خضعت للمطالب الأميركية، بعد حسابات أثبتت حصد بكين الخسارة الأكبر، وهدنة زمنية مدتها 90 يوما هي ما تفصل حاليا بين الطرفين، على أن تنتهي بمفاوضات جادة، قد تنهي معها «حربا تجارية» بين أكبر اقتصادين في العالم.
أما المعطيات الأوروبية، فإن المتغيرات المتلاحقة، تجعل من الاقتصاد الأوروبي عرضة دون غيره للتذبذب المستمر، فسرعان ما ظهرت أزمة بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد)، بعد انتهاء أزمة ديون اليونان التي بلغت نسبتها 170 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، غير أن إيطاليا ظهرت في الصورة أيضا بعد انتخابات ربح فيها التيار الشعبوي، ليعد موازنة غير متوافقة مع معايير الاتحاد الأوروبي.
أما فرنسا فما زالت مهددة بحركة السترات الصفراء التي تطالب بتحسين الأجور وتقليل تكاليف المعيشة، في ظل زيادة الضغوط على الفرنسيين.
وتزيد المعطيات السلبية في الأسواق الناشئة، نظرا للمتغيرات الجيوسياسية في بعض مناطقها، إلا أن عددا من المستثمرين ما زال يفضل الأسواق الناشئة، بما فيها أسواق عربية، للاستثمار على غيرها من الأسواق، نظرا للفائدة العالية في بعض الدول (الأرجنتين وتركيا ومصر).
ونظرا لأن منطقة الشرق الأوسط لاعب رئيسي في المعادلة الاقتصادية العالمية، كون السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، ومصر أكبر سوق استهلاكي في المنطقة، والإمارات ضمن أكبر المطورين التكنولوجيين دوليا، فإن الاستثمار فيها وبها، ما زال مرتبطا بتسارع وتيرة المتغيرات العالمية، وهو ما يدفع باتجاه «الاستثمار قصير الأجل».

- النفط
سياسة تسعير النفط، مرتبطة عادة بآليات العرض والطلب في السوق، ونتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي، بسبب السياسات الحمائية فضلا عن استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية حتى الآن، فإن الأسعار يتوقع لها الهبوط، وهو ما شهدته الأسعار في موجة هبوط بلغت 30 في المائة منذ بداية العام الجاري، غير أن هبوط الأسعار من شأنه إنعاش التجارة الدولية، التي قد تدفع الأسعار للارتفاع من جديد، في ضوء سياسة أوبك تخفيض الإنتاج حاليا.
ونظرا لضبابية الاقتصاد العالمي، فإن العقود الآجلة لأقرب استحقاق شهري، منخفضة عن الأسعار الفورية الحالية، التي تحوم حول 60 دولارا للبرميل.

- البنوك المركزية
بدأت البنوك المركزية حول العالم التخلي عن سياسة التيسير الكمي (شراء السندات الحكومية)، في إشارة لتحسن الأوضاع الاقتصادية في تلك الدول، إلا أن أسعار الفائدة ومعدلات التضخم ما زالت تمثل تحديا. فبعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي بدأ خطة لرفع أسعار الفائدة (رفعها ثلاث مرات خلال العام الجاري) ويتوقع رفعها من مرتين إلى ثلاث مرات أخرى خلال العام 2019. اتخذ البنك المركزي الأوروبي قرارا بتخليه عن برنامج التيسير الكمي، الذي اتخذه أثناء تداعيات الأزمة المالية العالمية، لكنه لم يحرك أسعار الفائدة المتدنية.
ولا يمكن فصل قرارات البنوك المركزية عن تحركات العملات، غير أن تسارع المتغيرات العالمية ماليا واقتصاديا وسياسيا، يحد أو يزيد من تأثير القرارات على تحرك العملة، فانخفاض سعر اليوان الصيني، بداية العام الجاري، كان متزامنا مع بداية الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، إلا أن رغبة ترمب في دولار ضعيف، لم تشفع له عند رئيس الاحتياطي الفيدرالي في تخفيض الفائدة أو على الأقل تثبيتها.

