الهند: استقالات المسؤولين الماليين تؤثر سلباً على الاقتصاد

منصب محافظ البنك المركزي يهز الأوساط المالية في البلاد

استقالة محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتيل من منصبه تسببت في هزة شديدة داخل الأوساط المالية في البلاد (رويترز)
استقالة محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتيل من منصبه تسببت في هزة شديدة داخل الأوساط المالية في البلاد (رويترز)
TT

الهند: استقالات المسؤولين الماليين تؤثر سلباً على الاقتصاد

استقالة محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتيل من منصبه تسببت في هزة شديدة داخل الأوساط المالية في البلاد (رويترز)
استقالة محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتيل من منصبه تسببت في هزة شديدة داخل الأوساط المالية في البلاد (رويترز)

فيما يمكن أن يعد إشارة سيئة لدى واحد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، شهدت الهند، في تعاقب سريع، رحيل اثنين من كبار رجال الاقتصاد عن المشهد الرسمي العام في البلاد.
أولاً، جاءت استقالة محافظ بنك الاحتياطي الهندي أورجيت باتيل، من منصبه التي تسببت في هزة شديدة داخل الأوساط المالية في البلاد، معللاً ذلك بأسباب شخصية دفعته إلى الرحيل المفاجئ قبل تسعة أشهر كاملة من انتهاء فترة ولايته رسمياً. وتبع ذلك استقالة أخرى من قبل أحد كبار خبراء الاقتصاد، سورجيت بهالا، مستشار الشؤون الاقتصادية في حكومة رئيس الوزراء الهندي.
وتلك هي المرة الرابعة (خلال أقل من أربع سنوات) التي يتنحى فيها خبير اقتصادي من المستوى الرفيع ويغادر منصباً مهماً وحاسماً ينطوي في بعض أدواره على وظيفة استشارية لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وهذا، بطبيعة الحال، مع استبعاد عدد من الموظفين البيروقراطيين الآخرين من المستوى المتوسط، الذين استقالوا أو أُقيلوا من مناصبهم كذلك. وكان من بين أبرز الخبراء الذين استقالوا مؤخراً أرفيند سوبرامانيان، كبير مستشاري الاقتصاد للحكومة الذي تنحى عن منصبه في يونيو (حزيران) الماضي، وأيضاً أرفيند باناغاريا، نائب رئيس مجلس الإدارة السابق لمركز «نيتي آيوغ» البحثي المرموق، والذي غادر منصبه طواعية العام الماضي. وغادر راغورام راجان، المحافظ الأسبق على أورجيت باتيل في قيادة البنك المركزي الهندي، منصبه في عام 2016 في أعقاب الاحتكاك مع حكومة مودي بشأن عدد من القضايا ذات الأهمية، ليصبح بذلك أول محافظ للبنك المركزي الهندي الذي لم يُمنح فترة ممتدة في منصبه لمدة 3 سنوات خلال العقدين الماضيين.
وعرض كل مسؤول منهم أسباباً مختلفة لتبرير قرار الاستقالة؛ إذ أشار السيد أورجيت باتيل إلى أسباب شخصية، في حين قال أرفيند سوبرامانيان إن الأسباب عائلية، وأفاد كل من راجان وباناغاريا بأنهما قررا الرجوع إلى الأوساط الأكاديمية.
ومن المرجح أن تثير تداعيات الاستقالات المشتركة، خصوصاً في ما يتعلق بالسيد باتيل، جملة من التساؤلات الملحة وسط الأسواق المالية.
والأهم من ذلك أن باتيل كان الشخصية المختارة من قبل الحكومة الحالية لشغل هذا المنصب المهم بعد مغادرة راجان في يونيو لعام 2016، وكان قد دُفع إلى الاستقالة دفعاً في محاولة لإنقاذ الحوكمة الذاتية التقليدية العريقة للبنك المركزي الهندي والممتدة منذ 83 عاماً، وكرسالة احتجاج قوية في وجه التدخلات الحكومية المستمرة في شؤون تلك المؤسسة.

