مهرجان مراكش في يومه السادس... دموع المخرج المغربي فرحاتي «تهز الوزراء»

المخرج المصري يسري نصر الله استعرض تجربته

TT

مهرجان مراكش في يومه السادس... دموع المخرج المغربي فرحاتي «تهز الوزراء»

كانت دموع المخرج المغربي جيلالي فرحاتي، في أمسية تكريمه، أبرز ما ميز فعاليات اليوم السادس من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ17. كانت لحظة مؤثرة بكل المقاييس، تلك التي وقف خلالها الرجل والدموع تملأ عينيه، يعاين جمهوراً كبيراً، مشكّلاً من جنسيات مختلفة بقاعة «الوزراء»، يقف مصفقاً له.
ضمن فقرة «حديث مع...»، كان الموعد مع المخرج المصري يسري نصر الله، الذي استعرض تجربته وقناعاته واختياراته الفنية.
على مستوى العروض السينمائية، شهدت المسابقة الرسمية عرض الفيلم المغربي «طفح الكيل» لمخرجه محسن بصري، والفيلم الصيني «أيام الاختفاء» لمخرجه جو شين.
في باقي الأفلام المبرمجة، كان الموعد مع «صوفيا» و«الأميرة العروسة» و«رونو 12» و«ما أجملها» و«ذيل بلا نهاية» و«سمكة الطباق» و«الرجل النملة والمرأة الدبور» و«رفيقي» و«هذا هو الحب» و«المتنصت» و«لايونهارت» و«في عينيا» و«إيرينا» و«سرينكا» و«رحلة الصعود إلى المرئي».
على مستوى البساط الأحمر للتظاهرة، يمكن القول إن الحضور المتألق والنوعي، لعدد من المشاركين والمدعوين، كان في الموعد لمقاسمة المخرج المغربي لحظة فرح في أمسية مغربية ستبقى خالدة في ذاكرة جيلالي فرحاتي.

- رجل محترم
يُعد فرحاتي من مؤسسي السينما المغربية المعاصرة وأحد أعمدتها الأكثر حضوراً، هو ممثل ومخرج وكاتب سيناريو من طينة خاصة، تميز بعطائه ومسيرته الحافلة التي تجاوزت الـ30 سنة، نال خلالها جوائز على المستويين الوطني والدولي في أرقى المهرجانات وأعرقها.
يحظى فرحاتي بتقدير كبير بين السينمائيين المغاربة. يقولون إنه «رجل محترم، معني بالمجتمع المغربي». لذلك وقفت قاعة «الوزراء» في قصر المؤتمرات تقديراً واعترافاً بمسيرة هذا الفنان الذي عرف كيف يصل إلى قلوب عشاق الفن السابع.
في أمسية التكريم، لم يتمالك فرحاتي نفسه فغرق في دموع التأثر، وهو يُواجَه بعاصفة من التصفيق من طرف حضور متنوع، من جنسيات وثقافات متعددة، تقديراً لمكانته واعترافاً بمسيرته وإسهاماته.
ونجح الناقد السينمائي المغربي حمادي كيروم، على نحو رائع، في تلخيص مدى التقدير الذي يحظى به فرحاتي، والقيمة الفنية والاختيارات الموفقة على مستوى التوجهات والمضامين وكذا الرسالة الفنية التي يحملها، حين قال، مخاطباً المحتفى به لحظة تقديمه: «جيلالي فرحاتي أيقونة السينما المغربية. الإنسان والمبدع الذي خلق للسينما المغربية عرائسها وضفائرها وخيولها... أنت الذي تنحت إيقاع أفلامك بدقات قلبك وبنفَسك؛ كيف جعلت من السينما وعداً بالسعادة؟ كيف رأيت بعيون زرقاء اليمامة أن الغابة تتحرك، وأن هناك «جرحة في الحائط» أيها العراف؟ كيف احتفلت بلوننا الزنجي، وأعطيت للأصابع لون الطباشير؟».
من جهته، عبر فرحاتي عن سعادته الغامرة بتكريمه في مهرجان مراكش، واصفاً الحدث بـ«الاعتراف الجميل»، قبل أن يقول: «من المطمئن أن نعرف أننا حاضرون في ذاكرة الآخرين، حاضرون عند الغياب، وأننا حتى إذا لم تُذكر أسماؤنا، سيكون هناك فيلم يذكرنا ويتحدث عنا».

