جذور المطبخ المكسيكي وتأثره بالأكل الأندلسي

نظرة على أعمدته الأساسية وتنوعه الجغرافي

جذور المطبخ المكسيكي وتأثره بالأكل الأندلسي
TT

جذور المطبخ المكسيكي وتأثره بالأكل الأندلسي

جذور المطبخ المكسيكي وتأثره بالأكل الأندلسي

كثرت المطاعم المكسيكية في العاصمة البريطانية لندن خلال السنوات القليلة الماضية إلى جانب الكثير من المطاعم اللاتينية والآسيوية الجديدة، وعلى رأسها المطاعم البيروفية؛ وذلك ترافقاً مع تزايد التنوع في المطابخ الدولية التي تتخذ من لندن مركزاً ومنطلقاً لها. ومن عشرات هذه المطاعم المعروفة مطعم «ماستيزو»، الذي يقدم المأكولات المكسيكية ومأكولات أميركا الوسطى، ومطعم «ليستر سكوير كيتشن» أيضاً الذي يقدم المأكولات المكسيكية والبيروفية والنباتية في الساحة التي يحمل اسمها وسط العاصمة. وهناك مطاعم معروفة أيضاً، كمطعم «واهاكا» في منطقة كوفنت غاردن الشهيرة، ومطعم «يوكا» في شارع فولهام القريب من منطقتي كينزينغتون وتشلسي.
بأي حال، فإن للمطعم المكسيكي سمعة طيبة هذه الأيام، ويصعب أن تعثر على أحد من الجيل الجديد لا يعرف خبز التورتيلا، ولفائف الانشيلادا، والتاكو، والكيسادياس، والغواكامولي وغيرها. لكن ما هي جذور هذا المطعم الطيب وتاريخه الحافل، ومن أين جاء، وكيف وصل إلى هنا؟
تشير المعلومات المتوفرة إلى أن هذا المطبخ المعروف بألوانه الشرحة ومذاقاته ومكوناته الطازجة الممتازة، بدأ رحلته قبل تسعة آلاف سنة، وهو بالأصل وقبل أن يتطعم بالمطاعم الإسبانية والأوروبية والعالمية كان خليطاً بين المطابخ القديمة للحضارتين الآزتيكية والمايية. ولاحقاً، وبشكل عام وبعد فشل الإسبان بفرض مطبخهم وتقنيتهم الخاصة بهم، أصبح المطبخ المكسيكي - حسب رأي الخبراء - خليطاً بين وصفات المطبخين الآزتيكي والمايي والمطبخ الإسباني ومطابخ جنوب أميركا والكاريبي والأفريقي مع وصول الكثير من العبيد إلى البلاد.
ولطالما اعتمد الهنود أو السكان الأصليون في المكسيك على مجموعة من المكونات كالذرة والفاصولياء؛ لما يحتويان عليه من كميات كبيرة من البروتينات، بالإضافة إلى الدواجن والطيور والأسماك إذا توفرت. وكان الهنود يتناولون هذه المواد، إما مغلية وإما مدخنة. ورغم أنهم لم يعرفوا الخبز فقد اخترعوا التورتيلا المصنوعة من الذرة بديلاً عنه. أما بعد وصول الإسبان وفي العصر الحدث فقد بدأ الهنود المكسيكيون في استخدام ما ورثه الإسبان من المطبخين الروماني والعربي، كالزيتون وزيته والخبز والحنطة، وما وصل من شمال أفريقيا من غنم ودجاج وتوابل، وخصوصاً الكمون، والقرفة، والقرنفل، والكزبرة، والمكسرات، والسكر، والزعفران. ويمكن بسهولة التعرف على هذه المكونات في سندويشات التاكو وأطباق اليخنات وأطباق التمال (ذرة - أوراق الموز - الافوكادو - لحم وخضراوات - فلفل) المكسيكية التقليدية.
ويمكن القول هنا، إن المطبخ المكسيكي تأثر كثيراً بالمطبخ العربي، والمغربي الأندلسي بشكل خاص الذي ترك بصماته على المطبخ الإسباني أيام الأندلس. إذ حمل الإسبان معهم المواد الأندلسية وتقنيات الطبخ التي كانت تستخدم في إشبيلية، وغرناطة، وقرطبة، وغيرها من المدن.
من أعمدة المطبخ المكسيكي الأساسية هي الفلفل الحار الذي جاء إلى البلاد منذ زمن طويل من أميركا اللاتينية، والذرة الذي يستخدم بطرق كثيرة، والقرع، والفاصولياء، والبندورة. أضف إلى ذلك الأفوكادو، والفانيليا، والفول السوداني، والديك الرومي، والبطاطا، والكوسا، والقنبيط، والفِطر، والسلق، والبابايا، والأناناس، والجوافة، والكاكاو، والتشيا، والصبار، والموز، والمانغو، والأجاص، وغيرها قبل أن تصل مواد أخرى كلحوم البقر، والأرز، والدجاج، والثوم، والبصل مع وصول كولومبوس إلى العالم الجديد نهاية القرن الخامس عشر وبدء الاستعمار الإسباني الأوروبي هناك.
