اتهام صحافيين كبيرين سابقين في قضية القرصنة التليفونية ببريطانيا

بعد الحكم بالسجن 18 شهرا على رئيس تحرير صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» التي وقفت وراء الفضيحة

آندي كولسن لدى وصوله إلى المحكمة في لندن عندما حكم عليه بالسجن 18 شهرا (رويترز)
آندي كولسن لدى وصوله إلى المحكمة في لندن عندما حكم عليه بالسجن 18 شهرا (رويترز)
TT

اتهام صحافيين كبيرين سابقين في قضية القرصنة التليفونية ببريطانيا

آندي كولسن لدى وصوله إلى المحكمة في لندن عندما حكم عليه بالسجن 18 شهرا (رويترز)
آندي كولسن لدى وصوله إلى المحكمة في لندن عندما حكم عليه بالسجن 18 شهرا (رويترز)

وجه الادعاء في بريطانيا أمس (الأربعاء) اتهامات بالتجسس على الهواتف إلى صحافيين كبيرين كانا يعملان في صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» الشعبية البريطانية التي أغلقت وكان يملكها قطب الإعلام الأسترالي الأصل روبرت ميردوخ. ويأتي ذلك بعد أسابيع من سجن رئيس تحرير الصحيفة السابق بعد إدانته بالجريمة نفسه.
وقال مكتب الادعاء إنه جرى توجيه الاتهام إلى نائب رئيس تحرير الصحيفة السابق نيل واليس، ورئيس تحرير التحقيقات السابق جولز ستينسون، بالتآمر للتنصت على البريد الصوتي في الهواتف الجوالة لشخصيات معروفة أو أشخاص مقربين منهم.
ووجهت لهما الاتهامات بعد الحكم بالسجن 18 شهرا على آندي كولسون الذي شغل منصب رئيس تحرير الصحيفة في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2007 قبل أن يعمل مستشارا إعلاميا لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وصدر الحكم على كولسون بعد إدانته بتشجيع العاملين على التجسس على الهواتف، في محاولة للحصول على انفرادات صحافية.
وبعد محاكمة استمرت ثمانية أشهر، أدين كولسن، (46 سنة)، في هذه القضية. وقال القاضي إن كولسن «هو الشخص الرئيس الذي يجب لومه في فضيحة التنصت لـ(نيوز أوف ذي وورلد)». وأضاف أن كولسن «كان على علم (بالأمر) وشجع (هذه الممارسات)، بينما كان يترتب عليه وقفها».
وكان كولسن أدين بعمليات التنصت غير المشروعة التي قامت بها الصحيفة على مئات الشخصيات، من بينها الأميران ويليام وهاري نجلا ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز.
ودفعت إدانته رئيس الوزراء البريطاني إلى الاعتراف بخطئه عبر التلفزيون. وقد أقر بأنه أخطأ في توظيف آندي كولسن قبل التحقق بشكل كاف من سوابقه في «نيوز أوف ذي وورلد».
واكتفى كاميرون بالقول بعد صدور الحكم الجمعة: «لا أحد فوق القانون».
وكان كولسون، المتهم الوحيد من الصف الأول بعدما أفرج عن زميلته وعشيقته السابقة ريبيكا بروكس، التي برأتها المحكمة من التهم نفسها.
وقال النائب العام خلال المحاكمة إن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» كانت «تعاني الفساد» في عهده، و«أشبه بشركة أشرار». ورأى أن لائحة الضحايا تشبه «دليلا لشخصيات المملكة المتحدة في السنوات الخمس الأولى من القرن» الحالي.
وصدرت على أربعة متهمين آخرين تجنبوا المحاكمة باعترافهم بالتهم الموجهة إليهم، أحكام بالسجن مع النفاذ أو مع وقف التنفيذ. وحكم على الصحافيين السابقين في «نيوز أوف ذي وورلد»، غريغ ميسكيو (64 سنة) ونيفيل ثارلبك (52 سنة)، بالسجن ستة أشهر لكل منهما.
كما حكم بالسجن أربعة أشهر على زميلهما السابق جيمس ويراب (58 سنة) والسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ على غلين مالكير.
وكانت الفضيحة كشفت صيف 2011 عندما أعلنت الصحف أن «نيوز أوف ذي وورلد» استمعت إلى بريد الهاتف للطالبة ميلي داولر التي فقدت ثم عثر عليها ميتة. وأدى كشف هذه العملية إلى إغلاق الصحيفة الشعبية التي تصدر يوم الأحد. وأدت «فضيحة قرصنة الاتصالات الهاتفية» إلى كشف ممارسات بعض الصحافيين ومسؤولي الصحافة البريطانية والعلاقات المضطربة في بعض الأحيان بين الأوساط السياسية والشرطة.
كما دفعت الحكومة البريطانية إلى إصلاح نظام الصحافة عبر إقامة هيئة لضبطها، لم تبدأ العمل بعد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».