- أفلام وجوائز
وُلِد فرحاتي في 1948 بمنطقة آيت واحي قرب الخميسات، بوسط المغرب، ونشأ في طنجة التي احتضنته وشكلت شخصيته. بدأ في المسرح قبل أن ينتقل إلى السينما التي شغفته بحبها. درس الأدب وعلم الاجتماع في فرنسا، فأصابه الولع بأبي الفنون قبل أن ينتقل إلى السينما ويُخرِج فيلمه الطويل الأول «جرحة في الحائط» في 1977، الذي لفت الانتباه إليه في أسبوع النقاد بمهرجان (كان) في فرنسا، الذي سيعود إليه في 1982، لكن هذه المرة ضمن فئة «أسبوعي المخرجين» من خلال فيلمه «عرائس من قصب»، الذي سيفوز بجائزة الإخراج وجائزة أفضل دور نسائي لسعاد فرحاتي، ضمن المهرجان الوطني للفيلم، والجائزة الكبرى ضمن مهرجان الفيلم المتوسطي بفالنسيا.
في 1991، سيشارك بفيلمه الطويل «شاطئ الأطفال الضائعين» في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، كما فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم، من ثم الجائزة الكبرى وجائزة أفضل ممثلة لسعاد فرحاتي في بينالي السينما العربية بباريس سنة 1992، والجائزة الكبرى في مهرجان السينما الأفريقية بميلانو، والجائزة الخاصة في لجنة التحكيم، وجائزة أفضل مساهمة فنية في مهرجان نامور، وجائزة أفضل ممثلة لسعاد فرحاتي في مهرجان قرطاج، والبرونز في مهرجان دمشق سنة 1993.
ظل فرحاتي وفياً للمواضيع الاجتماعية، القريبة من المعيش اليومي للإنسان، ليضرب موعداً جديداً مع الجوائز بفيلمه «خيول الحظ» سنة 1995، حيث فاز بالجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني للفيلم، مع تنويه خاص من لجنة تحكيم مهرجان قرطاج 1996، والجائزة الكبرى بمهرجان السينما الأفريقية بميلانو في 1997.
وفي سنة 2000، سينجز فرحاتي فيلم «ضفائر» الذي حصل على الجائزة الثالثة في المهرجان الدولي للرباط، وجائزة أفضل ممثلة لسليمة بنمومن في مهرجان قرطاج، والجائزة الخاصة بلجنة التحكيم في مهرجان تطوان للسينما المتوسطية 2001.
وسيكون فرحاتي واحداً ممن أسسوا لموجة أفلام جعلت من التاريخ المعاصر والذاكرة موضوعاً مركزياً لها من خلال فيلم «ذاكرة معتقلة»، في 2004، الذي حاز جائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة الدولي، والجائزة الكبرى بمهرجان روتردام للسينما العربية، وجائزة الإخراج في الدورة الأولى من مهرجان السينما المغاربية بوجدة، والجائزة الكبرى في مهرجان السينما المتوسطية بتطوان، وجائزة خاصة من لجنة تحكيم المهرجان الدولي بالرباط، وتنويه خاص من لجنة تحكيم الشباب في مهرجان مونبلييه بفرنسا، والجائزة الخاصة بلجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، والجائزة الكبرى وجائزة أفضل ممثل بمهرجان بانافريكانا في روما، وجائزة الجمهور بالمهرجان الأفريقي في طريفة الإسبانية.
وفي 2010، سيفوز فيلمه الطويل «عند الفجر» بجائزة السيناريو في مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما نال فيلمه الطويل «سرير الأسرار» في 2013، جائزتي أفضل سيناريو وأفضل صورة في المهرجان الوطني للفيلم.
وإلى جانب تمكنه من أدواته الإخراجية، فإن فرحاتي ممثل موهوب، حيث يعكس بوجهه الهادئ أحاسيس داخلية للشخوص التي يؤدي بإتقان، حيث اشتغل مع ريكاردو فرانكو سنة 1991 في فيلم «حلم طنجة»، ومع ماركوس فيشر، سنة 1992، في فيلم «ساخن - بارد»، ومع المخرج المغربي لطيف لحلو في فيلم «الدار الكبيرة» سنة 2010، إلى جانب ظهوره في أفلامه «جرحة في الحائط» و«عرائس من قصب» و«ذاكرة معتقلة» و«عند الفجر».
وفي فيلم «التمرد الأخير» (2018)، بطولة حكيم النوري وكنزة صالح الدين وفلورانس رامان رايس وفريد الركراكي ويونس بنشاقور وأحمد بلخضير، سيعود فرحاتي إلى تيمة التوثيق لأحداث معاصرة، التي شكلت تميزه السينمائي، حيث حافظ كعادته، على شاعريته في تعامله مع القضايا القوية لمجتمعه.

