بوادر أزمة في خلافة إمبراطور اليابان

التقاليد تمنع النساء من تولي العرش

يتوقع أن يُعلن إمبراطور اليابان آكيهيتو تنازله عن العرش لصالح ابنه ناروهيتو الذي سيُتَوّج رئيساً ورمزاً
يتوقع أن يُعلن إمبراطور اليابان آكيهيتو تنازله عن العرش لصالح ابنه ناروهيتو الذي سيُتَوّج رئيساً ورمزاً
TT

بوادر أزمة في خلافة إمبراطور اليابان

يتوقع أن يُعلن إمبراطور اليابان آكيهيتو تنازله عن العرش لصالح ابنه ناروهيتو الذي سيُتَوّج رئيساً ورمزاً
يتوقع أن يُعلن إمبراطور اليابان آكيهيتو تنازله عن العرش لصالح ابنه ناروهيتو الذي سيُتَوّج رئيساً ورمزاً

في اليوم الأخير من شهر أبريل (نيسان) المقبل، عندما تكون أشجار الكرز في أوج زهوها، سيُعلن إمبراطور اليابان آكيهيتو البالغ من العمر 84 سنة، تنازله عن العرش لصالح ابنه ناروهيتو الذي سيُتَوّج رئيساً ورمزاً لواحدة من أعرق الدُّول في العالم. إنّها خطوة غير مألوفة في تاريخ العائلة المالكة اليابانية التي قد تواجه أزمة خلافة في السنوات القليلة المقبلة، بسبب التقاليد الصّارمة التي تحكم نظام الوراثة فيها، التي تمنع المرأة من الجلوس على العرش أو المحافظة على حقوقها وامتيازاتها كواحدة من أفراد الأسرة الإمبراطورية إذا اختارت أن تتزوج من عامة الشّعب.
منذ أشهر تتداول وسائل الإعلام اليابانية مناقشات في ضرورة تعديل الدستور لفتح الباب أمام نساء العائلة المالكة للجلوس على كرسي الإمبراطور الذي تحيط به هالة من «القداسة» قلّ نظيرها في عالم اليوم. ويقضي القانون الذي ينظّم التوريث للجلوس على «عرش الأقحوان»، بحرمان أولاد نساء العائلة المالكة من حقوقهم الوراثية في حال الزواج من العامّة، وبما أنّ أغلبية أفراد العائلة حاليّاً من النساء (19 من أصل 24)، ثمّة أزمة وراثة تلوح في الأفق غير البعيد إذا لم يُرزَق هيساهيتو ابن شقيقة ولي العهد البالغ من العمر 12 عاماً بذكر.
عندما يجلس ناروهيتو على العرش خلفاً لوالده العام المقبل سيكون قد بلغ التاسعة والخمسين وله ابنة وحيدة يمنعها القانون من وراثة والدها. يعقبه في التسلسل الهرمي شقيقه فوميهيتو البالغ من العمر 52 سنة، وله ذكر وحيد هو هيساهيتو الذي تتوقّف على ذرّيته استمرارية التوريث وفقاً للنّظام الحالي. ويرى المحلّلون أنّ خروج المزيد من النساء من العائلة المالكة لا يطرح مشكلة على صعيد التوريث فحسب، بل يزيد من الأعباء المراسمية الملقاة على عاتق أعضائها، وقد يؤثر على الهالة المحيطة بالإمبراطور كرمز للدولة.
آخر المغادرين لعضويّة العائلة المالكة كانت الأميرة آياكو التي تزوّجت أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من موظّف في إحدى شركات النقل البحري، فخسرت كنيتها الملكية وتبنّت كنية زوجها. وهي الابنة الثالثة لابن عم الإمبراطور الحالي الذي سيغادر هو وزوجته عضوية العائلة المالكة عندما يتنازل عن العرش في الربيع المقبل. ويقضي قانون القصر الملكي الياباني بأن تمارس آياكو حياة عادية مثل أي مواطن خارج العائلة المالكة، بعد منحها مبلغ مليون دولار «تعويضاً لها عن فقدانها حقوقها الوراثية».
وفي حسابات المتابعين لشؤون العائلة المالكة اليابانية أنّه في حال زواج كل الأميرات، سيجد هيساهيتو نفسه تحت ضغط شديد مع زوجته لإنجاب ولدٍ يضمن تسلسل الذكور على العرش، كما حصل مع ولي العهد الحالي ناروهيتو الذي عانت زوجته ماساكو من اكتئاب مزمن بسبب ذلك.
ويقول ساداكي نوماتا، النّاطق السابق بلسان وزارة الخارجية اليابانية: إنّ «هذا الوضع يستدعي معالجة سريعة وتوافقاً بين الأحزاب السّياسية لتعديل الدستور من غير انقسامات أو توتر». ويضيف أنّ ثمّة حلاً وسطاً يمكن اللجوء إليه، وهو توسيع تعريف العائلة المالكة الذي قيّده دستور عام 1947 الذي فرضته الولايات المتحدة بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية وألغى 11 فرعاً منها وأسقط حقوقها.
ولكن على الرّغم من التعديلات التشريعية التي اعتُمدت لتسهيل تنازل الإمبراطور الحالي تجاوباً مع رغبته، إذ إنّ الوراثة ليست ملحوظة إلا في حالة الوفاة، وقضت بانطباقها حصراً على آكيهيتو، من المستبعد أن تتجاوب الحكومة الحالية مع الدّعوات لتعديل الدستور الذي يستدعي اقتراحاً تدفع به إلى البرلمان لمناقشته وإقراره. والسّبب هو أنّ رئيس الوزراء الحالي شينزو آبي، ينوي الترشّح لمنصبه مرة ثانية، ويُعرف أنّ إعادة انتخابه مرهونة بدعم الجناح المحافظ في حزبه الذي يعارض بشدة أي تعديل للدستور في هذا الاتجاه، سيّما وأنّ بعض الدّوائر التقليدية النّافذة في أوساط المحافظين تطالب منذ فترة باسترجاع بعض الأحكام الدّستورية السّابقة التي كانت تضع الإمبراطور في موقع «القداسة». ويقول آبي: «إنّ موضوعاً كهذا يمسّ جوهر التقاليد الوطنية، يقتضي معالجة مُترويّة وتوافقاً وطنيّاً قبل الإقدام على أي خطوة»، ويلمّح إلى أنّ من بين الحلول الممكنة «اقتراحاً بإنشاء فروع نسائية للعائلة المالكة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».