هناك القليل من المدن الأميركية التي ما زالت ترحب بالسياح في مطاراتها، منها لوس أنجليس؛ فبعد المرور من نظام الكشف الآلي الذي يفحص جواز السفر ويسأل المسافر عدة أسئلة إلكترونياً، يقتصر سؤال موظف الجوازات عن سؤال واحد هو سبب المجيء إلى الولايات المتحدة. والعبارة الوحيدة التي يحتاج إليها السائح هي أنه في عطلة لزيارة المدينة (On vacation) وقد كانت المعاملة فارقة بين الاستقبال الودي في لوس أنجليس والعبوس لدى زيارة مدينة دنفر في ولاية كولورادو قبلها.
لوس أنجليس هي ثاني أكبر مدينة أميركية بعد نيويورك، والأكبر في غرب الولايات المتحدة. وهي أيضاً أكبر مركز مالي وتجاري في الغرب الأميركي، ويعني اسمها باللغة الإسبانية «مدينة الملائكة». وهي من أفضل وجهات السفر الشتوية نظراً لمناخها المعتدل الذي يشبه مناخ دول البحر المتوسط. وهي تتسم بالتنوع العرقي بحيث لن يشعر العربي بأنه غريب فيها.
وتستفيد المدينة من موقعها المتميز على المحيط الهادئ من ناحية، وسلسلة جبال من ناحية أخرى. وتغطي مساحة 1210 كيلومترات مربعة. ويقطنها نحو 18.7 مليون نسمة. وهي ثالث أكبر مدينة اقتصادية في العالم بحجم إنتاج محلي يبلغ 831 مليار دولار، بعد طوكيو ونيويورك.
كما تشتهر بالإبداع والابتكار كونها مركزاً لصناعة السينما والتلفزيون في هوليوود. وينعكس طابع المدينة العالمي على ما تقدمه لزوارها من مطاعم متنوعة وفرص تسوق نادرة. كما أنها تفتح شواطئها الدافئة للهاربين من صقيع الشمال في أوروبا وأميركا وكندا.
ورغم أن لوس أنجليس لا تشتهر بمعلم سياحي بارز، مثل برج «إيفل» في باريس أو ساعة «بيغ بن» في لندن، فإنها تجمع العديد من المعالم التي يمكن لكل منها أن يميز مدينة بأكملها. وهذه هي بعض المعالم التي توفرها:
> استوديوهات السينما في هوليوود: يمكن للسائح أن يطوف في جولات لتفقد استوديوهات «يونيفرسال» وأن يقضي يوماً بين مشاهد من أفلام «هاري بوتر» أو «ترانسفورمرز» أو حلقات «سيمسون». وهناك كثير من ملاهي الأطفال التي يمكن التجول السريع فيها عن طريق شراء تذاكر خاصة لتخطي طوابير المنتظرين. وهناك أيضاً استوديوهات أخرى يمكن زيارتها في هوليوود، منها «ورانر بروزرز» و«استوديوهات باراماونت» و«فوكس القرن العشرين».
> منتجع «ديزني لاند»: يقع على مشارف المدينة ويعد من أهم المقاصد السياحية للعائلات، حيث ترحب شخصيات «ديزني» الكرتونية بالضيوف ويختار الأطفال من بين عشرات الألعاب. وهو أول منتجع من «ديزني» تم بناؤه في عام 1955 تحت إشراف والت ديزني. ويمكن شراء التذاكر على الإنترنت بأسعار أرخص من بوابات الدخول، كما يمكن شراء باقات العطلات لمن يريد أن يقضي معظم وقته في المنتجع، الذي يحظى بأكبر نسبة حضور في العالم منذ افتتاحه وحتى نهاية عام 2017 تبلغ 708 ملايين ضيف.