نكسة للمصداقية الدولية

ويقول المحللون إن هذه التطورات الأخيرة تعد نكسة كبيرة في المصداقية الدولية للمؤسسة المالية الهندية العليا في البلاد مما يزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية الهندية. وفي الأثناء ذاتها، فإن هذا القرار الاحتجاجي من جانب باتيل يُخلف وراءه صورة مشوشة ومهتزة عن مشهد الاقتصاد الكلي الهندي، وقطاع المصارف الوطنية المضطرب، والروبية شديدة التقلب وقليلة الاستقرار، إلى جانب العجز المالي المتزايد في البلاد.
ولقد سجلت الأسواق الهندية هبوطاً عميقاً إلى الأسفل، في حين تشهد الروبية الهندية انخفاضاً كبيراً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي بسبب استقالة محافظ البنك المركزي، وخسارة الحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» الانتخابات في ثلاث ولايات.
وقال جهانجير عزيز، رئيس وحدة البحوث الاقتصادية الآسيوية الناشئة في «جيه بي مورغان إنديا»: «إن رحيل الشخصيات البارزة في أي دولة من شأنه أن يثير المخاطر الكبيرة بالنسبة إلى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء»، مضيفاً أن «سلسلة استقالات الشخصيات رفيعة المستوى على مدى السنوات الأخيرة تؤكد حقيقة واحدة ألا وهي تدهور الأوضاع في هذه المؤسسات».
ومن شأن أي إشارة على تراجع شعبية ناريندرا مودي في خضم الأزمة الزراعية الكبيرة الراهنة سوف تثير توتر المستثمرين قبل دخول موسم الانتخابات العامة في العام القادم. ومن شأن فترة انعدام اليقين السياسي، مثل تعرض مصداقية البنك المركزي للاهتزاز، أن تزيد من وتيرة رحيل رؤوس المال الأجنبية البالغة 2.9 مليار دولار من أسواق الأسهم الهندية خلال الربع الحالي من العام.
ويقول الصحافي الاقتصادي أناند كوشوكدي معلقاً: «تعد استقالة باتيل سيئة التوقيت من قبيل النكسات الهائلة لمحاولات الحكومة رسم صورة وردية للأوضاع الاقتصادية في البلاد. ومن الواضح أن باتيل كان ضحية المواجهات الفوضوية بين البنك المركزي والحكومة في الآونة الأخيرة، وانخرط مضطراً في خضم الصراع المرير لأسابيع طويلة، حيث مارست الحكومة ضغوطها الكبيرة لتخفيف قبضة السياسة النقدية في البلاد، وتسليم مئات الملايين من الدولارات من الفائض الاحتياطي، وتهدئة القواعد الصارمة التي تحظر الإقراض على مصارف القطاع العام التي تعاني من سجلات قروض سيئة للغاية».
وفي الوقت الحالي، هناك نقص حقيقي في السيولة النقدية لدى العديد من المنتجين والمستهلكين، كما أن التدفقات الائتمانية بدأت في الاختفاء مع صراع المصارف لإدارة المحافظ المتنامية من الديون المعدومة. ولم يتعافَ العديد من الأنشطة الاقتصادية (بما في ذلك المناطق الريفية التي يشعر المزارعون والعمال فيها بمشاعر الغضب والسخط الشديد) بعدُ من الصدمة التي تعرضت لها إثر قرار وقف التعامل بالفئات النقدية الكبيرة، ولا تزال تعاني من آثار ضريبة السلع والخدمات المصممة بشكل سيئ للغاية والمنفَّذة بأسلوب مزرٍ.
والدكتور أورجيت باتيل هو خبير الاقتصاد المتخرج في جامعة أوكسفورد البريطانية، ومن ذوي الكفاءات الرفيعة والفهم العميق الثابت لقضايا الاقتصاد الكلي. وقد عمل على قيادة النظام المصرفي الهندي وخرج به من الفوضى إلى التنظيم والانضباط. وحقق البنك المركزي الهندي تحت قيادته الاستقرار المالي في البلاد.
وفي حديثه إلى مختلف وسائل الإعلام عن الدكتور باتيل، قال سلفه راغورام راجان: «أي استقالة من قبل موظف في الحكومة هي بمثابة رسالة احتجاج»، ووصف استقالة الدكتور باتيل بأنها «بيان للمعارضة»، مضيفاً أنها تعد مسألة ذات أهمية بالغة للشعب الهندي بأسره.
وقالت وكالة «موديز» لخدمات الاستثمار، في بيانها: «إن استقلالية البنك المركزي من الدعائم المهمة للغاية في تقييمنا لقوة المؤسسة السيادية. وإننا نأخذ الإشارات التي تفيد بمحاولات الحكومة الحد من استقلالية البنك المركزي بعين الاعتبار وهي عندنا من الإشارات السلبية. ووفقاً لذلك، فإن تقييمنا للقوة المؤسسية يركز في خاتمة المطاف على الجودة، والنتائج السياسية للمؤسسات ذاتها، ولا ينبني قط على الشخصيات التي تترأس هذه المؤسسات».

