أحمد عنقاوي وفن «المنجور»... عشق وحرفة وفن

الفنان السعودي تعاون مع المتحف البريطاني لتصميم نوافذ جناح الفن الإسلامي على طراز مباني مكة القديمة

أحمد عنقاوي أثناء عمله
أحمد عنقاوي أثناء عمله
TT

أحمد عنقاوي وفن «المنجور»... عشق وحرفة وفن

أحمد عنقاوي أثناء عمله
أحمد عنقاوي أثناء عمله

الفنان السعودي أحمد عنقاوي اتخذ لنفسه خطّاً مميزاً عن فناني جيله، فقد صبَّ اهتمامه على التراث والتصميم ولا غرابة أن يتبنى الفنان الشاب هذين المجالين؛ فهو ابن عاشق التراث سامي عنقاوي، الذي عبَّر عن عشقه لتراث منطقة مكة المكرمة المعماري ببناء منزله في جدة على ذلك الطراز الأصيل، ومن ناحية أخرى فقد درس أحمد عنقاوي التصميم الصناعي والهندسة ثم صقل ذلك بدراسته في مدرسة الأمير للفنون التراثية بلندن حيث حصل على درجة الماجستير.
الحديث مع أحمد عنقاوي يأخذنا في أكثر طريق؛ فمن الحرف التراثية وفن نسج الخشب على الطراز الحجازي إلى الفلسفة إلى الهندسة ثم إلى التاريخ وغيرها. ويأتي حديثنا في جو مفعم بالفنون الإسلامية والتراثية التي يتبناها عنقاوي، وذلك في جناح الفن الإسلامي المفتتح حديثاً في المتحف البريطاني بلندن حيث قام عنقاوي بتصميم وتنفيذ النوافذ الخشبية على الطراز التقليدي للمدن الإسلامية قديماً. أجري حواري معه تحت شبكة من الخشب المغزول ببراعة وحرفية، وهي تمثل نموذجاً لما كانت عليه نوافذ المباني في مكة وجدة ويطلق عليها اسم «الروشان»، وهي من تصميم وتنفيذ عنقاوي.
- البداية مع فن «المنجور»
أسأل عنقاوي عن حرفة «المنجور» التي تبناها بحب وتفانٍ كبيرين، وهي حرفة تاريخية مندثرة استخدمت كثيراً في الماضي لصناعة سواتر خشبية جميلة للنوافذ اتخذت أسماء مختلفة، مثل «الرواشين» في مكة المكرمة و«المشربية» في مصر، أتساءل: ما قصته مع ذلك الفن وتلك الحرفة؟ يقول: «كنتُ دائماً ما أحرص خلال سفري لمصر أو المغرب على التمعُّن في هذا الفن الذي يوجَد في عدد من مدننا في جدة التاريخية وفي المدينة ومكة، وكنت أحرص على المشي في الأزقة وملاحظة الحرفيين في عملهم». يعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً لبداية الشغف بالخشب، ويقول: «كانت بدايتي بعد عودتي من دراسة الهندسة الصناعية. وقتها أحسستُ بأن هناك شيئاً أقدم في مجال التصميم، وأردتُ أن أعود لأصل الصنعة، وأن أركِّز على منتج واحد وأن أعرف عنه كل ما يمكن معرفته».
أحمد عنقاوي عاش في منزل يعشق التراث والتاريخ، وذلك بفضل والده المعماري سامي عنقاوي، ويتذكر نشأته: «وُلدتُ في بيت به دائماً حرفيون من المغرب ومن مصر قاموا ببنائه، وكنت موجوداً معهم دائماً وتأثرتُ بهم كثيراً»، بفضل مولده في مكة ونشأته في جدة عاصر عنقاوي المباني القديمة المتميزة بتلك السواتر الخشبية على النوافذ والمنفذة بحب وتفانٍ وفن، سحرته تلك النماذج بديعة التنفيذ وأيضاً العملية في استخدامها لحماية خصوصية أهالي البيوت وأيضاً لحجب الشمس وإدخال الهواء للبيوت. يقول: «على الرغم من أن الناس دائماً يتحدثون عن (الرواشين)، فإنه للأسف لا يوجد توثيق مكتوب عنها».