لكل منطقة في المكسيك مطبخها الخاص بها كما هو الحال في الكثير من دول العالم؛ وذلك لأسباب جغرافية وإثنية أو عرقية إثر تأثر السكان الأصليين بالإسبان بدرجات متفاوتة.
فمثلاً يعرف شمال المكسيك بأطباق اللحوم لكثرة المراعي، والأبقار، والماعز، والنعام، وعلى رأس هذه الأطباق طبق أراكيرا (ستيك بقر). ولهذا السبب تعرف المناطق الشمالية بالأطباق المشوية أو المشاوي وما يعرف بالـ«كابريتو». ولأن المناطق الشمالية غنية بالماشية؛ فإنها تعرف أيضاً بأنها أكبر تنوع في عالم الأجبان في المكسيك، أي عشرات الأنواع، وعلى رأسها كويسو فريسكو، وورانكيرو، وكواجادا.
كما يتميز مطبخ المناطق الشمالية بوجود الحنطة التي جاء بها الإسبان إلى البلاد واستخدام التورتيلا المصنوعة الكبيرة من القمح لا الذرة. وهناك ما لا يقل عن أربعين نوعاً من أنواع التورتيلا في هذه المناطق.
كما تفتقر المناطق الشمالية التي تعتبر صحراوية في معظمها إلى التنوع الجنوبي؛ ولذلك تكثر فيها تقنيات حفظ الطعام، وعلى رأسها التجفيف والتعليب. ويشمل التجفيف الفلفل، والقرع، والفاصولياء، والبازلاء، والذرة، والعدس، واللحم، والفاكهة، وغيرها.
وقد تأثرت المناطق الشمالية الشرقية بالمطبخ اليهودي بعد أن استقر الكثير من اليهود الإسبان فيها؛ ولهذا يكثر فيها ما يعرف بالخبز السامي وبعض أنواع الحلويات ككابيروتادا، وغيرها.
في وسط البلاد التي تتمتع بمجموعة واسعة من النظم الإيكولوجية يتكون المطبخ «عموماً من تأثيرات من مختلف أنحاء البلاد، لكنه يتمتع ببعض الأصالة مثل البارباكوا، والبازولي، والمينودو، والتاماليس، والكارنيتاس». وتعود أصالة وبقاء مطبخ هذه المناطق، وبالتحديد مطبخ مدينة أوخاكا، إلى ما هو بعد دخول الإسبان؛ إذ دخلوا المناطق من دون حرب. ولذا؛ حافظت هذه المناطق على تقنيات الطبخ القديمة أيضاً. وتعرف المناطق الوسطى بالاستخدام المفرط للذرة والشكولاتة، والفاصولياء السوداء.
وفي المناطق الساحلية المطلة على خليج المكسيك والمحيط الهادي، وخصوصاً ولاية فيراكروز الشرقية، يسيطر المطبخ البحري أو المأكولات البحرية، ويكثر استخدام أسماك الهامور، والنهاش الأحمر، وسرطان البحر، والمحار، وسمك السنوك الضخم، وسمك الموجارا، وغيرها. ومن أشهر أطباق الأسماك طبق الـ«فيراكروزانا» الذي يتكون من السمك بالفرن مع صلصة البندورة، والكيبرز، والزيتون، والثوم، وغيرها. وفي هذه الولاية، أيضاً، يمكن العثور على آثار المطبخين الأفريقي والإسباني، حيث يكثر استخدام البقدونس، والكزبرة، والزعتر، والمردقوش.
أما المطبخ في الجنوب المتأثر جداً بالمطابخ الكاريبية، وخصوصاً في ولاية تشياباس المحاذية لغواتيمالا فتسيطر عليه الخضراوات، والتوابل، وأطباق الدجاج، ولحم البقر، والجبنة بشكل عام. وتعرف مناطق الولاية بطبيعتها الجبلية وأدغالها الوعرة.
وفي المناطق الغربية التي تشمل المناطق المطلة على المحيط الهادي فتكثر أطباق الأرز والسمك؛ لكثرة البحيرات والأنهار.
أما في ولاية يوكاتان على خليج المكسيك شرق البلاد، فإن بنية المطبخ الأساسية هي بنية مايية، لكن المطبخ متأثر جداً، وبشكل عام بالمطابخ الكاريبية، ومطابخ الشرق الأوسط، والمطبخ الفرنسي، ومطبخ المناطق الوسطى في البلاد.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.