قطاع الشركات الهندي يتصرف على نحو مفاجئ

وقال هارش غوينكا، رئيس مجموعة «آر بي جي» الهندية: «بعثتْ استقالة محافظ البنك المركزي بمشاعر متباينة في الأجواء. لا بد من وجود قدرٍ من التوتر الصحي والبنّاء بين البنك المركزي والحكومة، ولكن عندما يتحول الأمر إلى صراع مدمّر، فإن أحد الأطراف سوف يتلاشى».
وقالت سوجان هاجرا، كبيرة خبراء الاقتصاد لدى شركة «أناند راثي» للوساطة المالية: «لم يكن هذا متوقعاً بحال، وهو يبعث بإشارات خاطئة إلى المستثمرين الأجانب».
وقال باغوان تشودري، أستاذ العلوم المالية لدى كلية أندرسون للإدارة التابعة لجامعة كاليفورنيا فرع لوس أنجليس: «قد يؤدي هذا القرار إلى تفاقم الأوضاع في الأسواق والتسبب في تقلب الأسعار على المدى القصير. يجب على الحكومة الابتعاد عن سياسات البنك المركزي والسماح له بمتابعة أعماله بصورة جيدة، والعمل على استقرار الأسعار، والإشراف المصرفي القوي، والرقابة الصارمة، وإنشاء المؤسسات المالية القوية والمتنافسة الذي يعد من ضرورات دعم النمو الاقتصادي في البلاد».
في هذه الأثناء، أحيا شاكتيكانتا داس، المحافظ الجديد للبنك المركزي الهندي، الآمال في الصناعة المصرفية بأنه يمكن أن يكون هناك بعض التراخي في تطبيق القواعد المصرفية الأكثر صرامة. وفي الوقت نفسه، قد تتطلع المصارف الهندية محدّقة صوب مكاسب الخزانة في خضمّ التوقعات بانخفاض عوائد السندات.
ومن المرجح لارتباطه القديم مع الحكومة أن يكون بمثابة عنصر من عناصر التحفيز، الأمر الذي ربما يبشر بالخير ضمن إطار السياسات المشتركة.
وقال أشيش فيديا، رئيس الأسواق الهندية لدى بنك «دي بي إس» في سنغافورة: «ينبغي أن ترتفع السندات مع توقعات بنظام أدنى لأسعار الفائدة في العام المقبل». ومن شأن ارتباط المحافظ الجديد بالحكومة أن ينعش مشاعر المستثمرين على المدى القريب في وسط ارتفاع الطلب على السندات السيادية الهندية. وأضاف السيد فيديا قائلاً: «قد يتوسع مجال الائتمان المصرفي خلال الفصول المقبلة أيضاً».
ووفقاً لديبانشو موهان، أستاذ الاقتصاد المساعد في كلية جيندال للشؤون الدولية: «في ظل العملة المتقلبة وتوقعات التضخم الكبيرة، إنْ استمر الاتساع في العجز على جانب الحكومة والجانب التجاري مع أخذ العوامل الخارجية الأخرى مثل تخفيض أسعار النفط والعلاقات الاقتصادية الهندية مع الولايات المتحدة ومع الصين في الاعتبار، فمن شأن الأشهر القليلة المقبلة أن تكون حاسمة في تحديد الأداء الاقتصادي الهندي بشكل عام».
والجانب الرئيسي الآخر الجدير بالمراقبة (خلال الشهور القادمة) هو المدى الذي تحاول الحكومة من خلاله تخفيف التدابير الرادعة بموجب أهداف قانون الإفلاس الهندي، ولا سيما حيال الشركات العاجزة عن سداد القروض.
ومع استقالة الدكتور باتيل، من المثير للاهتمام ملاحظة مقدار الجهود التي تبذلها القيادة الجديدة للبنك المركزي في الدفع باتجاه التدابير الخاصة بقانون الإفلاس الهندي في الوقت الذي تعيد فيه هيكلة وتعديل مصارف القطاع العام المثقلة بالديون. ويعد إنفاذ التعاقدات وضمان تسوية مسائل إفلاس الشركات (من خلال قانون الإفلاس)، من التحديات الكبيرة المؤثرة على تسهيل ممارسة الأعمال التجارية عبر الولايات.



«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
TT

«ناسداك» يتجاوز 20 ألف نقطة للمرة الأولى مع استمرار صعود أسهم الذكاء الاصطناعي

شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)
شعار لبورصة ناسداك في نيويورك (رويترز)

اخترق مؤشر ناسداك مستوى 20 ألف نقطة، يوم الأربعاء، حيث لم تظهر موجة صعود في أسهم التكنولوجيا أي علامات على التباطؤ، وسط آمال بتخفيف القيود التنظيمية في ظل رئاسة دونالد ترمب ومراهنات على نمو الأرباح المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع المقبلة. ارتفع المؤشر الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا 1.6 في المائة إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 20001.42 نقطة. وقد قفز بأكثر من 33 في المائة هذا العام متفوقاً على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي، ومؤشر داو جونز الصناعي، حيث أضافت شركات التكنولوجيا العملاقة، بما في ذلك «إنفيديا» و«مايكروسوفت» و«أبل»، مزيداً من الثقل إلى المؤشر بارتفاعها المستمر. وتشكل الشركات الثلاث حالياً نادي الثلاثة تريليونات دولار، حيث تتقدم الشركة المصنعة للآيفون بفارق ضئيل. وسجّل المؤشر 19 ألف نقطة للمرة الأولى في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما حقّق دونالد ترمب النصر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، واكتسح حزبه الجمهوري مجلسي الكونغرس.

ومنذ ذلك الحين، حظيت الأسهم الأميركية بدعم من الآمال في أن سياسات ترمب بشأن التخفيضات الضريبية والتنظيم الأكثر مرونة قد تدعم شركات التكنولوجيا الكبرى، وأن التيسير النقدي من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبقي الاقتصاد الأميركي في حالة نشاط.