عبد المجيد مجذوب لـ {الشرق الأوسط}: أكتفي بالصوتيات في غياب دور تمثيلي يناسب تجربتي الفنية

موسيقى مسلسله «ألو حياتي» لا تزال رنة محببة على الهواتف الجوالة

عبد المجيد مجذوب
عبد المجيد مجذوب
TT

عبد المجيد مجذوب لـ {الشرق الأوسط}: أكتفي بالصوتيات في غياب دور تمثيلي يناسب تجربتي الفنية

عبد المجيد مجذوب
عبد المجيد مجذوب

لا تزال رنة صوت الراحلة هند أبي اللمع وهي تقول «ألو» ويجيبها عبد المجيد مجذوب بصوته الرخيم المتهادي «حياتي»، على خلفية موسيقية بديعة وضعها إلياس الرحباني، ترن في آذان اللبنانيين منذ منتصف سبعينات القرن الماضي. وقد عرضت مؤخرا إحدى شركات الجوال على زبائنها شراء هذه النغمة لوضعها على هواتفهم لعلمها أن الحنين لا يزال كبيرا وحيا في نفوس المشاهدين، بعد 37 سنة من بث هذا المسلسل.
هذا المسلسل وغيره، مثل «حول غرفتي»، و«اليد الجريحة»، و«عازف الليل»، و«الفارس الملثم»، و«سر الغريب»، و«ليلى والبراق»، هي غيض من فيض إنجازات الممثل عبد المجيد مجذوب، الذي تجاوز السبعين اليوم، ويقول إنه بعد كل هذا العمر في الفن لم يعد يقبل بأعمال مرئية جديدة، وسيبقى مكتفيا بالأعمال الصوتية (أو الأوديو) «ما دام ليس هناك عمل جدي يراعي اعتبارات عديدة، منها واقع السن، وقيمة التجربة التي مررت بها».
الصوت، الإلقاء، مخارج الحروف، عربيته التي نحتها وشذبها، لا تزال هي الجاذب الأكبر لمن يقصدونه لعمل تسجيلات، خاصة أنه يدرك سر حنجرته ويداريها ويمرنها، ويقول «منذ أيام دخلت الاستوديو لتسجيل إعلان بصوتي لقصر الحلو عبد الرحمن الحلاب، ولا مانع عندي من تسجيل المزيد من الشعر العربي، الذي طالما استمتعت به، لو طلب مني ذلك».
بصوته وبالتعاون مع «المجمع الثقافي في أبوظبي»، سجل ديوان أبي الطيب المتنبي كله. وبصوته يمكننا اليوم سماع المعلقات، ومتفرقات شعرية أخرى. فقد سجل شعر امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد، ولبيد بن ربيعة العامري، بإلقاء بديع. وعند عبد المجيد مجذوب الموهبة وحدها لا تكفي، فهو مجتهد، وحرص منذ البدء على صقل معارفه وتثقيف نفسه. فهو قارئ نهم، ومدمن على الشعر. وقد أسس شركة «الخلود للإنتاج» لتعنى بالشؤون الثقافية، ترجمة ودبلجة، وكتبا مسموعة وإلقاءات شعرية، إضافة إلى إنتاج الدراما. حين تسأله من أين أتاه كل هذا الاهتمام بالعربية الفصحى، خاصة أنه حين يكلمك حتى ولو كان بالدارجة، لا ينسى أن يفصّح الألفاظ، ويبقي على لهجة بيضاء، لا تميل إلى منطقة أو تقع في هفوة، يجيبك وكأنه يستغرب السؤال «إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه. هذه مهنتي، واهتمامي باللغة بدأ منذ أيامي الأولى لامتهاني الفن». ويكمل شارحا «بقيت سنتين لا أقبل أي عمل تلفزيوني، ركزت على الإذاعة، كنا نعمل وأمامنا (المنجد)، وبصحبتنا أساتذة كبار يوجهوننا، على هؤلاء تتلمذت، ومن هناك انطلقت».
