السينما الأفريقية حضرت بقوة في خامس أيام مهرجان مراكش

أنييس فاردا تتحدث عن تجربتها وبساطة العيش اليومي... وتعقيداته في أعمالها

مشهد من فيلم «صوت الأقنعة»
مشهد من فيلم «صوت الأقنعة»
TT

السينما الأفريقية حضرت بقوة في خامس أيام مهرجان مراكش

مشهد من فيلم «صوت الأقنعة»
مشهد من فيلم «صوت الأقنعة»

بعد يومين على تكريمها، الذي ألقى الضوء على مخرجة «اخترعت سينما خاصة بها، وجعلت منها فرصة لإعادة اختراع السينما»، كان الموعد، في خامس أيام المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته الـ17، مع حديث مع الفرنسية أنييس فاردا، استعرضت خلاله مسار تجربتها، الذي امتد منذ خمسينات القرن الماضي.
وفي حين تواصلت عروض باقي أفلام فقرات «المسابقة الرّسمية» و«بانوراما السينما المغربية» و«القارة الحادية عشرة» و«فقرة خاصة» و«جامع الفنا» و«جمهور الشباب»، كان الموعد مع «وجوه وأماكن» لأنييس فاردا وجي آر، أول الأفلام المبرمجة في إطار فقرة «السينما بالوصف المسموع»، الموجهة للمكفوفين وضعاف البصر، بشكل يؤكد «وفاء المهرجان لالتزامه الاجتماعي».
وشهد اليوم الخامس، أيضاً عروضاً تنقل لقضايا أفريقية، عربية ومن جنوب الصحراء، سواء في المسابقة الرسمية مع فيلم «في عينيا»، أو أفلام «لايونهارت» و«صوت الأقنعة» و«الماء والخضرة والوجه الحسن» و«الكتاب الأخضر» في باقي الفقرات.
- حديث مع فاردا
كانت المخرجة فاردا في الموعد، وهي تستعرض، ضمن فقرة «حديث مع...»، تجربتها الغنية واختياراتها المتعددة، مركّزة على انشغالاتها التي تتوزع بين التصوير وكتابة السيناريو والتمثيل والإخراج والفن التشكيلي، هي التي ظلت تحتفي في أعمالها ببساطة العيش اليومي وتعقيداته.
وفاردا، الشخصية المميزة والمخرجة الرئيسية في تيار الموجة الجديدة، التي تحظى باعتراف دولي كبير، لا يبدو أن هناك حدوداً لفضولها الهائل. وفيلمها «وجوه وأماكن»، الذي أنجزته مع الفنان الشاب جي آر، الذي ترشّح لجوائز الأوسكار 2018، دليل آخر على حرية هذه الفنانة وقدراتها الإبداعية.
لم تتناول فاردا، في أفلامها، موضوعات مختلفة عمّا طرحه نظراؤها، كجون لوك غودار وفرنسوا تروفو فقط، بل إنها عملت، كذلك، بطريقة شديدة الاختلاف.
وحينما توجهت للعمل في السينما عام 1954 بصدور فيلمها «لا بوانت كورت»، تعاملت فاردا، المتخصصة في التصوير، والتي لم تتلقَ أي تدريب سينماتوغرافي رسـمي، مع السينما بطريقة شديدة الانفتاح وحب الاطلاع.
يحسب لفاردا أنها كانت تنظر من خلال عيون لا تعتمد التقييم، بل الانفتاح، فأعطـت الأولوية لما أسمته الكتابة السينمائية، وعارضت مفهوم «الكاتب الوحيد لسيناريو الفيلم»، مبرزة الطابع الجماعي للعمل السينمائي، ومعترفة بكتاب السيناريو. كما أن انفتاحها على العالم الخارجي، يعني أنها اكتشفت، كذلك، قصص المهمشين، وهم غالباً من النساء المتقدمات في السن أو من طبقة العمال، وأنها أعادت النظر في حكايات تعتبر ملحمية وأساسية بشكل عام. وأبلغ فيلم يعبر عن ذلك شريط «من دون مأوى وخارج القانون» (1985)، الذي حاز جائزة «الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية.
