«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

قتل بالرصاص وإعدامات

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
TT

«داعش» يردع الفارين باستدعاء الوحشية

دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)
دواعش يتأهبون لتنفيذ إعدامات ضد «الفارين» (صفحات تابعة للتنظيم)

محاولات تنظيم «داعش» الإرهابي لعقاب «الفارِّين» من جحيمه أو المدنيين في سوريا والعراق لا تنتهي عبر القتل بالرصاص، والإعدامات، في مشاهد تُعيد وحشية التنظيم الدموي التي اشتُهِر بها منذ ظهوره اللافت في عام 2014. ويتساءل خبراء مكافحة الإرهاب: هل سيواصل «داعش» سيناريوهات قتل «الفارّين» لتعويض خسائره بسوريا والعراق، خصوصاً بعدما ظهرت الأسابيع الماضية مشاهد كثيرة تدل على قسوته؟
خبراء مصريون أكدوا أن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين كنوع من التخويف وبثّ الفزع فيمن يفكر بالهروب أو الانشقاق. وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بعقاب (الفارين) هو فقدانه كثيراً من عناصره بعد كشفهم حقيقة أفكاره وعقيدته الدامية». لكنهم أشاروا إلى أن التنظيم يعاني من تخبُّط داخلي واضح طيلة الأشهر الماضية.
- مناظر متكررة
وأخيراً قام التنظيم بتصفية عدد من العناصر المدنية، وعناصر تابعين له في منطقة دير الزور بالعراق رمياً بالرصاص، بتهمة السعي إلى الخروج من مناطق «الدولة المزعومة». كما قتل سيدتين رمياً بالرصاص أيضاً في مدينة الشفعة بدير الزور في سوريا، وقتل شاباً بتهمة محاولة التواصل مع القوات السورية. وأعدم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تسعة مدنيين غرب الموصل على خلفية تعاونهم مع القوات الأمنية. وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي أعدم 3 مدنيين من بلدة الباغوز بسوريا. وفي أغسطس (آب) الماضي وثَّق سوريون تنفيذ «داعش» 41 عملية إعدام خلال شهري أغسطس ويوليو (تموز)، رمياً بالرصاص، وبفصل الرؤوس عن الأجساد، كما أعدم 583 من عناصره بزعم العمالة ومحاولة الفرار. وفي مايو (أيار) الماضي استعرض عناصر التنظيم طريقة إعدام لأسير في مخيم اليرموك بسوريا، حيث قيدوه بالحبال ووضعوا المتفجرات في خوذة ثبتوها على رأسه وفجَّروها.
من جهته، يقول الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي مصر مدير مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية إن «السبب الأساسي وراء قيام التنظيم بهذه الأفعال الدموية هو فقدانه لكثير من مقاتليه، بعدما اكتشفوا حقيقة أفكاره وعقيدته البعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمح، لذلك يسعى إلى التخلص من العناصر التي يرى فيها أنها اكتشفت أفكاره الإجرامية، حتى لا يكون لهم تأثير على الباقين»، مضيفاً أنَّ «إعدام المدنيين دليل على أن التنظيم يسعى إلى ترهيب المواطنين، خصوصاً بعد محاولات الفرار التي قام بها البعض للخروج من تحت سيطرته؛ فما يقوم به (داعش) يشير إلى أن التنظيم يعاني من تخبط داخلي واضح».
- فتاوى القتل
وأفتى فواز العلي المُلقب بـ«أبو علي الشرعي»، ويُشار إلى أنه القاضي الشرعي لـ«داعش»، في يوليو عام 2017، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب أيضاً ويعرِّضون حياة أعضاء التنظيم للخطر، من خلال نقل المعلومات عنهم.
ويشير مراقبون إلى أن تعمُّد التنظيم إلقاء الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثَّ مقاطع فيديو خاصة بها، يهدف إلى ردع العناصر الأخرى، ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصاً بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، بعد الهزائم التي طالته في سوريا والعراق ودول أخرى.
يُشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولته «المزعومة» في سوريا والعراق قطع ما يزيد على 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره، بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية، عند محاولتهم العودة إلى بلادهم، وأصدر حينها سلسلة أشرطة فيديو دعائية، بث فيها عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أُجبِروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم.
- تخويف ورعب
