تضليل المصادر وتنكّر الصحافي... الغاية لا تبرر الوسيلة

تضليل المصادر وتنكّر الصحافي... الغاية لا تبرر الوسيلة
TT

تضليل المصادر وتنكّر الصحافي... الغاية لا تبرر الوسيلة

تضليل المصادر وتنكّر الصحافي... الغاية لا تبرر الوسيلة

الصحافة مهنة المتاعب بلا شك. فالمعلومات التي يحصل عليها الصحافي لا يجدها بسهولة؛ فهو يبذل الكثير من الجهد البحثي والنفسي والعصبي، ويستغرق الكثير من وقته وحياته الخاصة في سبيل الحصول على معلومات تفيد الجمهور، وتمكنه من تكوين الرأي العام. لكن هل يبرر ذلك خداع الصحافي لمصادره، أو التنكر للحصول على المعلومات؟
مختصون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» في قضية «تضليل المصادر». وأكدوا أن «الغاية لا تبرر الوسيلة. وهذا أمر غير أخلاقي ومرفوض تحت أي مسمى».
قال الدكتور عادل عبد الغفار، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة: إنه «لا يمكن لأي جهة أن تنكر حق الصحافي في جمع المعلومات؛ لكن ما نشاهده الآن تحت مسمى (الصحافة الاستقصائية) بصورة غير مهنية، واستباحة خصوصية الآخرين بحجة الكشف عن معلومات، إنما يدل على جهل بحدود المهنة وهدفها، ويؤكد على وجود قصور في دورة الحصول على المعلومات».
يرفض عبد الغفار تلصص الصحافي أو تجسسه في سبيل الكشف عن قضايا فساد؛ «لأن ذلك قد يضعه تحت طائلة القانون لانتحال شخصية غير شخصيته. فالصحافي ليس مخبراً أو ضابطاً، ومهمته نقل المعلومة والتقصي عنها في حدود مهنته. فعلى سبيل المثال تنكرت صحافية مصرية في شخصية مريضة للكشف عن فساد في مشفى حكومي، ووضعها هذا الأمر تحت طائلة القانون».
ويلفت عبد الغفار إلى أن هذه النوعية من الصحافة، لم تكن موجودة سابقاً؛ فقد كان الإعلام تقليدياً يركز على الجوانب التثقيفية والسياسية. مؤكداً أن هذه الظاهرة تزداد خطورة يوماً بعد يوم بسبب الزيادة المطردة في أعداد المواقع الإلكترونية التي تقدم مواد صحافية لا تلتزم بأكواد مهنية، ولا تعتمد على صحافيين مدربين؛ ما يؤدي إلى الإخلال بالعمل الصحافي والإعلامي».
في السياق، نشر مكتب منظمة اليونيسكو في الأردن دليلاً قانونياً للصحافيين، يؤكد على عدم نشر الأقوال والآراء التي أخذت بطريق الحيلة والخداع. ويشير إلى أنه في بعض الأحيان قد يلجأ البعض إلى التنكر عند إجراء التحقيقات الاستقصائية، من أجل الحصول على أقوال يصعب أخذها إذا علم الشخص أنها ستنشر. وفي مثل هذه الأحوال التي تأخذ فيها الأقوال بالحيلة والخداع، لا بد أن يقف الصحافي وقفة تفكير متأنية قبل نشرها؛ لأن هناك الكثير من القرارات القضائية التي تجرّم مثل هذا النشر، وتعتبره انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين.