> هوليوود: هناك من يزور لوس أنجليس من أجل مشاهدة معالم هوليوود وحدها. يمكن قضاء يوم كامل في زيارة المنطقة التي تضم «ممر الشهرة» المرصع بأكثر من 2600 نجمة على سطح طريق «هوليوود بوليفارد» و«فاين ستريت». ولا يعرف كثيرون أن النجمة تتكلف 30 ألف دولار يدفعها الممثل الشهير من أجل دعم صندوق تاريخي لهوليوود ولصيانة «ممر الشهرة». وهناك بعض المشاهير لا ذكر لهم على «ممر الشهرة» لرفضهم دفع هذا المبلغ، منهم جوليا روبرتس وداستن هوفمان. ويزور السياح أيضاً علامة هوليوود الشهيرة على تل قريب، والمسرح الصيني الذي يعرض أفلاما على شاشة «أيماكس» العريضة. ويتسع المسرح لنحو 900 متفرج وتم افتتاحه في عام 1927.
> سوق الفلاحين: بدأت هذه السوق في عام 1934 بعد مرحلة الكساد العظيم في أميركا حيث كان الفلاحون يحضرون منتجاتهم إلى المدينة لعرضها في السوق وبيعها مباشرة إلى المستهلكين. وبعد نجاح التجربة استمرت السوق وتوسعت. إضافة للخضراوات والفواكه، تعرض السوق الآن مختلف أنواع الأغذية وتنتشر فيها المطاعم والمتاجر التي تعرض منتجات متنوعة من أدوات المطبخ وحتى الجواهر.
> مركز العلوم في كاليفورنيا: مركز مفتوح للزوار مجاناً ويمكن مشاهدة المكوك الفضائي «انديفر» فيه، بالإضافة إلى معدات أخرى من الرحلات الفضائية التي انطلقت من كاليفورنيا. ويعرض المركز أيضاً تقنيات ونظماً معيشة طبيعية للنباتات والحيوانات مع «غرف استكشاف: للأطفال والكبار على السواء». ويقع المركز في قلب لوس أنجليس.
> متحف العلوم الطبيعية: وهو قريب من مركز العلوم في لوس أنجليس ويتناول التاريخ الطبيعي لولاية كاليفورنيا ويشتهر بمجموعة هياكل وحفريات الديناصورات التي يعرضها على مساحة 14 ألف قدم مربع. كما يستعرض المتحف تاريخ الخمسة قرون الأخيرة في كاليفورنيا من حيث التغير المناخي وأنواع الحيوانات التي عاشت فيها.
> معارض ومتاحف أخرى: تنتشر في لوس أنجليس كثير من المعارض والمتاحف في كل المجالات، منها مركز «غيتي» الذي يقع بالقرب من سانتا مونيكا على مساحة 110 أفدنة وتشمل محتوياته لوحات كلاسيكية أوروبية ورسومات وتماثيل وفنون زخرفية بالإضافة إلى صور من القرنين التاسع عشر والعشرين. وهناك أيضاً متحف لوس أنجليس للفنون، وهو الأكبر حجماً في غرب أميركا وبه 130 ألف قطعة فنية تغطي كل العصور، ومنها قطع فنية إسلامية. كما يوجد أيضاً متحف «تار بيت» في «هانكوك بارك» الذي يكشف للزائر لمحة من عصور قديمة قبل 40 ألف سنة عندما انساب قطران النفط من بين الصخور واحتفظ بحيوانات مختلفة من هذه الحقبة في حالة حفظ متجمد. ويعرض المتحف نماذج لهذه الحيوانات المختلفة بالإضافة إلى مراحل عمليات استخراج الحفريات المحفوظة. وهو أكبر متحف حفريات في العالم.
> شواطئ شهيرة: هناك كثير من الشواطئ حول لوس أنجليس يأتي إليها السياح خصيصا من أنحاء العالم، منها شاطئ فينيس المكون من أميال من الرمال الذهبية مع طرق للعدو وركوب الدراجات الهوائية والانطلاق على منصات بعجلات «رولاركوستر». ويستعرض البعض تمارين الجمباز وحمل الأثقال، كما تنتشر عربات بيع المأكولات على الشاطئ. وهناك أيضاً «لونغ بيتش» الذي يمتد إلى مسافة 20 ميلاً إلى جنوب المدينة. وأشهر ما يقدمه هذا الشاطئ هو سفينة «كوين ماري» التي تحولت إلى فندق ومتحف، وحديقة أسماك «باسفيك» ومتحف «أميركا اللاتينية». كما توجد رحلات بحرية سياحية من «لونغ بيتش» إلى جزيرة كاتالينا القريبة. من المعالم المشهورة أيضاً رصيف سانتا مونيكا الذي يعج بالسياح على مدار العام وتم تصوير بعض مشاهد أفلام هوليوود عليه.
