2019... عام التغيير والإيجابية

عمران أميد شاب يقود حركة تضع الموضة في إطارها الثقافي والحضاري والإنساني الصحيح

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
TT

2019... عام التغيير والإيجابية

ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر
ستيلا ماكارتني والتحديات التي واجهتها - عمران أميد مؤسس مؤتمر «فويسز» وموقع «بي أو إف» - هدى قطان مؤسسة «هدى بيوتي» خلال المؤتمر

2019 عام التغيير بلا منازع؛ حسب دراسات شركة «ماكنزي آند كو» وحسب صناع الموضة والفن وخبراء التكنولوجيا والصحة... عام ستتغير فيه مفاهيم واستراتيجيات عدة، بالفعل والتطبيق؛ وليس بالقول والشعارات كما كان عليه الأمر في السابق. أخيراً اقتنع صناع الموضة بأن النماذج القديمة لم تعد فعالة ولا مناسبة في عصر تشهد فيه التكنولوجيا ووسائل التواصل انتعاشاً جعلها سلاحاً حاداً في يد الجيل الصاعد. فوسائل التواصل الاجتماعي أعطت هذا الجيل صوتاً يعبر به عن طموحاته وأولوياته، كما منحت المصممين الشباب منبراً يغنيهم عن النموذج القديم لبناء شركاتهم. لم تعد الماركات العالمية والمجموعات الضخمة وحدها هي التي تتحكم في مصير الموضة وتحرك توجهاتها؛ بل العكس، يُفرض عليها حالياً أن تُنصت جيداً لنبض الشارع وما يجري فيه لكي تبقى مواكبة للعصر. هذا ما تمت مناقشته في الدورة الثالثة لمؤتمر «فويسز» Bof Voices الذي أقيم في منطقة أكسفوردشاير في الأسبوع الماضي. 3 أيام التقت فيها نخبة منتقاة من صناع الموضة والمؤثرين، من أمثال فرنشيسكا بيليتيني، رئيسة «سان لوران» التنفيذية، التي يعود لها الفضل في تحسين أداء الدار والرفع من مبيعاتها في عهد كل من هادي سليمان المصمم السابق وأنطوني فاكاريللو المصمم الحالي، ونجمة «بوليوود» سونام كابور، وجوي أجلوني، مؤسسة شركة «فيتشر» التي يوجد مقرها في دبي، وديفيد بيمسل رئيس «مجموعة الغارديان»، وجون رايدينغ رئيس مجموعة «فاينانشيال تايمز»، وإيان روجرز رئيس قسم الديجيتال في مجموعة «إل في آم آش»... وغيرهم ممن جلسوا مثل الطلبة في مدرج مبني باللوح والأخشاب في «سوهو هاوس» يستمع بعضهم لبعض.
كان الهدف من هذه الأيام مناقشة موضوعات مصيرية، مثل أهمية التعاون بين العلامات العالمية بدل المنافسة فيما بينها، وفهم التغيرات العالمية من وجهة نظر إنسانية واجتماعية، والبحث عن حلول لحماية البيئة، وحق العاملين في حياة كريمة، فضلا عن مستقبل الصحف الرصينة وما تقوم به لمواجهة عالم الديجيتال... وغيرها من الموضوعات الحساسة، التي شملت كل مناحي الحياة؛ من طريقة تصميم البنايات في آسيا التي تغيرت تشجيعا لروح الجماعة، إلى أهمية خلق توازن بين الشخصي والعام لراحة البال. والملاحظ أن كل النتائج صبت في نقطة واحدة؛ وهي أنه بيد الموضة أن تُغير العالم وتعطيه شكلا إيجابيا.