ويؤكد الصحافي عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية، رفضه لتضليل المصادر كأسلوب صحافي، قائلاً: «الغاية هنا لا تبرر الوسيلة؛ فهذا أمر غير أخلاقي ومرفوض تماماً تحت أي مسمى ومن قبل أي جهة، ولا بد للصحافي أن يكون صادقاً مع مصادره، وأن يكشف لهم عن طبيعة الموضوع الذي يعمل عليه، وما هي الصحيفة التي يمثلها؟». ويشير إلى أزمة حدثت في الوسط الإعلامي المصري أخيراً، حيث أصبح عدد من المسؤولين والفنانين يتلقون اتصالات ممن يدعون أنهم صحافيون مصريون من صحف معروفة، ويحاولون الحصول على تصريحات، من ثم يفاجأ المسؤول أو الفنان بنشرها في صحف معادية للدولة.
وتساءل حسين: «لماذا قد يلجأ الصحافي لمثل هذا الأسلوب؟ مشيراً إلى وجود صعوبة كبيرة أمام الصحافيين في الحصول على المعلومات». لافتاً إلى أن «الصحافة المصرية في الماضي قد شهدت تحقيقات تخفّى فيها الصحافيون؛ لكن لأهداف كانت نبيلة، ونجحت في الكشف عن عصابات مخدرات وتهريب أموال؛ لكنها كانت تتسم بالمصداقية الحقيقية».
ويؤكد حسين أن «الرغبة في السبق لا تبرر للصحافي أبداً اللجوء للتخفي والتنكر، فلا يجوز نشر شيء من دون علم المصدر وموافقته، فهناك أولوية مهنية للمصداقية والدقة يجب أن مراعاتها».
وعلى الرغم من أن نموذج الصحافي المتنكر قد ظهر في الصحافة العالمية منذ بدايات القرن العشرين، تحديداً في قضايا سوء معاملة نزلاء مشافي الأمراض العقلية وما يتعرضون له من تعذيب، فإن المعاهد الإعلامية والصحافية كافة حول العالم تؤكد على أهمية المعايير الأخلاقية في التغطية الصحافية.
ويمكننا هنا الإشارة إلى ما قاله جيل زوكمان، المراسل الصحافي في «بوسطن غلوب»: «أفضّل دائماً أن أتحدث بصراحة مع مصادري، وأخبرهم بما أفعل وإلى أين أنا ذاهب». وهو ما أكده عدد كبير من الصحافيين في الصحف الأميركية، ومنها «واشنطن بوست»، حيث يفضل عدد كبير من الصحافيين المرموقين عرض تفاصيل ومسودات القصص الحساسة على مصادرهم قبل نشرها، وهو ما أكده الصحافي الشهير جاي ماثيو في مقابلة صحافية معه نشرت في مطلع الألفية الثانية.
من جهته، قال الدكتور محمد سعد إبراهيم، عميد المعهد الدولي العالي للإعلام في أكاديمية الشروق: إن مواثيق الشرف الصحافي ومدونات السلوك الأخلاقي تمنع الانتحال والتضليل وتزييف الهوية واستخدام الأساليب غير المشروعة للحصول على المعلومات، وبخاصة إذا كانت أغلب تلك الانتهاكات تندرج في إطار المسؤوليات الأخلاقية، فإنه في حال لجوء الصحافي إلى استخدام الرشوة بهدف الحصول على المعلومات، فإن الأمر يندرج في إطار الجرائم التي يعاقب عليها القانون. لافتاً إلى أن «بعض السوابق الصحافية تشير إلى أن التضليل يحدث في الغالب من جانب المصادر، حيث تلجأ في بعض الأحيان لتقديم الرشى، وتبادل المعلومات مقابل تقديم مصالح مادية ومعنوية لبعض الصحافيين؛ الأمر الذي يصل لحد صنع وفبركة أخبار تخدم مصالح تلك المصادر». مؤكداً أن المدونات السلوكية والأخلاقية في كل الأحوال، تلزم الصحافيين التحري والتدقيق. موضحاً أن «الانتهاكات على الجانبين ستظل مستمرة؛ طالما أن العقوبات التأديبية غير ملزمة ولا ترقى لدرجة الردع القانوني، فضلاً عن صعوبة تقديم أدلة وقرائن تثبت التضليل الإعلامي للمصادر أو التضليل الإعلامي للصحافيين من جانب المصادر».


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».