من جهته، قال اللواء طلعت مسلم الخبير الأمني والاستراتيجي، إن «داعش» أصبح يثأر بالقتل من «الفارين» والمدنيين عبر مشاهد علنية، كنوع من التخويف وبث الفزع فيمَن يفكر بالانشقاق عنه، موضحاً أن التنظيم يقصد من مناظر إعدام الضحايا توجيه رسالة بأنّ هذا سوف يكون مصير كل من يهرب، وكل من يخالف التنظيم في الفكر، مضيفاً أن «تزايد نشر أخبار التنظيم عن عمليات قتل الرهائن والمدنيين في أذرعه الإعلامية، والمقاطع المصوَّرة لإعدام عناصره الهاربة، دليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره، والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة».
في هذا الصدد، ذكرت دراسة حديثة لمرصد الأزهر بالقاهرة أن من أهداف التنظيم الرئيسية تصدير صورة بشعة عن الإسلام، فالمدقق فيما خلَّفته الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق يُدرك بسهولة منهج الحرب النفسية الذي يتعاطاه التنظيم مع المدنيين؛ فهو يتعامل معهم بوحشية غير طبيعية، كما أن الناظر في منشوراته الأخيرة يُدرك أيضاً اتباعه النهج نفسه، في محاولته بث الرعب بقلب رجل الشارع الغربي. وأضافت الدراسة أن تنظيم «داعش» يواصل بث الرعب والخوف في قلوب الآمنين، مُحاولاً البقاء في أذهان أعضائه الذين شتتهم الواقع.
يُذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق، ويُدعى يوجين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصوَّر لعملية الذبح على الإنترنت.
- مناصرون جُدد
يُشار إلى أن «داعش» اعتمد، منذ نشأته، اعتماداً كبيراً، بل كلياً، على آلته الإعلامية لبث آيديولوجيته خلال الشبكة العنكبوتية، حيث كان يقضي أنصار التنظيم غالب وقتهم على مواقع التواصل، للعمل على استقطاب مناصرين جُدد، وتجنيد مقاتلين من جميع أنحاء العالم... وكذلك لتلقي نداءات التنظيم، وشرح كيفية إعداد وتحضير المتفجرات يدوية الصنع، وكيفية شن هجمات إرهابية بأدوات متاحة في الوسط الذي يعيش فيه المتطرف بأي وسيلة كانت، حتى لا يلفت أنظار المحيطين به.
والشهر الماضي، أصدر «داعش» مجلة جديدة أطلق عليها «شباب الخلافة»، كي تكون منبراً لجذب الشباب وتجنيدهم وحثهم على الانضمام إلى التنظيم أو القيام بالأعمال الإرهابية تحت اسم «الذئاب المنفردة»، فالمجلة اعتمدت على الصورة أكثر من الكلمة، وإن كان إخراجها أقل مما اعتاد عليه التنظيم، وقد يعود ذلك إلى رغبة «داعش» في أن يظن الجمهور أنها مجلة من إخراج المناصرين، وليست من منابر التنظيم الإعلامية، كما يدعي هو، إضافة إلى أن جميع رسائلها تعتمد على الإثارة والتشويق، وسرد قصص للمنضمين للتنظيم من الدول الأوروبية، ومدى تحملهم العناء (على حد زعم التنظيم).
- محاولات زائفة
المراقبون أكدوا أنه مما لا شك فيه أن «داعش» استغلّ بنجاح الفضاء الإلكتروني، ذاك الفضاء الذي سهّل له نشر سمومه ومكَّنه من تجنيد الآلاف من المؤيدين لها بالعالم؛ فكان له أهمية خاصة لدى «داعش» وكثير من التنظيمات الإرهابية، وذلك لعدة أسباب، منها: ضمان السرّية لوجود التطبيقات المشفرة التي تعتمد عليها التنظيمات في نقل الأفكار والأوامر والخطط لمؤيديها، والاستمرار في نقل الأفكار المتطرفة وتبادلها بين مناصري تلك التنظيمات، وإعطاء التنظيمات المتطرفة حجماً أكبر بكثير من حجمها الطبيعي، وهو ما يُسهِم في حشد مناصرين أكثر، ولا تفوتنا أيضاً التكلفة وسهولة وسرعة التواصل من خلال تلك المواقع والتطبيقات المشفرة.
وقال الدكتور إبراهيم نجم إن «عمليات قتل وإعدام (الفارين) من (داعش)، والمجلة الجديدة، تحمل دلالة غاية في الأهمية، وهي أن التنظيم بات يعاني بشكل غير مسبوق من غياب المقاتلين والمناصرين له، فضلاً عن محاصرته على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وهو ما دفعه لمحاولة خلق هذا الزخم حوله، والإيحاء للعالم بأن مناصريه كُثر، وأنهم يسهمون في نشر أفكاره وترويجها، بل إنهم يضمنون بقاء التنظيم وأفكاره على المدى الطويل»، مشيراً إلى أن قادة «داعش» يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية، يُسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم، خوفاً من البطش والقتل على يد عناصره، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده، لا يوجد به ما يدعو إلى القتل، وسفك الدماء، أو إرهاب الناس وتخويفهم.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.