«ماسيف أتّاك» تغني دعما لغزة والفلسطينيين في {بيبلوس}

الفرقة تزور مخيم برج البراجنة وتخصص جزءا من ريع الحفل لخدمات الإسعاف في القطاع

الزحف كان كبيرا وكاسحا من قبل الشباب اللبناني
الزحف كان كبيرا وكاسحا من قبل الشباب اللبناني
TT

«ماسيف أتّاك» تغني دعما لغزة والفلسطينيين في {بيبلوس}

الزحف كان كبيرا وكاسحا من قبل الشباب اللبناني
الزحف كان كبيرا وكاسحا من قبل الشباب اللبناني

لم يكن حفل الفرقة البريطانية الشهيرة «ماسيف أتاك» في «مهرجانات بيبلوس الدولية» عاديا يوم أول من أمس. فالزحف كان كبيرا وكاسحا من قبل الشباب اللبناني، كما أن الحفل جاء بعد أن زارت الفرقة «مخيم برج البراجنة» للاجئين الفلسطينيين في لبنان. إذ يخصص جزء من ريع حفلة «ماسيف أتاك» لدعم نشاطات «مركز النقب» ولدعم مكتبة عامة جديدة أنشأها متطوعون في مخيم البداوي لخدمة المخيم ككل، بالإضافة إلى توفير الدعم لخدمة الإسعاف وللمسعفين في غزة. وخلال زيارة المخيم، عبر عضو الفرقة روبرت ديل نايا، عن الدعم والتضامن تجاه الفلسطينيين، كما كشف عن أنهم يتعاونون مع مؤسسة «الأمل» الفلسطينية في لبنان منذ عام 2005.
وإن كان الحفل بدا عاديا في البداية، والشبان ملأوا الأماكن جلوسا ووقوفا واستعدوا لسهرة راقصة وممتعة، وهو ما تحقق لهم، إلا أن الفرقة - كما عادتها - أبت إلا أن تمرر رسائلها، من «حق الوصول إلى المعلومات» إلى «الحرية» ومن ثم «دور غوغل في نشر الأخبار» و«سلوك الشباب اللبناني»، و«اضطهاد المسيحيين في الموصل»، وفي النهاية «فلسطين» وما يحدث في «غزة»، وأوضاع «اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»، و«استهتار الإدارة الأميركية» رسائل كثيرة أرادت الفرقة إيصالها إلى جمهورها، لكن بعيدا عن الشعارات والمواقف التي تثير الخلافات.
واحد من أذكى الأساليب التي يمكن أن تتبعها لتوصل رسالتك هو ذلك الذي تستخدمه «ماسيف أتاك». موسيقى صاخبة من تلك التي تنعش قلوب الشباب، أغنيات من الألبومات الخمسة الصادرة للفرقة، وخلفية المسرح شاشة عملاقة تتوالى عليها «معلومات» وأرقام تظهر بسرعة هائلة وتختفي. هنا، يصبح المتابع مضطرا للتركيز حين تظهر المعلومة مرة أخرى بشكل سريع أيضا، كي يلتقط ما لا يريد أن يفلت منه.
وإذا كانت الفرقة، المعروفة بتأكيدها القضية الفلسطينية، كانت قد نوت زيارة المخيمات منذ قرارها الحضور إلى لبنان للمرة الثانية، حيث إنها كانت قد أحيت حفلا ضخما في مهرجانات بعلبك منذ عشر سنوات، فإن موضوع غزة المستجد، شغل حيزا من المعلومات التي توالت على الشاشة.
ولا يصح القول إن «ماسيف أتاك» جاءت «تبيع الماء في حارة السقاين» لأن عددا لا يستهان به من جمهور هذه الحفلات الصاخبة ليس مسيسا على قدر كبير، وربما لا يتابع بشكل حثيث ما يحدث في غزة.
وتحولت خلفية المسرح إلى شاشة ضخمة توالت عليها في نهاية الحفل وعلى وقع موسيقى قوية جدا وسريعة: «غزة محتلة وتحت الحصار منذ عام 1948». وإحدى العبارات التي ملأت الخلفية بحجم ضخم كان «عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان 448.599»، وهو ربما الرقم الذي لا يشغل غالبية الحاضرين. كما أنه كان لافتا الاهتمام الذي أبدته الفرقة لتهجير المسيحيين من الموصل، واحتل حرف «ن» الذي كتبه تنظيم داعش على البيوت المسيحية في المدينة لتمييزها عن غيرها الشاشة وحده، بعد أن أصبح رمزا للاحتجاج على ما يمارسه التنظيم من «تطهير عنصري».
العبارات التي كانت تمر سريعا وصفها بعضهم بأنها جاءت كـ«المطرقة» التي لا تتوقف، والتي كانت تدفع الشبان للتفاعل معها والصراخ لمواكبة المعلومات المتلاحقة. ويقول باتريك أحد الشبان الحاضرين للحفل: «لأن العبارات تمر سريعا جدا وبشكل متوال، ومع موسيقى مؤثرة، فإن الإنسان لا يمكن أن يخرج من هذا الحفل كما دخل. ثمة شيء يحدث بعد وقت. المؤثرات التكنولوجية العالية، وطريقة استخدامها، تجعل الإنسان تحت تأثيرها بشكل كبير». ويتابع باتريك: «تأثرت أيضا لأن الفرقة بحثت بالتأكيد عن معلومات حول الشباب اللبناني، وقدمت هذه المعلومات لنا على طريقتها، هذا يعني أن الحفل هنا مختلف عنه في أي مكان آخر، وأنهم يراعون لكل بلد خصوصيته».
وكانت الفرقة قبل وصولها إلى لبنان قد أحيت حفلا في دبلن بآيرلندا نهاية الأسبوع الماضي، مستعينة بالأسلوب ذاته لتعلن تضامنها مع أهل فلسطين، وغزة. وفي لبنان أيضا، تمكن الحاضرون من قراءة عدد القتلى الكبير في غزة خلال أيام من القصف، مقابل ضآلة عدد الضحايا في إسرائيل.
بالصور، وبالرسم والكتابات، من خلال بعض الرموز أو حتى النكات، بصحبة موسيقاهم المحببة استطاعت فرقة «ماسيف أتاك» أن تقدم حفلا ليس كغيره، وأن توصل رسائلها الكثيرة، بعد أن أعطت لكل منها وقتا يقل عن ومضة عين أحيانا إلى أناس مختلفين في الآراء، دون أن تثير أي حساسية فالأولوية للمعلومة، وللجمهور أن يتفاعل معها كما يريد. أحد المتحمسين جدا للقضية الفلسطينية يقول: «كل ما توالى على الشاشة أعرفه. سعدت بما رأيت. أفرحني أن تجوب هذه الفرقة الإنجليزية العالم فاضحة إسرائيل، لكنني في الوقت نفسه أخرج متعبا، وأود أن أذهب إلى أحد المقاهي في جبيل لأتنفس هواء نقيا».
يقاطع أعضاء الفرقة الأنشطة الفنية في إسرائيل منذ عام 2010 ويعتقدون أن الفن يمكنه أن يغير كثيرا، وأن يكون مؤثرا في النفوس، وهم لا يتوانون عن استخدام موسيقاهم، لبث رسائلهم أينما غنوا.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».