في نهاية المطاف، تبقى الحياة أكبر مصدر للإلهام بالنسبة لفاردا، ومن هنا، استحالة تفادي المعاناة. بيد أنه ينبغي الملاحظة أنها تقاوم العدمية وتستخدم الشجن كنقطة لإحداث التوازن وقياس الفرح؛ مما يوحي بوجود الاثنين في انسجام أو، على الأقل، في علاقة تضافر: إذ لا يمكن أن نفهم أحدهما من دون الآخر.
- الماء والخضرة والوجه الحسن
للأمسية الثانية على التوالي، احتفت ساحة جامع الفنا بالسينما المصرية. فبعد عرض فيلم «إسكندرية كمان وكمان» ليوسف شاهين في حضور الممثلة يسرا، كان الدور على فيلم «الماء والخضرة والوجه الحسن»، في حضور مخرجه يسري نصر الله وليلى علوي وباسم سمرة، اللذان لعبا، في الفيلم، الأدوار الرئيسية، إلى جانب منة شلبي وزينة منصور وصابرين. ينقلنا الفيلم إلى بلدة ريفية صغيرة، حيث تجري أحداث جاءت عبارة عن مجموعة من التشابكات الرومانسية وسط أسرة شهيرة في مجال الطبخ وتنظيم الحفلات. وقائع الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية، نكون خلالها مع رجل ثري وهو يخطط لشراء مقاولة تنظيم الحفلات من صاحبها المسن وتحويلها إلى مجال الوجبات السريعة، لتبرز المكائد والمخططات والملاحقات الرومانسية خلال حفل زفاف. وبين الألوان الزاهية والمناظر اللامعة المبهجة والوجوه الجميلة، المفعمة بالحيوية والمرح، تدور أحداث فيلم رأى نقاد أنه يتضمن تلميحات وإشارات تنتمي لسينما بوليوود.
- صوت الأقنعة
آلام وانشغالات أبناء أفريقيا جنوب الصحراء، كانت حاضرة في المهرجان المغربي، في خامس أيام التظاهرة، من خلال ثلاثة أفلام، يتعلق الأمر بـ«الكتاب الأخضر» لمخرجه بيتر فارلي، و«لايونهارت» لمخرجته جنيفيف ناجي، و«صوت الأقنعة» لمخرجته سارا س ف ديه غوفيا.
يحكي «الكتاب الأخضر» قصة عازف بيانو أسود بارز، يقوم بجولة موسيقية في زمن نظام الفصل العنصري، وفي سبيل ذلك سيعمل على تشغيل حارس شخصي أبيض سائقاً له. في الفيلم، يبرز ماهرشالا علي موسيقياً مثقفاً يقف في وجه المجتمع العنصري الذي يتجاهل موهبته، وفيكو مورتنسن كابن شوارع نيويورك يتميز بالفطرة والشهامة، لينجح المخرج في نقل وحشية التمييز العنصري، من خلال استخدام الممثلين لمؤهلاتهما الكوميدية كثنائي في غاية الغرابة، وأيضاً من خلال إضفاء طابع الفكاهة والإنسانية على فيلمه، المستوحاة قصته من الواقع؛ إذ تدور أحداثه في عام 1962، لكن رسالته ما زالت سارية وذات مغزى: يمكن التغلب على الجهل والكراهية.
في حين يحكي «لايونهارت» قصة «أديزي»، الفتاة التي تنتظر الفرصة المواتية لتثبت مهاراتها في إدارة الأعمال وتخفف عن والدها ما يتحمله من ضغط في إدارته لشركة العائلة. لكن، بعدما سنحت لها الفرصة أخيراً، ستكتشف أن الشركة على حافة الانهيار وتواجه خطر الاستحواذ عليها من طرف أحد المنافسين. وستواجه الفتاة الأزمة بحنكة وحكمة، فيما تمثل أكبر تحدٍ واجهها، الحد من سطوة العقلية الذكورية السائدة في مجتمعها.