يركز عنقاوي حرفته على تفصيلة في النقر على الخشب يسميها «المنجور»، ويشرح لي أكثر معنى الكلمة: «يقال لهذا الأسلوب في تكوين الخشب (المنجور)، وأحياناُ يُطلَق عليه (المنقور) من نجر أو نقر الخشب، ويمكنك ملاحظة تفاصيله في بعض (الرواشين) في جدة التاريخية، مثل بيت نصيف. (المنجور) يُعتَبر جزءاً من المعمار التراثي الذي استخدم في بيوت مكة وجدة قديماً لإدخال الإضاءة الطبيعية والهواء النقي للمباني».
يجسد فن «المنجور» بالنسبة لعنقاوي فكرة الخصوصية وفكرة «الستر»، «مثل العباءة أو الملبس، هو المرادف في العمارة، فالستائر الخشبية المنفَّذة بفن (المنجور) تفصل بين مكانين، وتعطي خصوصية، كما أنها تحافظ على مظهر جمالي أخَّاذ من الخارج والداخل». تبدو المباني القديمة مصممة ومعدة بشكل بسيط لمواجهة الطقس أيضاً، فالستائر الخشبية (الرواشين) تضاف إلى وظائفها الحماية من حرارة الطقس «الخشب ميزته امتصاص الحرارة، وملاحظ في بيوت جدة التاريخية أن أغلبها كان مبنياً من الأخشاب».
بالنسبة لعنقاوي الذي تفرغ لإحياء تلك الحرفة الآتية من التاريخ، فـ«المنجور» الذي أبدعه الحرفيون في «رواشين» مكة وجدة يختلف عن أساليب معمارية وزخرفية مماثلة استُخدِمت في بلدان عربية مجاورة ويضيف: «(المنجور) مختلف عن مثيله في النوافذ الخشبية في ثقافات أخرى في الهند وفي اليابان أيضاً وحتى عن (المشربية) في مصر، يتفق معها في الوظيفة ويختلف في الشكل والتصميم».
- المنجور وطموح الفنان
تجذَّرَت فكرة الفن التراثي لدى أحمد عنقاوي وانتقلت له من والده سامي عنقاوي الذي درس العمارة الحجازية في مرحلة الدكتوراه. تبع أحمد خطا والده ولكنه تطلع إلى انغماس أكبر في فنون النقر وتشكيل الخشب، أخذه عشقه لأن يتعلم أسرار الصنعة اليدوية وأن يستمتع باستخدام الإزميل بصبر وتفانٍ لغزل تلك التكوينات المتقاطعة «حُلمي كان دائماً أن يكون عندي مكان أعمل فيه بيدي، وأن يمر الناس علي ويروني أعمل؛ أن تكون هناك حرفة حقيقية وأن يسمع الناس صوت النقر على الخشب». ينقلنا حلم أحمد لمشاهد قد نكون رأيناها في صور قديمة أو من خلال أفلام مصوَّرة لحرفيين يعملون داخل ورشهم في الأحياء القديمة. وبينما يقومون بعملهم اليومي تضج الحياة خارج محلاتهم بحركة المارة والبيع والشراء، يبدو بالفعل حلماً من الماضي، ولكن أحمد يملك الكثير من العزيمة ليحاول إعادة تلك المشاهد للأحياء القديمة في جدة.
يدافع عن حلمه بالإشارة إلى خزائن العرض حولنا في قاعة الفن الإسلامي بالمتحف البريطاني، التي تضم نماذج من إبداعات الحرفي المسلم المصنوعة من الزجاج والنحاس والخشب وغيرها ويقول: «جميع الحرف التي ترينها هنا حولنا في المتحف كانت تُصنع بآخر التقنيات الموجودة في ذلك الوقت، وبأحسن المواد والحرفيين الموجودين في وقتها، علينا الآن أن نحاول إحياء هذه الحرفة، ولكن بالإضافة لها واستخدام أفكار التصميم الحديثة وأدوات التكنولوجيا لتطويرها».
