كانت دموع المخرج المغربي جيلالي فرحاتي، في أمسية تكريمه، أبرز ما ميز فعاليات اليوم السادس من فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ17. كانت لحظة مؤثرة بكل المقاييس، تلك التي وقف خلالها الرجل والدموع تملأ عينيه، يعاين جمهوراً كبيراً، مشكّلاً من جنسيات مختلفة بقاعة «الوزراء»، يقف مصفقاً له.
ضمن فقرة «حديث مع...»، كان الموعد مع المخرج المصري يسري نصر الله، الذي استعرض تجربته وقناعاته واختياراته الفنية.
على مستوى العروض السينمائية، شهدت المسابقة الرسمية عرض الفيلم المغربي «طفح الكيل» لمخرجه محسن بصري، والفيلم الصيني «أيام الاختفاء» لمخرجه جو شين.
في باقي الأفلام المبرمجة، كان الموعد مع «صوفيا» و«الأميرة العروسة» و«رونو 12» و«ما أجملها» و«ذيل بلا نهاية» و«سمكة الطباق» و«الرجل النملة والمرأة الدبور» و«رفيقي» و«هذا هو الحب» و«المتنصت» و«لايونهارت» و«في عينيا» و«إيرينا» و«سرينكا» و«رحلة الصعود إلى المرئي».
على مستوى البساط الأحمر للتظاهرة، يمكن القول إن الحضور المتألق والنوعي، لعدد من المشاركين والمدعوين، كان في الموعد لمقاسمة المخرج المغربي لحظة فرح في أمسية مغربية ستبقى خالدة في ذاكرة جيلالي فرحاتي.
- رجل محترم
يُعد فرحاتي من مؤسسي السينما المغربية المعاصرة وأحد أعمدتها الأكثر حضوراً، هو ممثل ومخرج وكاتب سيناريو من طينة خاصة، تميز بعطائه ومسيرته الحافلة التي تجاوزت الـ30 سنة، نال خلالها جوائز على المستويين الوطني والدولي في أرقى المهرجانات وأعرقها.
يحظى فرحاتي بتقدير كبير بين السينمائيين المغاربة. يقولون إنه «رجل محترم، معني بالمجتمع المغربي». لذلك وقفت قاعة «الوزراء» في قصر المؤتمرات تقديراً واعترافاً بمسيرة هذا الفنان الذي عرف كيف يصل إلى قلوب عشاق الفن السابع.
في أمسية التكريم، لم يتمالك فرحاتي نفسه فغرق في دموع التأثر، وهو يُواجَه بعاصفة من التصفيق من طرف حضور متنوع، من جنسيات وثقافات متعددة، تقديراً لمكانته واعترافاً بمسيرته وإسهاماته.
ونجح الناقد السينمائي المغربي حمادي كيروم، على نحو رائع، في تلخيص مدى التقدير الذي يحظى به فرحاتي، والقيمة الفنية والاختيارات الموفقة على مستوى التوجهات والمضامين وكذا الرسالة الفنية التي يحملها، حين قال، مخاطباً المحتفى به لحظة تقديمه: «جيلالي فرحاتي أيقونة السينما المغربية. الإنسان والمبدع الذي خلق للسينما المغربية عرائسها وضفائرها وخيولها... أنت الذي تنحت إيقاع أفلامك بدقات قلبك وبنفَسك؛ كيف جعلت من السينما وعداً بالسعادة؟ كيف رأيت بعيون زرقاء اليمامة أن الغابة تتحرك، وأن هناك «جرحة في الحائط» أيها العراف؟ كيف احتفلت بلوننا الزنجي، وأعطيت للأصابع لون الطباشير؟».
من جهته، عبر فرحاتي عن سعادته الغامرة بتكريمه في مهرجان مراكش، واصفاً الحدث بـ«الاعتراف الجميل»، قبل أن يقول: «من المطمئن أن نعرف أننا حاضرون في ذاكرة الآخرين، حاضرون عند الغياب، وأننا حتى إذا لم تُذكر أسماؤنا، سيكون هناك فيلم يذكرنا ويتحدث عنا».
