«الفروة».. رداء السعوديين ضد لسعات البرد القارس

توشحها زعماء العالم وبلاد الشام اشتهرت بصناعتها

إقبال على ارتداء {الفروة} في الشتاء
إقبال على ارتداء {الفروة} في الشتاء
TT

«الفروة».. رداء السعوديين ضد لسعات البرد القارس

إقبال على ارتداء {الفروة} في الشتاء
إقبال على ارتداء {الفروة} في الشتاء

ما إن تهب نسمات البرد القارس على الأراضي السعودية ودول الخليج إلا ويتسابق مواطنوها لارتداء رداء يسمى «الفروة»، التي تعد من أهم الملابس التي يحرص عليها أبناء الجزيرة العربية، خاصة البادية، كونها تجلب الدفء للابسيها، خصوصا في الأيام التي يكون فيها البرد قارسا.
و«الفروة» رداء طويل يشبه العباءة يكسو الجسم كله، ويكون مبطنا بفرو الأغنام، خاصة صغارها، أو بفرو الأرانب والنعام، فيما دخلت التقنية الحديثة على الفروة لتصنع من المنتجات النفطية، التي تستورد عادة من الدول الآسيوية وتتميز برخص الثمن.
وتختلف الفروة عن «المشلح» أو ما يسمى «البشت» وهي العباءة، كونها عندما يشتد البرد يبادر أهل الجزيرة العربية إلى الفروة وهذا ما يربط أهميتها القصوى بالظروف المناخية وتقلباتها، بعكس «المشلح» الذي يلبس في الظروف الجوية الحارة والربيعية والمعتدلة، لأنه الأجمل والأخف، لتكون العناية بالمشلح والحرص على اقتنائه كبيرا.
ودفع دخول فصل الشتاء إلى زيادة مبيعات المشالح والفراء الشتوية المعروضة في الأسواق السعودية العام الجاري، وقدر ضيف الله الجنوبي، صاحب مؤسسة الجنوبي للمشالح والفراء، حجم سوق المشالح والفراء الشتوية والبالطوهات المستخدمة في فصل الشتاء بنحو 320 مليون دولار (1.2 مليار ريال)، فيما أشار إلى أن نسبة إقبال المستهلكين بعد اشتداد برد الشتاء تجاوزت 85 في المائة، والذي يعد أهم المواسم للمشاغل المصنعة والمؤسسات المستوردة للفراء والمشالح.
وأضاف الجنوبي أن أغلب الفراء الموجودة في السوق تم تصنيعها محليا، بينما لا يتجاوز المستورد منها 45 في المائة، فيما يشير لـ«الشرق الأوسط» بندر العامر، وهو أحد تجار الملابس الشتوية، خاصة المشالح والفراء في العاصمة الرياض، إلى أنه في هذه الأيام، خاصة في السعودية، تعتبر الاستعانة بالفروة أمرا لا بد منه، كونها تشعر من يتدثر بها بالدفء الذي يتسلل إلى فقرات الظهر، لترتخي العضلات بعد أن شدت من لسعة البرد، لينساق إلى الصدر ليعادل الدفء مع فقرات الظهر، ليمتد الدفء إلى باقي الأعضاء والأطراف، إذ إن البرد القارس يجعل الجسم مضطربا، والدفء يشعر النفس بالطمأنينة.
ويضيف العامر أن الفروة تصنع من صوف الأغنام وجلودها ويوضع عليها قماش يطلق عليه «القباب»، كما أن هناك أنواعا عدة من الفراء، فمنها ما هو طويل يغطي جسم الإنسان كاملا، ومنها ما هو قصير مثل «الصدرية»، ومثلما تختلف أشكالها تختلف جودتها، وهذا بدوره يؤدي إلى اختلاف أسعارها. ولعل أبرز من توشح الفروة ملوك الدولة السعودية ومنهم الملك عبد الله بن عبد العزيز، خاصة أثناء قضاء إجازته الخاصة في روضة خريم، التي تقع شرق مدينة الرياض، إضافة إلى الكثير من زعماء العالم، ومن أبرزهم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، ووزيرة خارجيته رايس، وتوشحها من قبل والده جورج بوش الأب خلال زيارة سابقة له للسعودية في فترة الشتاء.
إلى ذلك يشير إبراهيم الذياب، وهو تاجر ملابس، إلى أن الفروة، خاصة ما يسمى «الفروة الطفيلية»، تعد من أجود أنواع الفراء وأغلاها، التي تصنع من صوف وجلود صغار الأغنام، التي لا تتجاوز أعمارها الشهرين، كونها تتميز بالخفة والرقة ونعومة الملمس، وصوفها ناعم يجلب الدفء، ولا تتجاوز أسعارها ألف دولار (3750 ريالا)، وأيضا العراقية «الموصلية» التي تتجاوز أسعارها 1500 دولار (5625 ريالا)، خاصة إذا كانت من نوع مبروم وناعم، وهناك بعض الصناعات الأخرى التي تعد جودتها عالية ورخيصة الثمن، ومنها الصينية والألمانية.
وأضاف الذياب أن الحرب الدائرة في سوريا أثرت على استيراد الفراء من المدن السورية، التي كانت تعد من أهم المصانع لإنتاج مثل هذه الفراء والمشالح، ليكون الاتجاه إلى المنتجات الأردنية أو المصنعة في الصين وغيرها من الدول الأخرى التي تنافس على الجودة ومنافسة الأسعار، خاصة مع زيادة الطلب هذه الأيام على الفروة، نظرا للظروف البيئية والجوية المتقلبة وبرد الصحراء الشديد الذي لا يقاومه إلا هذا النوع من الملابس الثقيلة. وأضاف الذياب أن هناك من الفراء ما يسمى «الدعم»، التي تصنع من جلد وصوف الأغنام الكبيرة، التي تجاوزت أعمارها ستة شهور، وتتميز بطول شعر صوفها وثقلها، ولا تلقى إقبالا كبيرا، إضافة إلى الفراء الصناعية التي يجري تصنيعها من المنتجات البترولية، التي يجري استيرادها من الخارج، خاصة من دول شرق آسيا، بما فيها الفراء المخصصة للنساء التي تأخذ أشكالا جميلة ومطرزة وتحمل نقوشا وزركشات. واشتهر بصناعة الفراء بلاد الشام، وخاصة سوريا والأردن والعراق، ويجري صنع الفراء بإحضار جلود الخراف، ومن ثم تغسل وترش بالملح وتترك لمدة زمنية معينة، ومن ثم تغسل مرة أخرى ويجري رشها بمادة «الشبه» التي تعمل على قتل الجلد الحي، ومن ثم يجري تنظيفها في ماكينات خاصة من إنتاج يدوي، بعدها تحول الجلود إلى الخياطة من أجل تصنيعها لتكون فراء، وتكسى بأقمشة مزركشة تعطيها لونا وجمالا يجلب لها الزبائن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».