«سنَّان سكاكين» متجول يضجر من الأحياء الراقية في مصر

ورث المهنة عن عائلته

أشرف يقطع مسافات طويلة يومياً لسن السكاكين بالجيزة («الشرق الأوسط»)
أشرف يقطع مسافات طويلة يومياً لسن السكاكين بالجيزة («الشرق الأوسط»)
TT

«سنَّان سكاكين» متجول يضجر من الأحياء الراقية في مصر

أشرف يقطع مسافات طويلة يومياً لسن السكاكين بالجيزة («الشرق الأوسط»)
أشرف يقطع مسافات طويلة يومياً لسن السكاكين بالجيزة («الشرق الأوسط»)

على ظهره، يحمل الشاب أشرف الصفطاوي، مَسَنَّه الحجري القديم. يقطع الكيلومترات على قدميه يومياً، باحثاً عن السّكاكين والمقصات غير الحادة، التي لم تعد لها فائدة، ليعيدها إلى الحياة مرة أخرى. كان الصفطاوي يسير في منطقة أبو قتادة بالجيزة، ينادي: «أسن السكين وأسن المقص»، ويرفع رأسه لأعلى، باحثاً عن صوت سيدة أو رجل يستوقفه، فينتحي جانباً، يثبت إطاره على الرصيف، ويبدأ العمل، وفي دقائق يعيد للأدوات التي بين يديه لمعانها وحدتها.
يسير أشرف من منزله في منطقة صفط اللبن، غرب محافظة الجيزة، متجولاً بين شارع وآخر، وسط الأحياء الشّعبية، فهو يعرف أنَّ زبائنه لا يوجدون في الأحياء الرّاقية، قالها وهو يعيد حمل المسن على ظهره، بعدما انتهى من عمله: «زبائني لا يوجدون هناك، أصحاب الفلل والقصور والبنايات الشاهقة لا يتحسبون مروري، إذا تثلمت سكاكينهم ولم تعد تقطع جيداً، يلقون بها في القمامة، ويشترون غيرها، لذا لا تجدني أسير في الأحياء التي يسكنها الأغنياء، وطبعاً لا يسمح لي بدخول المناطق التي تتحكم فيها بوابات وسكرتارية وأفراد أمن، أنا بالطبع لا أذهب إلى هناك أصلاً، حتى لا أتعرض للمنع، أوفر على نفسي مؤونة السير بعيداً، وأتحرك في المناطق المجاورة لمنزل عائلتي».
ينحدر أشرف من عائلة سنَّانين، تمتد لعشرات السنين، توارثوا مهنة صقل السكاكين أباً عن جد، أشار لحجر الجلخ الذي يستخدمه في شحذ وجلاء شفرات الآلات، وقال: «هذا ملك أبي، وأبي ورثه عن جدي، وأنا متمسك به. أحب المهنة التي تربيت ونشأت من خيرها. لدينا في المنزل حجران غيره: واحد مع أخي الصغير، والآخر يعمل عليه عمي. حين نعود في المساء نضعها في حوش البيت، فتبدو كأنّها كائنات خرافية، عادت من أحضان التاريخ». ولفت قائلاً: «نعم أخشى أن تجرفها تقلبات الأيام؛ لكن ما يعطيني شعوراً بالأمان، وبأنّها سوف تظلّ موجودة، مقابلتي لكثيرين يومياً ممن يفضلون العمل المتقن، ويُقدِّرون الصنعة الجيدة».
عمل أشرف يحتاج إلى حرفية عالية، ودرجة عالية من الاتزان والتأني، لفت إليها بفخر، وهو يشير إلى «حجر الجلخ» الذي يدور مع حركة قدمه على البدَّال، فيما يَصدُر صوت حاد، وتتطاير شرارات نارية نتيجة احتكاك شفرات السكاكين بسطحه الحجري الذي تكسوه النتوءات، قال: «لا بد من العمل بحرص بالغ، حتى لا يأكل المَسَن شفرة السكين، أو يجور على جزء منه، وهذا العيب يظهر أكثر في المَسَن الكهربائي؛ لأنّ التحكم فيه أكثر صعوبة، كما أنّه لا يعالج عيوب السّكاكين والمقصات؛ بل قد يزيدها، لو انتابت العامل سرحة بسيطة».
وذكر أشرف أنّ «أصحاب المحلات الذين يمتلكون المسنات الكهربائية يحقّقون أرباحاً كثيرة، فلا تأخذ عملية صقل القطعة في أيديهم ثواني معدودة، لكنّني أظل أنا وأمثالي الأكثر مهارة في هذه المهنة؛ لأنّني أستطيع التحكم في حركة الحجر، وبالتالي لا أجور أبداً على حد سكين بين يدي، وفي النهاية لا أتقاضى أكثر من أربعة جنيهات عن كل قطعة، ويرضيني ما أعود به في المساء، فلو جلوت ثلاثين سكيناً يكون هذا فضلاً ونعمة من الله».
يحب أشرف مهنته، وقد كان بإمكانه مثل كثيرين من الشباب أن يعمل سائقاً، أو يتاجر في أي شيء، كما أنّ المشي لمسافات طويلة لا يصيبه بالتعب أو الإرهاق، قال إنه وعدداً من زملائه وأصدقائه ينظّمون مسابقات للعدو في مركز الشّباب القريب من منزله، لذا لا معنى لأي حديث عن ضجر أو ملل من التنقل بين الأحياء، كما أنّه لا جدوى من الحركة بالسّيارات أو ركوب الباصات، فلا مكان له بين الرّكاب، كما أنّه لو استقل عربة «تاكسي»، ستكون النتيجة عودته إلى منزله من دون نقود؛ لأنّ أجرة السائق ستحصد ما جمعه من عمله طوال النهار.
وتعدّ مهنة سنّ السّكاكين من الحرف اليدوية المهدّدة بالانقراض في مصر، نظراً لقلّة الأيدي العاملة بها، وعزوف الشّبان عن العمل فيها لضعف مقابلها المادي، واتجاه كثيرين منهم للعمل في مهن حديثة وسهلة، بجانب قيام ربات البيوت المصرية بتغيير السكاكين التالفة بأخرى جديدة، بعد نقص أعداد الحرفيين في الآونة الأخيرة، في حرف النقش على النحاس، والأرابيسك، وإصلاح أواني الألمنيوم، وقدور الفول، وسن السكاكين، وغيرها من الحرف القديمة.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.