فبالإضافة إلى أنها، أي الموضة، صناعة تقدر بتريليونات الدولارات، فهي أيضا جزء لا يتجزأ من الثقافة اليومية... تحرك مشاعر قوية في الوجدان والمخيلة، الأمر الذي يجعلها أكثر ما يؤثر على الناس، أيا كانت جنسياتهم وأهواؤهم وأعمارهم. بيد أن الجديد واللافت في كثير من النقاشات أن حتى التكنولوجيا بات عليها أن تتحلى بالإنسانية، بمعنى أن تخدم الإنسان بدل استغلاله للترويج أو التسويق فقط، وهو ما أكده وجود كريستوفر وايلي في المؤتمر. لمن لا يعرفه، فهو الرجل الذي كشف تورط شركة «كامبريدج أناليتيكا» في استغلال بيانات 50 مليون مستخدم لـ«فيسبوك» لغايات سياسية في الانتخابات الأميركية عام 2016، وكيف لعبت هذه البيانات دوراً حاسماً في التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قصة نشرتها صحيفة الـ«غارديان» حينها وانتشر صداها في كل أرجاء العالم ولا تزال تداعياتها حاضرة.
بالنسبة لعمران أميد، مؤسس موقع «بيزنيس أوف فاشون» ومؤتمر «فويسز»، لم تكن الموضة يوما مجرد ألوان وقصات ونقشات وإطلالات أنيقة، بل هي لغة يمكن استعمالها بذكاء للتأثير على الناس وتحقيق التغييرات اللازمة لزرع بذرة حياة كريمة للأجيال المقبلة... «عندما فكرت في هذا المؤتمر، كنت مصرا منذ البداية على ألا يكون عن الأزياء والإكسسوارات، بل عن علاقة الموضة بالحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكيف تتداخل كلها بعضها مع بعض. كنت أريد أن أخلق حوارا بين الناس عن تأثيراتها المباشرة على حياتنا». وأضاف بثقة: «صناع الموضة قادرون على تغيير المستقبل».
من يعرف أو سمع عن عمران أميد يعرف أنه ليس مجرد متحمس للموضة أو حالم بها؛ بالعكس، فهو أقوى رجل في عالم الموضة حاليا. لا يشك أحد في نظرته الثاقبة ورؤيته التي تستبق الأمور بسنوات. درس بجامعة ماغيل في كندا وتابع دراسته في إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. بعد تخرجه عمل مع شركة الاستشارات الإدارية «ماكنزي» في لندن 4 سنوات قبل أن تغريه الموضة بدخولها بشكل فعلي. في عام 2007 أسس موقعه الشهير «بيزنيس أوف فاشون» على شكل مدونة. الآن يعد الموقع مرجعا لصناع الموضة، إلى حد القول إنه سحب السجاد من تحت مجلة «فوغ» التي كانت تقوم بهذه المهمة من قبل، بدليل أن المصممة أنيا هيندمارش صرحت في إحدى المقابلات مع مجلة «فوغ» بأن الموقع أول ما تتصفح في الصباح بمجرد أن تفتح عينيها و«حتى قبل أن أرى أطفالي»؛ حسب قولها.
منذ 3 سنوات، أتبع الموقع بمؤتمر سنوي، يترقبه الآن صناع الموضة بلهفة، لأنه يتيح لهم، وفي أجواء حميمية بعيدة عن التكلف أو إبرام الصفقات، مناقشة كثير من الموضوعات التي تساعدهم على فهم التطورات والتغيرات المقبلة. منذ البداية، أراده عمران ألا يكون للمصممين فحسب؛ بل بمثابة نادٍ خاص يفتح أبوابه للمؤثرين الفعليين في مجالاتهم؛ بحيث يمكنهم بشكل أو بآخر تغيير ثقافة المجتمع.