يفخر عبد المجيد مجذوب ببرنامجه «همسات» الذي بقي يقدمه لست سنوات متواصلات، وقال «كل سنة كنت أسجل 3 شهور، وكل جرعة هي عبارة عن 90 حلقة. كنت أعد البرنامج بنفسي، وأختار له منتقى المنتقى من رقيق الشعر، مذ قال الإنسان شعرا إلى ذاك اليوم. وبعض تلك القصائد كنت أكتبها بنفسي». وحين نستفسر ونسأل عبد المجيد مجذوب «أنت شاعر إذن؟»، يجيبنا «نعم.. كانت هناك قصائد من تأليفي. أنا أهلوس، أحيانا»، يقول بين المزاح والجد، و«البعض قال في هذا الشعر إنه راق، ويدور في فلك الرومانسية والفلسفة والخواطر. كل ما أكتبه هو بالفصحى. فالعربية لغتنا الأم، وهي أرقى وأرق وأغزر اللغات على وجه الكرة الأرضية بالمعاني والأصوات».
حب الفنان للفصحى لا يغنيه عن حب العامية، التي بها مثل الكثير جدا من أدواره، لكنه يفضل وأنت تسأله أن يكلمك بعاميته المفصحة، مصرا على انتقاء كلماته، شاكرا إياك أن تعتبره عصاميا، فهو لم يبدأ مشواره الفني من معهد للتمثيل، كما أصبحت العادة اليوم، وإنما في الكويت، عندما كان يعمل في شركة لتنقيب البترول.
طرابلس هي مسقط رأسه، فيها تلقى دراسته الأولى. ينتمي إلى أسرة معروفة في المدينة، ولبيت له ميول صوفية، وحينما كبر سافر إلى ألمانيا ليلتحق بمعهد للحام الكهربائي، ومنها عاد إلى طرابلس، ليتسنى له التعاقد بعد ذلك مع شركة في الكويت ويمارس مهنته هناك. من الكويت كانت البداية الفنية، يذكرنا، ومن ثم لبنان.
صحيح أنه تكلم تكرارا، في مقابلاته الصحافية، عن ذلك النفور بينه وبين الراحلة هند أبي اللمع، التي شكل معها أهم ثنائي عرفته شاشة تلفزيونية لبنانية على الإطلاق، لكنه يعتز بما يصفه بـ«النجاح الهائل الذي حصداه معا». وحين نسأله عن عرض نغمة «ألو حياتي» على مستخدمي الهاتف الجوال، يرى ذلك أمرا عاديا «فموسيقى المسلسل والعبارة الشهير التي تتخللها (ألو حياتي) مسجلة على أسطوانة، ومتداولة بين الناس. وهو نجاح أخذ مداه في كل مكان».
منذ الحلقات الأولى لمسلسل «حول غرفتي» عام 1974، الذي تقاسم بطولته مع هند أبي اللمع، وأخرجه زوجها أنطوان ريمي، صعد نجم عبد المجيد مجذوب. وطالت هذه الشهرة الثنائية كل المنطقة العربية، من المغرب إلى الخليج العربيين. مثل مسلسل «أبو الطيب المتنبي» و«بنت البواب»، وبقي تعلق المتفرجين نابضا بعبد المجيد مجذوب وهند أبي اللمع، واحتفى بهما حين أطلا عام 1984 بمسلسل مشترك جديد حمل عنوان «لا تقل لي وداعا».
صحيح أن عبد المجيد مجذوب لم يعد ليقيم في مسقط رأسه «لكن العائلة كلها هناك، إخوتي وأقربائي. وأختي أم طلال تزورني ونلعب معا طاولة الزهر». يقضي وقته في بيته في بيروت الواقع في منطقة عائشة بكار، حيث يسكن مع زوجته بعد أن كبر الأولاد، وسافروا في البلدان. أما بيته الثاني فليس بعيدا عن طرابلس كثيرا، فهو في منطقة الهري ومطل على البحر من عل.
أدى أدوارا في ثلاثة أفلام سينمائية، وكانت له مشاركات مسرحية قليلة، لكن الإذاعة التلفزيون بقيا ميدانه المفضل. عاد عام 2004 إلى الشاشة بعد غياب في مسلسل «حصاد المواسم» مع مروان نجار، ومن ثم لعب دورا رئيسا في مسلسل «الغالبون» عام 2011 للمخرج باسل الخطيب. وبانتظار أدوار تلائم توجهاته الفكرية، وتحترم تجربته الفنية، لا يجد عبد المجيد مجذوب غضاضة في الانتظار.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».