رحيل «أبو خلدون» رائد الشعر الشعبي في العراق

مئات يشاركون في تشييع جثمان الشاعر عريان السيد خلف في بغداد

عريان السيد خلف
عريان السيد خلف
TT

رحيل «أبو خلدون» رائد الشعر الشعبي في العراق

عريان السيد خلف
عريان السيد خلف

تُوفِّي بمدينة الطب في بغداد، أمس، الشاعر الشعبي العراقي عريان السيد خلف «أبو خلدون» عن عمر ناهز 78 عاماً. وفي حين قام المئات من أصدقاء الشاعر ومحبيه بتشييع جثمانه وسط العاصمة بغداد، نعى اتحاد الأدباء والكتاب والرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) السيد خلف، وتقدموا بالتعزية إلى ذويه ومحبيه.
وأصيب عريان السيد خلف بجروح خطيرة نهاية يونيو (حزيران) 2017 عقب تعرضه لحادث سير على طريق محمد القاسم السريع في بغداد، أسفر عن سقوط سيارته من أعلى الطريق، وتسببت الحادثة بتراجع حالته الصحية منذ ذلك التاريخ.
ويُعدّ عريان السيد خلف من أبرز وأشهر الأسماء في الشعر الشعبي العراقي، ويعدّه كثيرون من رواد هذا الفن الذي يُكتب باللغة العامية التي يتحدث بها سكان وسط وجنوب العراق، إلا أن ذلك لم يحل دون انتشار شعره وقصائده في أغلب المحافظات العراقية.
وُلد السيد خلف عام 1940 في قلعة سكر الواقعة على ضفاف نهر الغراف بمحافظة ذي قار الجنوبية، وبدأ بنشر قصائده مطلع ستينات القرن الماضي، وعمل في مجال الصحافة والتلفزيون والإذاعة، وشغل في السنوات الأخيرة منصب محرر صفحة «الثقافة الشعبية» في جريدة «طريق الشعب» التابعة للحزب الشيوعي العراقي الذي انتمى إليه منذ وقت مبكر، لذلك فإن وفاته تعد خسارة كبيرة لتيار اليسار في العراق، فضلاً عن مريديه ومحبي شعره.
كان عريان السيد خلف غزير الإنتاج، وكتب الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي، لكن صيته ذاع في النوع الأخير، ومن أشهر دواوينه الشعرية: «الكمر والديرة»، و«كبل ليله»، و«أوراق ومواسم»، و«صياد الهموم»، و«تل الورد»، و«القيامة» وغنى كلمات قصائده مشاهير المطربين في العراق، مثل حسين نعمة وسعدون جابر وياس خضر وقحطان العطار وغيرهم.
وقال صديقه الشاعر الشعبي كاظم غيلان لـ«الشرق الأوسط»: «أنا حزين جداً لوفاة أبو خلدون، لقد كان أكثر الأصوات الشعرية ملامسة لإيقاع الناس وحياتهم، لذلك طغى حضوره الشعبي، مع مظفر النواب، على حضور بقية الشعراء الشعبيين».
وأحدثت وفاة السيد خلف صدمة كبيرة داخل الأوساط الرسمية والثقافية والشعبية أمس، ونعاه الاتحاد العام للأدباء والكتاب الذي ينتمي إليه.
وفي حين قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في بيان النعي: «لقد خسرنا شاعراً عراقياً وطنياً كبيراً أغنى الأدب العراقي الشعبي بكثير من النتاجات الشعرية الرصينة»، تقدم رئيس الجمهورية برهم صالح بتعزية مماثلة إلى «الشعب العراقي بمختلف انتماءاته»، معتبراً أن السيد خلف كان «صوتاً معبراً عن الشعب وآلامه وتطلعاته، وبرحيله يفقد العراق رمزاً شعرياً ومناضلاً وطنياً من أجل الحرية والعدل».
ونعى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الشاعر في بيان ذكر فيه أن عريان السيد خلف «أسهم في إثراء الحركة الثقافية في العراق، من خلال أشعاره وقصائده التي تغنَّت بحب الوطن».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».