عربي من البدو الرّحل قاد الفرنسيين إلى موقع تحطم الطائرة الجزائرية

الطائرات الفرنسية كانت تائهة .. والرئيس هولاند لم يصدق نفسه

موقع سقوط الطائرة في منطقة غوسي بمالي
موقع سقوط الطائرة في منطقة غوسي بمالي
TT

عربي من البدو الرّحل قاد الفرنسيين إلى موقع تحطم الطائرة الجزائرية

موقع سقوط الطائرة في منطقة غوسي بمالي
موقع سقوط الطائرة في منطقة غوسي بمالي

منذ اللحظات الأولى لاختفاء طائرة الخطوط الجوية الجزائرية «دونالد دوغلاس أم دي 83»، كان جليا أن الوصول إلى موقع سقوطها سيكون صعبا ويتطلب وقتا. في منطقة صحراوية معزولة لا وجود لسلطة فيها، وتكاد تكون بلا سكان.
فالطائرة فقدت بعد خمسين دقيقة على إقلاعها من واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو نحو الجزائر العاصمة في رحلتها AH 5017. لكن رجلا واحدا كان له الفضل في إخبار خمس دول في مقدمتها فرنسا، عن المكان الدقيق لوجود حطام الطائرة.
كانت ليلة سقوط الطائرة، إحدى ليالي الصحراء العادية لولا ما ميزها من جو غائم وتساقط لأمطار حملت أملاً للسكان القلائل، بإنهاء موجة جفاف. هكذا يروي «باغيندا» أحد أبناء قرية صغيرة تدعى «تيبريمت» تقع على بعد سبعة كيلومترات من مكان الحادث في منطقة «غوسي» على بعد 100 كيلومتر من غاو شمال شرقي مالي.
«باغيندا» عربي بدوي من قبيلة «البرابيش» التي تقطن شمال مالي وجنوب شرقي موريتانيا، كان شاهد العيان الأول الذي رأى الطائرة الجزائرية، وهي تسقط الساعة الواحدة وخمسين دقيقة، أي بعد 12 دقيقة بالضبط على طلب تغيير مسارها، و3 دقائق على اختفائها من الرادارات وانقطاع الاتصال. بحسب روايته، فقد اشتعلت النيران في الطائرة وهي في الجو، وبعد لحظات هوت وارتطمت بالأرض محدثة صوتا هائلا لانفجار كبير.
وتوقع «باغيندا» ومن معه في القرية أن الحادث يدخل في إطار العمليات العسكرية التي تقوم بها فرنسا بالمنطقة. لكن ساعات الصباح الأولى حملت خبرا آخر، بعد أن انتقل مسرعا إلى الموقع ليكتشف هول الكارثة.
رأى البدوي حفرة كبيرة وأجزاء الطائرة محترقة بالكامل تقريبا، بل وأحرقت معها الأشجار القريبة، بينما تطايرت قطع منها هنا وهناك؛ على امتداد 300 متر.
يقول باغيندا إن الأحوال الجوية كانت سيئة، وقد تكون صاعقة ضربت الطائرة. ويؤكد أنه رأى بأم عينيه بعض الجثث وأعضاء بشرية متناثرة بوضوح.
وتحت هول الصدمة اتصل باغيندا بشخص يدعى «سيدي» أحد أعضاء الحركة العربية الأزوادية المناهضة لمالي، والموجود في مخيم «جيبو» داخل بوريكينا فاسو، والذي يؤوي لاجئين فارين من حرب الشمال المالي. ومن هناك اتصل الأخير بعربي آخر يمثل الحركة في واغادوغو ليبلغ بدوره السلطات البوركينابية. كان ذلك في وقت متأخر من اليوم الموالي لسقوط الطائرة (الخميس). بعد دقائق، ظهر الجنرال جيلبيرتو ديندير، قائد أركان رئيس بوركينا فاسو ليعلن لوسائل الإعلام أن شاهدا قال إنه رأى الطائرة، وأضاف «نحن نعتقد أن هذه المعلومة موثوقة لأنها متطابقة مع صور الرادار التي تظهر مسار الطائرة قبل اختفائها».
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد أعلن أن بلاده عبأت كافة الجهود للبحث عن الطائرة، وأرسلت طائرتي «ميراج»، لكن بناء على المعلومات الأولية التي أشارت إلى أنها اختفت بين كيدال وأجلهوك، في أقصى الشمال المالي.
ويروي مسؤول كبير في بوركينا فاسو لـ«الشرق الأوسط» أن طائرات الفرنسيين كانت «تائهة» في منطقة بعيدة. وأن الرئيس هولاند اتصل فور إعلان الخبر، بنظيره البوريكينابي بليز كامباوري، مستفسرا عن دقة المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام ومبديا دهشته. قائلا «السيد الرئيس طائراتنا تبحث في منطقة تبعد حوالى 500 كلم، قرب كيدال»، طلب كامباوري من هولاند التريث ومعاودة الاتصال به خلال ساعة. ساعة كانت كافية ليتأكد رئيس بوركينا أن عناصر من قوات بلاده قد وصلت إلى الموقع رفقة «سيدي» و»باغيندا» وصوروا حطام الطائرة عبر هواتفهم الجوالة.
وفي مساء اليوم الثاني (الجمعة) زار كامباوري موقع تحطم الطائرة الواقع على بعد حوالى 50 كيلومترا من حدود بلاده في عمق الأراضي المالية، ورافقه موكب بسيط من أربع سيارات، بينما وجد في استقباله قوات فرنسية قوامها 200 ضابط وجندي، وصلت اليوم نفسه، مع آليات ومروحيات لتأمين الموقع.
المفارقة أن «سيدي» حين رافق «باغيندا» إلى موقع الحادث قبل ذلك، وجدا أن الجثث والأعضاء البشرية التي شاهدها الأخير، لم تعد موجودة، مما جعلهما يرجحان أن الذئاب البرية الكثيرة في المنطقة، ربما اعتدت عليها.
وعندما وصل المحققون، كان الأمل في إيجاد جثث الضحايا يبدو وكأنه سراب، فلم يبق من آثار الطائرة قائما سوى أحد المحركات وبقايا من جناحها، وقطع حديدية أخرى، وأشياء صغيرة منها سترتان للنجاة وجزء من جواز سفر لبناني ومائة دولار نصف محترقة، وقلادة ذهبية، والصندوقان الأسودان للطائرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».