يعرف أن الحرف التراثية تحولت إلى تذكارات سياحية، وهو أمر يرحب به ولكنه يتطلع لما هو أكثر: «حاولتُ من ناحيتي التغيير قليلاً، وأن أجعل الحرفة تواكب العصر الآن». الجدير بالذكر أن عنقاوي استخدم «المنجور» في تصاميم عصرية لمنتجات يمكن استخدامها عملياً، مثل الطاولات والإطارات الفنية والمقاعد وغيرها وعرض بعض تصميماته في معارض التصميم في المملكة وخارجها.
- من نوافذ مكة لقاعات المتحف البريطاني
سنحت الفرصة له لإعادة تصميم سواتر خشبية (رواشين)، مثل التي تُعلق بها في المباني القديمة في مكة وجدة، وذلك عندما اتصلت به فينيشيا بورتر رئيسة قسم فنون الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني تطلب منه تصميم سواتر خشبية مزخرفة لنوافذ جناح الفن الإسلامي الجديد بالمتحف، يضيف عنقاوي أن بورتر شرحت له أن المسؤولين بالمتحف يريدون توظيف الإضاءة الطبيعية في صالات العرض.
رأى الفنان الشاب في تلك المهمة فرصة لـ«عرض تلك الحرفة التي بدأت من مكة المكرمة» في قاعات المتحف البريطاني. وتعامل الفنان مع المهمة على أنها فرصة أيضاً لإضافة حرفة «حية» للمتحف لتضيف للحرف الأخرى التي تتجلى في المعروضات من جميع أنحاء العالم الإسلامي، ويضيف: «أردت أن أدخل حرفة (المنجور) الموجودة عندنا، التي أعمل على إحيائها وعودتها لتأخذ مكانها في المتحف البريطاني إلى جانب معروضات تمثل حرفاً مماثلة معظمها اندثر. بدأت العمل على نوافذ القاعات وأحسست أن المسؤولية كبيرة لأن أبيِّن للزوار الحرفة الأصيلة، وفي الوقت نفسه أبرهن على أننا نستطيع الابتكار والتجديد فيها، فكان أكثر من تحدٍّ».
- تصميم يحمل من المعاني أكثر مما تراه العين
استخدم عنقاوي في تصميمه لسواتر نوافذ المتحف البريطاني نوعاً من الأخشاب المستخدمة في أوروبا، وهو خشب الجوز، وقام بعمل دراسات على تحليل نسب الضوء التي ستتسلل من فتحات الخشب، وأشار إلى أن تصميماته لم تركز فقط على الشكل الجميل للنوافذ ولكن أيضاً على الوظيفة والمعنى الذي يمكن أن تتضمنه تلك التكوينات الخشبية: «هي خمس نوافذ وفكرت أن يكون هناك خط يربط بينها، فكرت في تراث الفنون الإسلامية التي تدمج بين مفاهيم الجسم والعقل والروح. وكان توزيع النوافذ في القاعات موحياً، فعملت على أن أعكس الحوار بين القلب والعقل كما في قوله تعالى: (قلوب يعقلون بها) في نافذتين متقابلتين، وأحببت أن يكون هناك حوار فني بين النافذتين، فالجالس على المقعد الخشبي أسفل النافذة التي تعبر عن القلب يمكنه النظر للنافذة المقابلة، التي تمثل العقل، وبالعكس. وعلى المنوال ذاته، اخترت أن تكون النافذتان المتجاورتان بمثابة الرئتين، وهم أكثر النوافذ في المكان إدخالاً للضوء، ورأيتُ في بعض الرسومات التاريخية لـ(الرواشين) رسمة اسمها (نفس المؤمن)، وهي عبارة عن الشكل الثماني الأضلاع. يُمكن تغيير أحد أضلاعه ليصبح معاكساً، مثل الشهيق والزفير».