- أفلام وجوائز
وُلِد فرحاتي في 1948 بمنطقة آيت واحي قرب الخميسات، بوسط المغرب، ونشأ في طنجة التي احتضنته وشكلت شخصيته. بدأ في المسرح قبل أن ينتقل إلى السينما التي شغفته بحبها. درس الأدب وعلم الاجتماع في فرنسا، فأصابه الولع بأبي الفنون قبل أن ينتقل إلى السينما ويُخرِج فيلمه الطويل الأول «جرحة في الحائط» في 1977، الذي لفت الانتباه إليه في أسبوع النقاد بمهرجان (كان) في فرنسا، الذي سيعود إليه في 1982، لكن هذه المرة ضمن فئة «أسبوعي المخرجين» من خلال فيلمه «عرائس من قصب»، الذي سيفوز بجائزة الإخراج وجائزة أفضل دور نسائي لسعاد فرحاتي، ضمن المهرجان الوطني للفيلم، والجائزة الكبرى ضمن مهرجان الفيلم المتوسطي بفالنسيا.
في 1991، سيشارك بفيلمه الطويل «شاطئ الأطفال الضائعين» في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، كما فاز بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم، من ثم الجائزة الكبرى وجائزة أفضل ممثلة لسعاد فرحاتي في بينالي السينما العربية بباريس سنة 1992، والجائزة الكبرى في مهرجان السينما الأفريقية بميلانو، والجائزة الخاصة في لجنة التحكيم، وجائزة أفضل مساهمة فنية في مهرجان نامور، وجائزة أفضل ممثلة لسعاد فرحاتي في مهرجان قرطاج، والبرونز في مهرجان دمشق سنة 1993.
ظل فرحاتي وفياً للمواضيع الاجتماعية، القريبة من المعيش اليومي للإنسان، ليضرب موعداً جديداً مع الجوائز بفيلمه «خيول الحظ» سنة 1995، حيث فاز بالجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني للفيلم، مع تنويه خاص من لجنة تحكيم مهرجان قرطاج 1996، والجائزة الكبرى بمهرجان السينما الأفريقية بميلانو في 1997.
وفي سنة 2000، سينجز فرحاتي فيلم «ضفائر» الذي حصل على الجائزة الثالثة في المهرجان الدولي للرباط، وجائزة أفضل ممثلة لسليمة بنمومن في مهرجان قرطاج، والجائزة الخاصة بلجنة التحكيم في مهرجان تطوان للسينما المتوسطية 2001.
وسيكون فرحاتي واحداً ممن أسسوا لموجة أفلام جعلت من التاريخ المعاصر والذاكرة موضوعاً مركزياً لها من خلال فيلم «ذاكرة معتقلة»، في 2004، الذي حاز جائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة الدولي، والجائزة الكبرى بمهرجان روتردام للسينما العربية، وجائزة الإخراج في الدورة الأولى من مهرجان السينما المغاربية بوجدة، والجائزة الكبرى في مهرجان السينما المتوسطية بتطوان، وجائزة خاصة من لجنة تحكيم المهرجان الدولي بالرباط، وتنويه خاص من لجنة تحكيم الشباب في مهرجان مونبلييه بفرنسا، والجائزة الخاصة بلجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، والجائزة الكبرى وجائزة أفضل ممثل بمهرجان بانافريكانا في روما، وجائزة الجمهور بالمهرجان الأفريقي في طريفة الإسبانية.
وفي 2010، سيفوز فيلمه الطويل «عند الفجر» بجائزة السيناريو في مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما نال فيلمه الطويل «سرير الأسرار» في 2013، جائزتي أفضل سيناريو وأفضل صورة في المهرجان الوطني للفيلم.
وإلى جانب تمكنه من أدواته الإخراجية، فإن فرحاتي ممثل موهوب، حيث يعكس بوجهه الهادئ أحاسيس داخلية للشخوص التي يؤدي بإتقان، حيث اشتغل مع ريكاردو فرانكو سنة 1991 في فيلم «حلم طنجة»، ومع ماركوس فيشر، سنة 1992، في فيلم «ساخن - بارد»، ومع المخرج المغربي لطيف لحلو في فيلم «الدار الكبيرة» سنة 2010، إلى جانب ظهوره في أفلامه «جرحة في الحائط» و«عرائس من قصب» و«ذاكرة معتقلة» و«عند الفجر».