هكذا، بأسلوب يمزج الكوميديا والنقد الاجتماعي، وبفريق مميز من الممثلين، يأتي «لايونهارت» ليكون أول تجربة إخراجية لجنيفيف ناجي، فاتحاً الباب أمام تميز للسينما النسوية النيجيرية.
من جهته، يتحدث فيلم «صوت الأقنعة» عن أتناسيو نيوسي، أحد أشهر الراقصين المعاصرين في موزمبيق، والذي طوّر هوية فنية تمزج بين التقليد والحداثة، تعتبر فريدة ومعقدة، وبخاصة أداؤه رقصة المابيكو، وهي رقصة تقليدية يكون فيها الراقص ملثماً بقناع، ويؤديها فقط الذكور المنتمون إلى قبيلة الـماكونديه. وتطورت رقصة المابيكو خلال حرب الاستقلال في موزمبيق، لتصبح وسيلة للتعبير عن مناهضة الاستعمار.
في الفيلم، يروي نيوسي قصته لابنه، ومن خلال سرده تظهر فصول من تاريخ موزمبيق في عروضه الراقصة، حيث تتجسد الذاكرة الجماعية وتتحرك وترقص، ليتدفق «صوت الأقنعة» مثل قصيدة فاتنة، منسوجة من لقطات أرشيفية ومشاهد رقص، وفي الوقت نفسه يتحدى الفيلم قواعد السينما الوثائقية الإثنوغرافية.
- سباق أفلام
فيلمان جديدان دخلا دائرة التنافس: «في عينِيا»، لمخرجه التونسي نجيب بلقاضي وبطولة نضال سعدي، وإدريس خروبي، وسوسن معلج، وعزيز الجبالي، وآن باريس، ومنى نور الدين؛ و«إيرينا» لمخرجته البلغارية ناديجدا كوسيفا وبطولة مارتينا أپوستولوفا، وخريستو أوشيف، وكاسيل نواه آشر، وإيريني يامبوناس، وألكسندر كوسيف، وكراسيمير دوكوف.
يحكي فيلم «في عينيا» قصة لطفي، الذي يعيش حياة كريمة في فرنسا، بعد أن هاجر من تونس: ناجح في عمله وحبيبته الفرنسية فاتنة وحامل بطفله. لكن ماضيه ظل يلاحقه في كل حين، إلى أن تلقى اتصالاً من عائلته في تونس، حيث سيضطر إلى العودة إلى بلده على الفور، ليجد نفسه في مواجهة إرث الحياة التي تخلّى عنها قبل سبع سنوات؛ إذ بعد أن وقعت زوجته في غيبوبة عميقة، أصبح ابنه، ذو السنوات التسع الذي يعاني من مرض التوحد في حاجة إلى من يرعاه. انطلاقاً من هذه اللحظة، سيرصد الفيلم، عن كثب، كيف سينسج لطفي علاقة مع الطفل، في إطار صيرورة تحديد نوع الرجل الذي يريده أن يكونه.
من جهته، يحكي فيلم «إيرينا» قصة إيرينا التي تعيش في حالة من الفقر المدقع، حيث تعمل غسالة أوانٍ في مطعم، تلجأ لسرقة بقايا اللحم المطهو لإطعام زوجها المتسكع وابنها الصغير وشقيقتها.
وعندما تفقد عملها، تسوء ظروف حياتها أكثر. وفي لحظة يأس، تجد أنها لا تستطيع حتى أن تبيع جسدها. ولما قادها بحثها على شبكة الإنترنت إلى عمل بدا مربحاً، شعرت كما لو أنها تتخذ قراراً لم يكن في السابق ليخطر على بالها.
في هذا الفيلم، اختارت مخرجته أن تصور في أماكن مغلقة؛ كي يكون للحظات الفيلم الدرامية وقع أكبر، بحيث يعكس رهاب انغلاق الحياة التي لا تتوفر فيها إلا خيارات قليلة. وفي التضحيات التي تقوم بها شخصية إيرينا، تكمن، ما اعتبر قوة إخراج موفقة.


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».