هذا العام، تشعر بأن المؤتمر كان بمثابة حركة ثورية ضد المتعارف عليه. فما كان متعارفا عليه ومعمولا به لسنوات لم يُعط نتائج تخدم الإنسان بقدر ما خلق ثقافة شعبوية وقتل روح الجماعة. لهذا أصبح لزاما تغيير الدفة. للتأكيد على صواب رأيه، لم يجد عمران أفضل من كريستوفر وايلي، الموظف السابق في «كامبريدج أناليتيكا»، ليقوم بمهمة افتتاح المؤتمر. كان خطابه رسالة سياسية لكنها تُسلط الضوء على أهمية الموضة والدور الذي لعبته في السياسة. فقد ركزت البيانات المستعملة على توجهات الناخبين وميولهم وتفضيلاتهم في هذا المجال لبناء نتائجها ثم استراتيجياتها. كانت الرسالة قوية ومثيرة للخوف لأنها تؤثر علينا بشكل مباشر، بحكم أن كل واحد منا يستعمل التكنولوجيا من جهة؛ والموضة جزء لا يتجزأ من ثقافتنا اليومية من جهة ثانية. لكن لم تكن كل الخطابات سياسية. كانت هناك قصص إنسانية مثل قصة أدوت أكيش، العارضة سودانية الأصل، التي أبصرت النور عندما كانت عائلتها في طريقها إلى ملجأ بالكاميرون، وأصبحت الآن واحدة من أهم العارضات الصاعدات. فقد حضرت إلى المؤتمر مباشرة بعد مشاركتها في عرض دار «فالنتينو» في طوكيو... إضافة إلى تجربة نجمة «بوليوود» سونام كابور والدور الذي تلعبه لتمكين المرأة والدفاع عن حقوق المهمشين.
كانت هناك أيضا قصص نجاح عدة؛ واحدة منها قصة هدى قطان، العراقية التي بنت إمبراطورية تقوم على الجمال، من الصفر. الآن تقدر بمليار دولار. حكت لنا عن هدى الطفلة والصبية التي كانت مختلفة عن قريناتها في المدرسة، وكيف كان همها الأول أن تقتل هذا الاختلاف وتخفيه حتى يتقبلها الآخر. بعد سنوات من الإحباط والتخبط، وصلت إلى قناعة بأن اختلافها جزء من جيناتها ولا يمكن أن تخفيه. «لو لم أتقبل اختلافي لما حققت نجاحي» حسب قولها. هذا الاختلاف هو ما باتت الموضة تتبناه وتُشجع عليه في السنوات الأخيرة، سواء تعلق الأمر بمثيلات أدوت أكيش بلونها الأسمر الغامق، أو المدونة والكاتبة الآيرلندية شينيد بورك، التي لا يتعدى طولها 105 سنتيمترات، ومع ذلك أصبحت نجمة في عالم الموضة.
وهذا أيضا ما أشار إليه كريستوفر وايلي عندما قال إن حركة التغيير يجب أن تشمل إلغاء الصورة التقليدية للجمال، التي تشبث بها صناع الموضة لعقود طويلة. فالجمال يأتي بأشكل مختلفة... «علينا أن ننشر الحب بدل الكراهية والتحييد، لأن هذا ما نحتاج إليه حاليا أكثر من أي وقت سابق. نحتاج إلى قوة دفاعية تحمي ثقافتنا ومبادئنا». وطبعا برأيه ليس هناك أحسن من صناع الموضة ليقوموا بهذا الدور... «نحن نعتمد عليكم لتحموا هذه الثقافة وليس فقط صُنعها، لأنه بيدكم أنتم إما أن تُسوقوا لنا (شانيل) أو أحذية الكروكس المصنوعة من البلاستيك».