- سباق أفلام
في فيلم «طفح الكيل»، من بطولة رشيد مصطفى، وفاطمة الزهراء بناصر، ويوسف علوي وسعيد باي وغالية بن زاوية، قصة إدريس الصياد، الذي يرافق زوجته زهرة إلى الدار البيضاء لإخضاع ابنهما لعناية طبية مستعجلة. يفشل علي، الذي دخل في حالة اكتئاب، في الانتحار، فينقل إلى المستشفى ذاته الذي يرقد فيه ابنه، ليصير مصيرهما بين يدي طارق، الطبيب الذي فضَّل أن يعمل في بلاده على الهجرة إلى كندا.
في هذا الفيلم الذي شد إليه الجمهور الحاضر، يستعير مخرجه محسن بصري عالم المستشفى بوصفه صورة مصغرة للمجتمع المغربي، ليطرح، بإنسانية وذكاء، مسألة المسؤولية الفردية والجماعية داخل البلد. أما في «أيام الاختفاء»، من بطولة جيانغ لي وهوانغ دجينغ وتشن يان ولي شياو شينغ ولو جيا - هو، فينسج المخرج الصيني جو - شين ذكريات مشوشة ليخلق عالماً شاعرياً، حسياً وسحرياً يشبه حلم يقظة.
يسري نصر الله
بعد كريستيان مونجيو، الحائز على السعفة الذهبية بـ«كان» عام 2007، والفرنسي تييري فريمو المندوب العام لمهرجان «كان» ومدير معهد «لوميير» في مدينة «ليون»، والممثل المتميز روبير دي نيرو، والمخرج والروائي والمنتج المكسيكي غييرمو ديل تورو، والمخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيزي، والمخرجة والفنانة الفرنسية المتميزة آنييس فاردا، كان موعد جمهور قاعة «السفراء»، ضمن فقرة «حيث مع...»، مع المخرج المصري يسري نصر الله المعروف بالتزامه وتوجهاته، التي جعلت منه واحداً من الوجوه الأكثر تأثيراً في سينما المؤلف بمصر، فيما يراه كثيرون وريثاً ليوسف شاهين، الذي كان مساعداً له في عدد من أفلامه، كما شاركه كتابة السيناريو في شريطين.
وتتناول أشرطة يسري نصر الله الأصولية الدينية في الإسلام، واليسار، والمنفى. وقد عرض فيلمه «بعد الموقعة»، الذي أنجزه بعد الثورة في مهرجان «كان». وهو فيلم يتناول «الربيع العربي»، وما شابه من إحباط وخيبة أمل. لذلك، لم يتردد نصر الله في استثمار الأحداث الأكثر حرارة في فيلمه، إذ جمع بين الصور الحية من ميدان التحرير، أي الواقع التاريخي، مع مشاهد من وحي الخيال.
ومن بين أفلام يسري نصر الله، الذي يُعرف عنه أنه يقدم في أفلامه رؤية خاصة جداً يحاول من خلالها الاقتراب من المجتمع المصري والتكوينات النفسية لمواطنيه، نجد «سرقات صيفية» (1990) و«مرسيدس» (1993) و«صبيان وبنات» (1995)، وهو وثائقي، و«المدينة» (1999) و«باب الشمس» (2004) و«جنينة الأسماك» (2008) و«احكي يا شهرزاد» (2009) و«ثمانية عشر يوماً» (2011) و«بعد الموقعة» (2012) و«الماء والخضرة والوجه الحسن» (2016)، الذي برمج له ضمن فقرة أفلام ساحة جامع الفنا بمهرجان مراكش.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».