مقهى فرنسي في سان فرانسيسكو يعلم الأميركيين فنون الكسل

التمتع بالطعام والشراب والتدليك ونسيان عقارب الساعة

مقهى فرنسي في سان فرانسيسكو يعلم الأميركيين فنون الكسل
TT

مقهى فرنسي في سان فرانسيسكو يعلم الأميركيين فنون الكسل

مقهى فرنسي في سان فرانسيسكو يعلم الأميركيين فنون الكسل

ليس هناك من هو أجدر من الفرنسيين في تعليم لذائذ العيش. وبفضل هذه السمعة يزداد الإقبال على مقهى تديره فرنسيتان في مدينة سان فرانسيسكو، غرب الولايات المتحدة، يتصدى لمهمة الترويج لفكرة أن الكسل، أو الاسترخاء بعيدا عن المواعيد والمفكرات، ضروري مثل النشاط في حياة الإنسان. ومن الصور التي اختارتها صاحبتا المقهى للدعاية له، صورة قطة تغفو في أرجوحة.
اسم المكان «مقهى الكسل». وهو لا يكتفي بتقديم المأكولات الصحية والعصائر المأخوذة من فواكه طبيعية وخضار غير مسمدة بالكيماويات، بل يقترح على زبائنه جلسات تدليك وهم ممددون في شبكات من النسيج، على أنغام موسيقى مناسبة في شرفة مشمسة تطل على شاطئ ذي رمل أبيض ناعم. إن الهدف من افتتاح هذا المقهى، هو تدريب الأميركيين على «فلسفة الكسل» وتلقينهم بعض فوائده للجسم وللذهن.
بابيت أوفراي، إحدى مالكتي المقهى، تقول إن الأميركان لا يعرفون معنى الكسل. وهم يربطون بينها وبين الفرنسيين «الشعب الذي يشتغل أهله 35 ساعة في الأسبوع ويأخذون إجازات مدفوعة وفوقها يقومون بالإضرابات». أما إنغريد فييرن، شريكتها في المقهى فتشير إلى أن اختيار الموقع لم يكن اعتباطيا لأن نسبة طيبة من العائد القومي الأميركي تأتي من سان فرانسيسكو. لذلك فإن الكسل، بالنسبة لأهل المدينة، هو البدعة الجديدة المثيرة.
يتيح «مقهى الكسل» لرواده أن يشعروا بأنهم في أجواء الإجازة من دون أن يغادروا مدينتهم. إنه يشبه منتجعا بحريا، والزبون فيه يتمدد على كراسي الاسترخاء أو يغطس في الأراجيح المنسوجة والمربوطة بين نخلتين. وهناك مائدة تتعاقب عليها أنواع الأسماك الطازجة وثمار البحر وما عليه سوى اختيار ما يروق له منها، لكي تأتيه مشوية مع سلطات متنوعة، آسيوية أو أوروبية، لا يعرفها المطبخ الأميركي الفقير.
وإلى جانب الكسل يسعى المقهى لتعريف رواده على «فنون المائدة»، هذا العلم الذي يزعم الفرنسيون احتكاره. إن الطبق هنا ليس مجرد وعاء للحوم والبطاطا المشوية، بل لوحة فنية مرسومة بذوق وعناية. وحسب «المعلمة» بابيت، فإن اللمسة الفرنسية لا تسمح بتقديم ما يجافي متعة النظر أو يكون ذا مذاق متواضع ومنظر منفر. وهناك ورشات للراغبين بتعلم فنون الطهي الفرنسي، العملي منها والسريع. ولاستكمال الفكرة، جرى الاتفاق مع مدرسة للتدليك في المدينة، لكي يقدم طلابها هذه الخدمة لمن يرغب من زبائن «مقهى الكسل». إنه العنوان الفرنسي الجديد في سان فرانسيسكو الذي يتطلع لأن يكون مكانا لـ«التضامن والشفافية الإنسانية».
تشرف إنغريد على شراء الخضار والأسماك واللحوم من مزارعين محليين وتحرص على أن تكون تربية المواشي والدجاج طبيعية وكذلك الفواكه، من دون تحوير أو سماد ضار. وفي نهاية كل موسم، تعد مالكتا المقهى الفرنسيتان بنشر كشف لحساباتهما على الشبكة الإلكترونية والتبرع بالأرباح الزائدة للجمعيات الخيرية في المدينة. وهما تدركان بأن هناك محتالين بين المروجين للأطعمة الخالية من السموم، يستغلون جنوح المستهلك نحو المنتجات الصحية لكي يقدموا له بضاعة باهظة. إن الهدف من مقهاهما هو الابتعاد عن الصورة الشائعة للأميركي الذي يلتهم «الهامبرغر» وهو يجري في الطريق ولا يعرف أن ابتسامة الترحيب في إعلانات مطاعم الوجبات السريعة تخفي وراءها سكينا جارحة.
ولعل سمعة سان فرانسيسكو كمدينة حاضنة لآلاف الشركات الحديثة ولمجاميع من الفنانين والراغبين بالتعرف على التجارب الجديدة، شجعت المغامرتين الفرنسيتين على اختيارها مكانا لـ«مقهى الكسل». إن المدينة مفتوحة للتجديد وقوية اقتصاديا. وفي حين تتولى بابيت مهمات العلاقات العامة والابتكار فإن إنغريد تمسك بالجانب العملي والمالي. إنه اللقاء المحتوم بين شريكتين، الأولى مبدعة والثانية امرأة أعمال. وقد وجدتا في الطباخ الفرنسي «جوني» الشخص المناسب وخبير التغذية اللازم للمشروع. لكن ما زال من المبكر الحكم على نجاح التجربة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».