الاعتداء الجنسي على الطفل وآثاره

عواقبه تشمل تصلب الشرايين وحدوث أمراض القلب أو السكتة الدماغية لاحقا

الاعتداء الجنسي على الطفل وآثاره
TT

الاعتداء الجنسي على الطفل وآثاره

الاعتداء الجنسي على الطفل وآثاره

لا شك في أن تجربة الاعتداء الجنسي على الطفل تعد من أسوأ التجارب التي يتعرض لها وتترك آثارا نفسية مدمرة عليه وقت حدوثها، وفي أغلب الأحيان تمتد آثارها لتلازم الإنسان طيلة حياته ما لم يجر علاجها بالشكل النفسي الملائم. وبجانب الأثر النفسي، فإنها، بطبيعة الحال، تترك آثارا عضوية وقت حدوث الاعتداء، وفي الأغلب على الأعضاء الجنسية. لكن الغريب في الأمر أن الآثار العضوية للاعتداء الجنسي يمكن أن تمتد إلى مرحلة ما بعد الطفولة حتى مرحلة البلوغ، وذلك بعيدا عن الأعضاء الجنسية، ويمكن أن تؤثر في بقية أعضاء الجسم الداخلية. ويمكن أن يحدث الاعتداء الجنسي للأطفال من الجنسيين.

* عواقب ضارة

* تناولت هذه الآثار أحدث دراسة جرت مناقشتها في الجمعية الأميركية لأمراض القلب (American Heart Association) ونشرت في مجلة السكتة الدماغية (Stroke journal). وأشارت إلى أن السيدات في منتصف العمر اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي وهن طفلات يمكن أن يصبن لاحقا بمرض تصلب الشرايين الذي يمهد لحدوث أمراض القلب أو السكتة الدماغية أو الجلطات بشكل عام، حيث إن تصلب الشرايين يمنع مرور الدم بالشكل الكافي للعضو الذي يتغذى من خلال هذا الشريان. وتعد هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تتناول علاقة الاعتداء الجنسي على الأطفال وضيق الشريان الدماغي عن طريق التصلب.
كانت الدراسة التي تناولت 1400 من النساء الأميركيات من مختلف الأعراق، سواء اللاتي ينتمين إلى أصل أفريقي أو أوروبي أو آسيوي وتتراوح أعمارهن بين 45 وحتى 52 سنة، قد بدأت عام 1996 على هؤلاء النسوة اللاتي كن من عدة ولايات وجميعهن قد تعدين مرحلة انقطاع الطمث وجرى أخذ تاريخ مرضى منهن جميعا حول الاعتداءات الجنسية عليهن في الطفولة وأيضا جرى سؤالهن عما إذا كانت لديهن أعراض لأي أمراض قلبية مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع مستوى الدهون أو التدخين وأي أعراض أخرى. وجرى إجراء فحوص بالموجات فوق الصوتية للكشف عن الشريان السباتي carotid artery (الشريان الموجود في الرقبة ويمتد ليغذي الرأس) لمدة 12 سنة متتالية لمراقبة أي تطور يحدث للشريان من ضيق بعيدا عن الإصابة بأمراض أخرى يمكن أن تسبب ضيق الشريان.
وكانت النتيجة أنه تبين زيادة سمك جدار الشريان عن أقرانهن من السيدات اللاتي لم يتعرضن لتجربة الاعتداء. ولم يكن هناك تفسير واضح لتلك الظاهرة غير ذلك، بمعنى أنه لا توجد العوامل التي تزيد من خطورة التعرض لأمراض القلب مثل ارتفاع نسبة الدهون أو ارتفاع ضغط الدم أو غيرها.
وقد وجد الباحثون أن نحو 16 في المائة من النساء اللاتي كانت لديهن زيادة في سمك الشريان قد تعرضن في الطفولة لاعتداء جنسي ووصلت النسبة إلى 20 في المائة في السيدات اللاتي انحدرن من أصول أفريقية. ووجدت الدراسة أيضا أن زيادة سمك الشريان لم ترتبط بالاعتداء البدني العادي، ولكن ارتبطت بالاعتداء الجنسي فقط.
وأهمية هذه الدراسة أنها تلفت النظر إلى الالتفات مبكرا إلى الضغوط النفسية التي تواجهها الفتيات، خاصة الاعتداءات الجنسية وأهميتها في الحماية من أمراض القلب. وأوصت الدراسة بأنه يستحسن أن يحاول أطباء أمراض القلب السؤال عن التاريخ المرضي للاعتداءات الجنسية في الطفولة (من دون أن يسبب ذلك حرجا للمريضة)، خاصة أن العامل النفسي يمكن أن يكون السبب الرئيس في الإصابة بأمراض القلب.

* الأطفال الذكور

* الأمر نفسه ينطبق على الأطفال الذكور، حيث أشارت دراسة كندية سابقة إلى أن الأطفال الذكور الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي في الطفولة تكون فرصتهم في الإصابة بأمراض القلب أكثر ثلاث مرات من أقرانهم الذين لم يتعرضوا للاعتداء الجنسي. وأوضحت تلك الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة تورونتو الكندية والتي نشرت وقتها كورقة بحثية في مجلة الاعتداء على الطفل أو إهماله Child Abuse & Neglect منذ سنتين، أن الاعتداء الجنسي على الأطفال الذكور يزيد من فرص إصابتهم بأمراض القلب، بغض النظر عن بقية العوامل الأخرى مثل التدخين والإصابة بمرض السكري والعمر والعرق وعدم ممارسة الرياضة وزيادة الدهون بالدم وغيرها.
وأوضحت الدراسة أيضا أن الآثار النفسية السيئة الناتجة عن الاعتداء الجنسي على الذكور تفوق مثيلتها في الإناث، ويمكن أن يكون السبب الرئيس في ذلك ارتفاع الكورتيزول نتيجة للضغوط النفسية ومن ثم يتسبب ذلك في ارتفاع ضغط الدم، ومن ثم الإصابة بأمراض القلب.
الجدير بالذكر، أن توصيات الجمعيات الطبية المعنية بأمراض القلب، أشارت إلى ضرورة زيادة الوعي بالاعتداء الجنسي على الأطفال لدى الأمهات وأن تجري ملاحظة أي تغير يطرأ على سلوك الطفل سواء كانت أنثى أو ذكرا، بمعنى رفض الطفل للذهاب إلى مكان معين اعتاد الذهاب إليه سابقا، أو الخوف من أحد الأشخاص البالغين، أو حتى مع طفل يكبره في العمر، أو الفزع والخوف من محاولة احتضانه أو تقبيله من أحد أفراد الأسرة، وضرورة التوجه الفوري للطبيب لمعالجة الأمر في البداية، وكذلك يجب على البالغين الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي أثناء طفولتهم عدم الخجل والكشف الدوري على الشرايين للوقاية من أمراض القلب.

* استشاري طب الأطفال



بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».