لكن إذا كانت قصص كل من هدى قطان وأدوت أكيش وغيرهما مُلهمة، وخطابات مثل الذي ألقاه كريستوفر وايلي مهم في فتح عيوننا على تأثير الموضة على اللاشعور، فإن المصممة ستيلا ماكارتني قصة نجاح من نوع آخر، لأنها حققت ما لم يحققه أي مصمم من أبناء جيلها. ويمكن القول بكل ثقة إنها مناضلة من الطراز الأول. منذ سنوات وهي ترفع راية التغيير في عالم الموضة حتى قبل انتشار مفهوم الموضة المستدامة. الآن فقط بدأت تحصد نتائج ما زرعته. والمقصود هنا ليس فقط تكريم المؤتمر لها باختيارها شخصية العام وتسليمها جائزة مستحقة، بل نضالها منذ سنوات من أجل حماية البيئة وحقوق الحيوانات برفضها استعمال الجلود الطبيعية في كل منتجاتها، رغم أنها كانت تعرف أنها كانت تسبح ضد التيار. لم تأبه عندما نعتها البعض بالجنون وبأن خطوتها بمثابة انتحار، لأن الموضة حينها لم تكن تفصل بين الترف والجلود الطبيعة. الآن بات الكل يعدّها نموذجاً يجب الاحتذاء به. وكلما انكشف المستور، مثل استغلال اليد العاملة في دول العالم الثالث، وإتلاف الولايات المتحدة الأميركية أطنانا من المنتجات التي تقدر بأكثر من مليار دولار شهريا بدل إعادة تدويرها واستعمالها، أو انتشار أشرطة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر عنف البشر ضد الحيوان، اكتشف العالم صدق ما كانت تنادي به وأمثالها ممن يرفعون أصواتهم من أجل التغيير الإيجابي. لحسن الحظ أن المعادلة التي اتفق عليها الجميع خلال المؤتمر، سواء ضمنيا أو علانية، أنه مثلما صنعت الموضة فرنكشتاين، فإنه بإمكانها أن تتخلص منه أو على الأقل تٌقلم أظافره وتقلص من سلبياته. الشرط أن تتكاثف وتتكاتف كل الجهود لتحقيق ذلك.
ما يعطي الأمل أيضا أن الجيل الصاعد الذي يعول عليه صناع الترف وغيرهم، يؤمن بالموضة الإيجابية، ويطلبها. وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تجاهله إن أرادوا ضمان ولائه ومن ثم استمراريتهم. هذا الجيل لم يعد يكتفي أو يثق بالشعارات الطنانة، بل يريد الشفافية في التعامل معه. لم يعد يتطلع إلى الاسم واللون والتصميم، بل يريد أن يسمع قصة إيجابية وأن يغوص في مصدر الخامات ومن صنعها وكيف تم إنتاجها. فكما أن الموضة تؤثر على المستهلك، فقد تم الاكتشاف، في كثير من النقاشات، أن المستهلك أيضا يؤثر على الموضة. قوته تكمن في لغة التكنولوجيا التي يتقنها ويستعملها جيدا وفهمه للموضة ورغبته في حياة أفضل الآن وغدا. وربما هذا ما تطرق إليه مصمم «لانفان» السابق ألبير إلباز من دون قصد... ألقى خطابا ألهب الجميع لأنه كان تذكيرا بالجمال والشاعرية التي تميزت بها الموضة عموما وتصاميمه خصوصا قبل أن يضطر لمغادرة الدار التي ساهم في نجاحها. كان بالنسبة لها الأمير الذي أيقظها من سباتها العميق قبل أن تدور السنوات وتتمرد عليه لأسباب تجارية. في خطابه، ذكرنا بأن الحب مهم؛ لكن الاحترام أهم، لأنه «من دون احترام لا يكون هناك حب». رغم الرسائل القصيرة المفعمة بالحب والجمال التي ألقاها بشكل مسرحي وهو يرمي كل صفحة على الأرض، فإن نبرته كانت تشي بحزن عميق على ما آلت إليه حال الموضة... كيف أصبحت تجري وراء الربح ويتسابق بعضها مع بعض من أجل الظفر بزبائن شباب، أحيانا على حساب الإبداع والحس الإنساني. تقرأ بين السطور أيضا كم تغيرت الموضة كما يعرفها، وكم يحن للعودة إلى الجذور بالاهتمام بالإبداع وليس بالتسويق. وهذا تحديدا ما تتفق عليه الأجيال الصاعدة وصناع الموضة ممن حضروا المؤتمر. 2019 عام مفعم بالأمل وواعد بالعمل على زرع بذرته.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.