وفي فيلم «التمرد الأخير» (2018)، بطولة حكيم النوري وكنزة صالح الدين وفلورانس رامان رايس وفريد الركراكي ويونس بنشاقور وأحمد بلخضير، سيعود فرحاتي إلى تيمة التوثيق لأحداث معاصرة، التي شكلت تميزه السينمائي، حيث حافظ كعادته، على شاعريته في تعامله مع القضايا القوية لمجتمعه.
- سباق أفلام
في فيلم «طفح الكيل»، من بطولة رشيد مصطفى، وفاطمة الزهراء بناصر، ويوسف علوي وسعيد باي وغالية بن زاوية، قصة إدريس الصياد، الذي يرافق زوجته زهرة إلى الدار البيضاء لإخضاع ابنهما لعناية طبية مستعجلة. يفشل علي، الذي دخل في حالة اكتئاب، في الانتحار، فينقل إلى المستشفى ذاته الذي يرقد فيه ابنه، ليصير مصيرهما بين يدي طارق، الطبيب الذي فضَّل أن يعمل في بلاده على الهجرة إلى كندا.
في هذا الفيلم الذي شد إليه الجمهور الحاضر، يستعير مخرجه محسن بصري عالم المستشفى بوصفه صورة مصغرة للمجتمع المغربي، ليطرح، بإنسانية وذكاء، مسألة المسؤولية الفردية والجماعية داخل البلد. أما في «أيام الاختفاء»، من بطولة جيانغ لي وهوانغ دجينغ وتشن يان ولي شياو شينغ ولو جيا - هو، فينسج المخرج الصيني جو - شين ذكريات مشوشة ليخلق عالماً شاعرياً، حسياً وسحرياً يشبه حلم يقظة.
يسري نصر الله
بعد كريستيان مونجيو، الحائز على السعفة الذهبية بـ«كان» عام 2007، والفرنسي تييري فريمو المندوب العام لمهرجان «كان» ومدير معهد «لوميير» في مدينة «ليون»، والممثل المتميز روبير دي نيرو، والمخرج والروائي والمنتج المكسيكي غييرمو ديل تورو، والمخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيزي، والمخرجة والفنانة الفرنسية المتميزة آنييس فاردا، كان موعد جمهور قاعة «السفراء»، ضمن فقرة «حيث مع...»، مع المخرج المصري يسري نصر الله المعروف بالتزامه وتوجهاته، التي جعلت منه واحداً من الوجوه الأكثر تأثيراً في سينما المؤلف بمصر، فيما يراه كثيرون وريثاً ليوسف شاهين، الذي كان مساعداً له في عدد من أفلامه، كما شاركه كتابة السيناريو في شريطين.
وتتناول أشرطة يسري نصر الله الأصولية الدينية في الإسلام، واليسار، والمنفى. وقد عرض فيلمه «بعد الموقعة»، الذي أنجزه بعد الثورة في مهرجان «كان». وهو فيلم يتناول «الربيع العربي»، وما شابه من إحباط وخيبة أمل. لذلك، لم يتردد نصر الله في استثمار الأحداث الأكثر حرارة في فيلمه، إذ جمع بين الصور الحية من ميدان التحرير، أي الواقع التاريخي، مع مشاهد من وحي الخيال.
ومن بين أفلام يسري نصر الله، الذي يُعرف عنه أنه يقدم في أفلامه رؤية خاصة جداً يحاول من خلالها الاقتراب من المجتمع المصري والتكوينات النفسية لمواطنيه، نجد «سرقات صيفية» (1990) و«مرسيدس» (1993) و«صبيان وبنات» (1995)، وهو وثائقي، و«المدينة» (1999) و«باب الشمس» (2004) و«جنينة الأسماك» (2008) و«احكي يا شهرزاد» (2009) و«ثمانية عشر يوماً» (2011) و«بعد الموقعة» (2012) و«الماء والخضرة والوجه الحسن» (2016)، الذي برمج له ضمن فقرة أفلام ساحة جامع الفنا بمهرجان مراكش.