جهود «الساعات الأخيرة» لحشد دعم كافٍ لخطة ماي حول «بريكست»

رئيسة الحكومة البريطانية حذرت من تداعيات رفض مجلس العموم مسودة اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي

مشاركون في مظاهرة ضد «خيانة بريكست» نظمها حزب الاستقلال في لندن أمس (أ.ب)
مشاركون في مظاهرة ضد «خيانة بريكست» نظمها حزب الاستقلال في لندن أمس (أ.ب)
TT

جهود «الساعات الأخيرة» لحشد دعم كافٍ لخطة ماي حول «بريكست»

مشاركون في مظاهرة ضد «خيانة بريكست» نظمها حزب الاستقلال في لندن أمس (أ.ب)
مشاركون في مظاهرة ضد «خيانة بريكست» نظمها حزب الاستقلال في لندن أمس (أ.ب)

قبل يومين من موعد تصويت البرلمان البريطاني التاريخي على اتفاق بريكست، حذّرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي أمس النواب من أن رفض الاتفاق يطرح «خطرا حقيقيا» يتمثل في بقاء بريطانيا جزءا من الاتحاد الأوروبي.
وسيصوت النواب البريطانيون مساء غد على «معاهدة الخروج» من الاتحاد الأوروبي التي تم التفاوض بشأنها مع بروكسل طوال 17 شهرا. ويبدو أن إقرارها في مجلس العموم مستبعد في الوقت الحالي، بسبب الانتقادات الكثيرة التي تتعرض لها من حزب المحافظين الذي تنتمي إليه ماي وأحزاب أخرى.
ولم تكن المعاهدة عند مستوى توقعات مؤيدي بريكست الذين يتخوفون من بقاء دائم لبريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وكذلك المؤيدين لأوروبا الذين لا يزالون يأملون في العودة عن بريكست، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وقبل يومين من التصويت الذي يهدد مستقبلها السياسي، حذرت رئيسة الوزراء مجددا من عواقب رفض الاتفاق في حديث لصحيفة «مايل أون صنداي». وقالت إن «هذا يعني أن البلاد ستواجه مستقبلا مجهول المعالم، مع خطر حقيقي بعدم تحقق بريكست أو الخروج من الاتحاد من دون اتفاق».
ومتوجهة خصوصا إلى البرلمانيين المحافظين المستعدين لدفن المعاهدة، لوحت ماي بخطر الانتخابات التشريعية المبكرة واحتمال فوز جيريمي كوربن زعيم حزب العمال، وهو المعارض الرئيسي. وقالت إن «لدينا زعيم معارضة لا يريد سوى إجراء انتخابات عامة بغض النظر عن الكلفة على البلاد»، مضيفة أن وصول كوربن إلى السلطة «خطر لا يمكننا المجازفة به».
وأجرت ماي أمس مشاورات هاتفية مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، وفق ما أعلن الأخير عبر «تويتر»، مشددا على مدى «أهمية» الأسبوع المقبل «بالنسبة إلى مصير بريكست». وذكرت صحيفة «صنداي تايمز» أن ماي تستعد مع احتمال حصول انتكاسة كبيرة الثلاثاء في مجلس العموم، للتوجه إلى بروكسل لانتزاع تنازلات أخيرة حتى وإن اضطرت إلى تأجيل التصويت. إلا أن مصدرا في مكتب رئاسة الوزراء أكّد أمس أن التصويت سيعقد في موعده.
وأكد الوزير المكلف ملف بريكست، ستيفن باركلي، الذي حل أمس ضيفا على برنامج «ذي أندرو مار شوو» الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» للدفاع عن الاتفاق أن «التصويت سيتم الثلاثاء». وقال «إنه اتفاق جيد والاتفاق الوحيد»، مندّدا بالانتقادات للاتفاق التي تسببت باستقالة جديدة في الحكومة قدمها مسؤول كبير في وزارة الدفاع هو ويل كوينس.