بالنسبة له فالتصميم يحمل من المعاني أكثر مما تراه العين «حرصتُ على الرمزية في التصميم، فعلى سبيل المثال ضمَّنت التصميم رمزاً مهدى لوالدي. بالنسبة للنافذة التي تمثل القلب هي متشابهة مع النافذة التي ترمز للعقل، ولكنني أضفت إطاراً حول التصميم في نافذة العقل، وذلك في إشارة إلى أن العقل يتحكم في المشاعر ويعقلها بإطار». وبما أن الستائر الخشبية وتنويعاتها على العمارة المكية مقامة في موقع غربي، فكان من اللازم أن يضع الفنان في اعتباره الاندماج بين كل العناصر ويقول: «تصميم النوافذ إنجليزي فيكتوري (ساش ويندو)، وحرصتُ على أن أحترم الثقافة المحلية مثلما فعلت الحضارة الإسلامية التي احترمت الثقافة المحلية لكل مكان دخلته وبَنَت عليها».
- حلم التوثيق في لائحة «اليونيسكو»
بجهد منفرد يعمل عنقاوي؛ يقيم ورش العمل في جدة القديمة، ولكنه يقول إن هناك القليل ممن يعرف عن «المنجور» وتفاصيل الحرفة والمصطلحات الخاصة بها: «للأسف، لم أجد مَن يعمل في هذه الحرفة تحديداً»، ويحاول من جانبه تطبيق الأسلوب العلمي وما تعلمه في مدرسة الأمير للحرف التراثية بلندن لعمل أشكال وتصميمات جديدة مبنية على الأشكال الأصلية لـ«المنجور»، ويقول مشبهاً فنَّ التعامل مع الخشب باللغة: «أحسستُ بأنني يمكنني أن أُبدِع، فلديَّ اللغة، وأستطيع تشكيل كلمات مختلفة باستخدام الأحرف ذاتها».
من ناحية أخرى، يعمل عنقاوي على توثيق كل ما يوجَد عن «المنجور»، ويقول إن ذخيرته من الأبحاث يمكن أن تكون «مرجعاً للطلاب والباحثين»، وإن طموحه يتجاوز ذلك، ويتمنى أن يكون ذلك البحث نواة لملف تسجيل «المنجور» في قائمة «اليونيسكو» للتراث المعنوي.
عن عملية البحث والتوثيق يقول: «بدأتُ أقرأ ووجدتُ بعض الكتب عن الحرف التي كانت موجودة في مكة وجدة، وجدت معلومات عن أول نقابة للحرفيين، وكان هناك احترام للحرفة وكان هناك شيخ للحرفة، قررتُ أن أكون أنا ذلك الحرفي، في داخلي يوجد حرفي، وبدأت أشتغل بنفسي، أريد أن أكون صانعاً وأمتهن (الصنعة) لأصل لمستوى ومهارة الحرفي».
يحلم عنقاوي بالكثير ولديه خطط كثيرة للمستقبل، ولكن تبقى حرفة «المنجور» هي الأساس: «أريد العودة وتكوين ورشة صغيرة في جدة التاريخية، وأن أدرس هذه الحرفة»، ربما لن تكون تلك الورشة هي الأولى لعنقاوي؛ فقد أقام ورشة لـ«المنجور» ولكن في حي هاكني بلندن حيث قام بتنفيذ نوافذ جناح الفن الإسلامي، يشير إلى أن عمله في تلك الورشة جذب اهتمام المارة، ويعرض لي مقطع فيديو له وهو يمسك بالإزميل ويقوم بالنقر والحفر على خلفية تسجيل صوتي للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وأرى حلمه قريباً جداً من التحقق في حارة بجدة التاريخية حيث ينتمي «المنجور» و«الروشان».



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».