تونس تحيي الذكرى الـ60 لرحيل سيدة الطَّرَب البدوي

فرق موسيقية استعادت أغانيها وأعادت توزيع موسيقاها

الفنانة التونسية هند النصراوي
الفنانة التونسية هند النصراوي
TT

تونس تحيي الذكرى الـ60 لرحيل سيدة الطَّرَب البدوي

الفنانة التونسية هند النصراوي
الفنانة التونسية هند النصراوي

أحيت عدة فرق موسيقية تونسية الذكرى الستين لرحيل صليحة، الفنانة التونسية المميزة، بطرق متعدّدة، من بينها استعادة أغانيها وبثها في أكثر من فضاء ثقافي، أو إعادة توزيع موسيقاها التراثية بنغمات أكثر مواكبة للعصر، لاجتذاب محبين جدد لفنها الأصيل. وفي هذا الصدد أعادت الفنانة التونسية هند النصراوي توزيع عدد مهم من الأغاني الناجحة للفنانة التونسية، بما جعل عدداً من الشبان يعيدون اكتشافها؛ خاصة أنّ كثيراً منهم التفتوا منذ سنوات إلى الأغاني الخفيفة، وابتعدوا نسبياً عن الأغاني التراثية ذات الطابع البدوي الأصيل.
وتعدّ الفنانة التونسية صليحة، إحدى علامات الموسيقى التونسية، ويصفها البعض من خبراء الموسيقى والمختصين في الأوساط الموسيقية بـ«أم كلثوم تونس».
ومن ناحيتها، أعادت النصراوي التوزيع الموسيقي لمجموعة من الأغاني التونسية المعروفة، وهي «بالله يا حمد يا خويا»، و«مريض فإني»، و«عرضوني زوز صبايا»، و«ساق (من السياقة) نجعك ساق»، واعتبرت النصراوي أنّ العودة إلى هذه الأغاني يمكن اعتبارها «عنصر تجذر وتمسك بجزء مهم من الهوية الموسيقية التونسية»، وأكدت على أنّ «الفن رسالة حبلى بالمعاني»، على حدّ تعبيرها.
وكانت الفنانة التونسية هند النصراوي قد أعدت عرضاً موسيقياً احتفت فيه بمئوية ميلاد الفنانة التونسية صليحة، التي صادفت سنة 2014. وهي الآن تواصل الاهتمام بتجربتها الفنية الفريدة، وتحيي ذكرى رحيلها التي تعود إلى سنة 1958.
يذكر أنّ الفنانة التونسية الأصيلة صليحة، قدمت إلى العاصمة التونسية خلال عقد العشرينات من القرن الماضي، للعمل كخادمة في بيوت الأثرياء، قبل اكتشاف موهبتها في الغناء وترديد الأغاني البدوية، حتى أن بعض نقاد الموسيقى يقولون عنها إنّها سيدة الغناء في تونس، وهي الوحيدة التي أحبها الأغنياء والفقراء، الحضريون والريفيون على حد سواء.
وتمكنت صليحة بفضل موهبتها الفنية الفذة من النجاح وحصد الإعجاب، خلال عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، لتصبح مطربة تونس الأولى. وحظيت بعناية كبار المؤلفين والملحنين في تونس، من بينهم العربي الكبادي، وأحمد خير الدين، وجلال الدّين النقاش، ومحمد المرزوقي، وخميس الترنان، ومحمد التريكي، واستطاعت خلال مسيرة فنية قاربت 27 سنة أن تترك مكتبة غنائية على غاية من التنوع والثراء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».