وفي رسالة إلى رئيسة الوزراء نشرت على «تويتر»، انتقد كوينس «شبكة الأمان» التي نص عليها الاتفاق وتقضي بإبقاء بريطانيا في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي واعتماد توافق أكبر مع إقليم آيرلندا الشمالية في حال لم يتم إبرام اتفاق حول العلاقة المقبلة بين بروكسل ولندن بعد فترة انتقالية من 21 شهرا تلي بريكست، المقرر في 29 مارس (آذار).
وإذ أشارت إلى استقالات أخرى ممكنة قبل تصويت الثلاثاء، تحدثت صحيفة «صنداي تلغراف» عن حكومة على طريق «التفكك» وخلفاء محتملين لماي بدءا بأحد أبرز خصومها بوريس جونسون وزير الخارجية السابق المدافع عن «بريكست من دون تنازلات». وردا على سؤال عن إعلان ترشحه في حال رفض الاتفاق، قال جونسون أمس لـ«بي بي سي» إنه «سيستمر في العمل» لتطبيق رؤيته لبريكست مهما كانت نتيجة التصويت الثلاثاء.
وكان الجدل حول الاتفاق محتدما أيضا في شوارع لندن أمس، مع مسيرة مؤيدة لبريكست يقودها اليميني المتطرف تومي روبنسون بدعم من حزب الاستقلال المناهض لأوروبا. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «تيريزا ماي خائنة»، في حين نُظمت مظاهرة أخرى مضادة في العاصمة البريطانية في الوقت نفسه.
واجتمع مؤيدو إجراء استفتاء جديد داخل قاعة، وقال النائب العمالي ستيفن داوتي أمام المشاركين «فلنعط مجددا الأمل للشعب، ولنوقف هذا البريكست الرهيب».
وفي حال فشل اتفاق ماي في تصويت مجلس العموم يوم غد، فإنها قد تواجه تصويتا لحجب الثقة عنها من جانب المعارضة أو تحديا لقيادتها من داخل حزبها المحافظ. وستتوجه ماي إلى بروكسل بجميع الأحوال لحضور قمة تجمعها بنظرائها الأوروبيين الـ27 يومي الخميس والجمعة.
وقال مصدر أوروبي مطلع طلب عدم كشف هويته، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «تيريزا ماي ستحضر القمة الأوروبية في 13 و14 ديسمبر (كانون الأول)، وستطلب إعادة التفاوض وهو ما سيرفضه القادة الـ27 بعدما تم الاتفاق على النصوص». وأضاف: «سيلجأون إلى بروتوكول أو توضيح لنقطة تعد مهمة، ليعودوا بعد ذلك إلى البرلمان».
مع امتلاك النواب صلاحيات واسعة لبت المسألة، بإمكانهم الضغط من أجل خطة بديلة تتبنى بريطانيا بموجبها بريكست «ناعما» يبقيها ضمن التكتل التجاري التابع للاتحاد الأوروبي (المنطقة الاقتصادية الأوروبية) في ظل ما يعرف بـ«خيار النروج».
ورغم أن البقاء ضمن السوق الموحدة سيتطلب الحفاظ على حرية حركة مواطني الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا - وهي نقطة خلافية بالنسبة لماي وكثير من الناخبين الذين صوتوا لصالح بريكست - إلا أن خيارا كهذا يمكن أن يحصل على موافقة الغالبية في البرلمان ليتم تمريره في جلسة تصويت ثانية.
لكن هناك عقبة محتملة هي أنه سيكون على بريطانيا مواصلة دفع مبالغ كبيرة للمساهمة في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يرفضه كثيرون. وهناك تسريبات أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي «يناورون» لإيجاد طريقة تمكن التكتل من توسيع «المادة 50» للسماح باتفاق معدل أو سيناريوهات أخرى كاستفتاء ثان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