> التسوق: من أشهر مناطق التسوق في لوس أنجليس «روديو درايف» الذي اشتهر بعد تصوير مشاهد فيلم «امرأة جميلة». هناك أيضاً طريق «صن سيت بوليفارد» وهو أشهر شارع تسوق في أميركا، ويمثل الأسلوب التقليدي لعصر هوليوود الذهبي حيث يوجد فيلم سينمائي تقليدي يحمل اسم الشارع. ويربط الطريق بين لوس أنجليس وحي بيفرلي هيل الراقي ثم يمتد إلى هوليوود والطريق السريع الموازي للمحيط الهادي.
«توأمة» مع بيروت والجيزة... وسر الاسم الإسباني
> قد لا يعرف كثيرون أن لمدينة لوس أنجليس «توأمتين عربيتين»، هما مدينة الجيزة المصرية، منذ عام 1989، وبيروت، منذ عام 2006. وهي موطن لأكبر عدد من نجوم هوليوود الذين يقطنون في أحياء فخمة، مثل بيفرلي هيل وهوليوود التي ما زالت تتمتع بمساحات خضراء ومبانٍ من طابق واحد أو طابقين، بينما في مركز المدينة التجاري تنتشر البنايات التي تصل في ارتفاعها إلى 70 طابقاً. وتنتشر الطرق السريعة بطول وعرض المدينة في شبكة منتظمة.
وتقع المدينة في منطقة تنوع جغرافي ما بين السواحل والمزارع والغابات والجبال. وقد تعرضت الغابات المحيطة بالمدينة أخيرا إلى حرائق مدمرة عللها البعض بالتغير المناخي. ولكن الحرائق لم تؤثر على النشاط السياحي ولا على معالم المدينة كافة.
وزاد تعداد المدينة (من دون الضواحي) من 1610 نسمة في عام 1850 إلى أربعة ملايين نسمة في العام الماضي. وعرقياً، يعيش في لوس أنجليس مهاجرون من 140 دولة يتحدثون 224 لغة. وتتقاسم المدينة أغلبية من البيض والجنس الإسباني، يتركز البيض في المناطق الساحلية وفي سانتا مونيكا، بينما يمثل الإسبان (من المكسيك وأميركا اللاتينية) نسبة الثلث من سكان لوس أنجليس.
تاريخياً كانت المدينة تقع ضمن أراضي الهنود الحمر من قبيلتي «شوماش» و«تونغفا» حتى احتل كاليفورنيا الجنرال الإسباني خوان رودريغز كابريلو في عام 1542. وتأسست المدينة رسميا يوم 4 سبتمبر (أيلول) عام 1781، وأصبحت جزءاً من المكسيك في عام 1848. وأطلق الإسبان على المدينة اسم «البويبلو دو نويسترا سينيورا لا رينا دو لوس أنجليس» (أي مدينة سيدتنا ملكة الملائكة).
وبعد نهاية الحرب المكسيكية الأميركية تم شراء كاليفورنيا من المكسيك وفقاً لمعاهدة غوادلوبي هيدالغو في عام 1850، وتم الاحتفاظ باسمها الإسباني واختصاره إلى لوس أنجليس. وأسهم في نمو المدينة بعد ذلك اكتشاف النفط في عام 1890 حيث تحولت إلى أكبر منطقة إنتاج للنفط في أميركا. وتجدر الإشارة إلى أنها كانت أول مدينة أميركية تضع قوانين لفصل المناطق الصناعية عن المناطق السكانية في عام 1908 للحفاظ على هدوء المناطق السكانية.