- ديون العالم تصل إلى 184 تريليون دولار
بالتزامن مع كل هذه المعطيات، فإن حجم الديون العالمية ارتفع تريليوني دولار خلال العام الماضي، ليبلغ 184 تريليون دولار، بما يعادل أكثر من 86 ألف دولار لكل شخص، وهو ما يزيد على ضعف متوسط دخل الفرد السنوي في العالم. وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. والدول الأكثر استدانة هي الولايات المتحدة والصين واليابان، أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، مما يزيد من المخاطر المحتملة على نمو الاقتصاد العالمي، نتيجة زيادة نصيب الدول الثلاث من إجمالي الديون في العالم لإجمالي ناتجها المحلي. ويعادل إجمالي الدين العام والخاص في العالم، نحو 225 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للعالم.


مقالات ذات صلة

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

الاقتصاد مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت (ألمانيا) - لشبونة)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
TT

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية، وذلك بعد إعلان وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، 9 صفقات جديدة، إلى جانب 25 اتفاقية أخرى، معظمها ما زالت تحت الدراسة ضمن «جسري» المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمي، مؤكداً أن هذه المبادرة «ليست سوى البداية».

جاء هذا الإعلان في كلمته خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد»، التي تُقام في مؤتمر الاستثمار العالمي الثامن والعشرين، الثلاثاء، في الرياض، بمشاركة أكثر من 100 دولة، قائلاً إن هذه الصفقات تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق هدف المملكة في بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وكفاءة.

وأكد أن البرنامج يعكس رؤية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الذي كان له الدور البارز في إطلاق هذه المبادرة قبل عامين، مشيراً إلى أن البرنامج هو جزء من الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، ويشمل عدة برامج حكومية داعمة، مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية واللوجيستيات (ندلب).

الطاقة الخضراء

وأضاف الفالح أن المملكة تسعى إلى تسهيل الوصول للمعادن الأساسية، وتشجيع التصنيع المحلي، وزيادة الوصول إلى أسواق الطاقة الخضراء العالمية.

وأوضح أن «التوريد الأخضر» هو جزء من المبادرة السعودية؛ إذ ستعزّز المملكة سلاسل الإمداد عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة، لافتاً إلى أننا بصدد تطوير 100 فرصة استثمارية جديدة في 25 سلسلة قيمة تتضمّن مشروعات رائدة في مجالات، مثل: الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي.

وحسب الفالح، فإن الحكومة السعودية تقدّم حوافز خاصة إلى الشركات الراغبة في الاستثمار بالمناطق الاقتصادية الخاصة، وأن بلاده تستعد للتوسع في استثمارات جديدة تشمل قطاعات، مثل: أشباه الموصلات، والتصنيع الرقمي، في إطار التعاون المستمر بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، لتعزيز قدرة المملكة على تحقيق أهداف «رؤية 2030».

وشدد على التزام الحكومة الكامل بتحقيق هذه الرؤية، وأن الوزارات المعنية ستواصل دعم هذه المبادرة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وتوطين الصناعات المتقدمة في المملكة.

الصناعة والتعدين

من ناحيته، كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، عن جذب ما يزيد على 160 مليار دولار إلى السوق السعودية، وهو رقم مضاعف بواقع 3 مرات تقريباً، وترقية رؤوس الأموال في قطاع التعدين إلى مليار دولار، وأن استثمارات الثروة المعدنية تخطت 260 مليون دولار.

وزير الصناعة والثروة المعدنية يتحدث إلى الحضور (الشرق الأوسط)

وأبان أن السعودية تعمل بشكل كامل لتأكيد التعاون المبني على أساسات صحيحة وقوية، وأطلقت عدداً من الاستراتيجيات المهمة، وهي جزء لا يتجزأ من صنع مجال سلاسل الإمداد والاستدامة.

وتحدث الخريف عن مبادرة «جسري»، كونها ستُسهم في ربط السعودية مع سلاسل الإمداد العالمية، ومواجهة التحديات مثل تحول الطاقة والحاجة إلى مزيد من المعادن.

وأضاف أن المملكة لا تزال مستمرة في تعزيز صناعاتها وثرواتها المعدنية، وتحث الشركات على الصعيدين المحلي والدولي على المشاركة الفاعلة وجذب استثماراتها إلى المملكة.

بدوره، عرض وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، الأمين العام للجنة التوطين وميزان المدفوعات، الدكتور حمد آل الشيخ، استثمارات نوعية للمملكة في البنى التحتية لتعزيز موقعها بصفتها مركزاً لوجيستياً عالمياً.