بعض المجلات يزدهر رغم أزمة الورق

التخصص والابتكار والدعم الإعلاني من العوامل

مجلات الأزياء والموضة لا تزال تلقى قبولاً من القراء رغم التوسع الإلكتروني
مجلات الأزياء والموضة لا تزال تلقى قبولاً من القراء رغم التوسع الإلكتروني
TT

بعض المجلات يزدهر رغم أزمة الورق

مجلات الأزياء والموضة لا تزال تلقى قبولاً من القراء رغم التوسع الإلكتروني
مجلات الأزياء والموضة لا تزال تلقى قبولاً من القراء رغم التوسع الإلكتروني

تشير أحدث دراسة قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في عام 2017 عن وضع المجلات في العصر الرقمي، إلى أن بعضها يخالف تيار التراجع السائد في الإعلام الورقي ويزداد في مبيعاته. وأكدت أرقام هيئة التحقق من المبيعات (إيه بي سي) هذه الحقيقة، خصوصاً فيما يتعلق بالمجلات الجادة حول الشؤون العامة، مثل «إيكونوميست» و«سبيكتاتور» و«برايفت أي» في بريطانيا. وحافظت بعض المجلات الأخرى عن الموضة والمشاهير والفن على معدلات توزيع جيدة بالتجديد والابتكار في تقديم المواد، واستمرار الدعم الإعلاني لها، لكنها بصفة عامة ما زالت تبيع أقل من معدلات السنوات الماضية.
وهناك أربع مجلات بريطانية على الأقل حققت معدلات نمو جيدة وغير متوقعة بين عامي 2016 و2017، ومنها مجلة «بروسبكت» التي زادت بنسبة 37.2 في المائة إلى أكثر من 44 ألف نسخة، و«سبيكتاتور» التي حققت نسبة نمو سنوي بلغت 11.3 في المائة إلى أكثر من 85 ألف نسخة، و«برايفت أي» الساخرة التي حققت نمواً بلغ 8.6 في المائة إلى ربع مليون نسخة، ومعها أيضاً مجلة «إيكونوميست» التي حققت 5 في المائة نمواً إلى 248 ألف نسخة أسبوعية.
وإلى وقت قريب كانت المجلات الفنية في مرحلة نمو مع الإقبال الشبابي، لكن الأمر تحول بعد استقرار «إنستغرام» وسيلةً سريعة بين الشباب للتعرف على أخبار النجوم ومتابعتهم. ولا يحتاج الشباب إلى تفاصيل كثيرة عن سيرة النجوم، ويفضّلون الأخبار السريعة التي ينتقلون بعدها إلى موضوعات أخرى. لذلك؛ فإن وسائط التواصل الاجتماعي هي أنسب ما تحتاج إليه أخبار النجوم.
وتلجأ المجلات والصحف عموماً إلى وسائل الدفع لقراءة محتواها على الإنترنت (باي وول) كوسيلة لتدبير الدخل اللازم لاستمرارها في زمن تراجع الإنفاق الإعلاني. ويعرف ناشرو المجلات، أن هناك تخمة من الموضوعات على الإنترنت، وهي موضوعات مجانية ومتاحة للقراء. لكن رئيس تحرير مجلة «سبكتاتور» فرايزر نيلسون يحذر أننا في عصر «الأخبار الكاذبة»؛ لذلك فإن الحصول على المعلومات والتحليلات الصحيحة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ويرى نيلسون، أن المجلات التي تستطيع أن تنشر دورياً نوعية أعلى من الكتابة عما هو متاح على الإنترنت سوف تجد من يشتريها. وما زال المسؤولون عن التحرير يجدون صعوبة في تحقيق التوازن بين ما هو منشور ورقياً والمعلومات الرقمية المتاحة.
وهناك الكثير من مدارس الرأي، منها من يرى ضرورة نشر كل المحتوى على الإنترنت مجاناً من أجل ترسيخ قيمة المطبوعة في ذهن القارئ، وبين شرط الدفع قبل القراءة؛ للمحافظة على مستقبل المطبوعة في السوق.
واحتفلت مجلة «فوغ» أخيراً بمرور 125 عاماً على تأسيسها، وأجرت بالمناسبة مقابلة حصرية بالصور مع الممثلة السينمائية جينيفر لورنس. وعلى رغم تراجع «فوغ» في مبيعاتها بنسبة 3 في المائة بين عامي 2016 و2017، فإنها قامت بنشر المقابلة بنصها وبالصور على الإنترنت مجاناً. وكان رأي هيئة التحرير فيها، أن المتاح في السوق من أخبار فنية على الإنترنت يقضي بالمنافسة على قدم المساواة مع المصادر الأخرى؛ حتى يتعزز وجود المطبوعة في السوق.
وتشهد المجلات الجادة التي تهتم بالتحليل العميق لمجريات الأخبار إقبالاً متزايداً عليها، خصوصاً أن القراء الغربيين مشغولون بوقائع جديدة غير معتادة يريدون أن يفهموا أبعادها، مثل «بريكست» والانتخابات المتلاحقة ورئاسة ترمب. أما مجرد سرد الأحداث كأخبار وقعت، كما تفعل معظم الصحف الآن، يجعلها متشابهة كثيراً لما يعرض يومياً على الإنترنت. وفي مجال المجلات الفنية لا بد أن تنشر هذه المجلات ما هو أعمق من مجرد أخبار المشاهير والأثرياء إلى تحليلات ذات قيمة تجذب القراء. وهذه هي المهمة الأساسية لهيئات التحرير فيها.
وتشير الإحصاءات البريطانية إلى أن قطاع المجلات تلقى من ميزانية الإعلانات ما قيمته 877 مليون إسترليني (1.14 مليار دولار) خلال عام 2016، بانخفاض نسبته 6.8 في المائة عن عوائد العام الأسبق. ومن المتوقع أن تقل العوائد بالنسبة نفسها مرة أخرى خلال عام 2018.
وفي الوقت نفسه، زاد إنفاق المجلات على التواجد الرقمي بنسبة 0.2 في المائة خلال الفترة نفسها، ولذلك؛ تسوق المجلات نفسها للمعلنين على أنها المجال الأفضل لزيادة المبيعات عبر التسويق على أكثر من منصة إعلامية - ورقية ورقمية.
ويتم تطبيق نظام جديد لقياس حجم القراء للناشرين بداية من هذا العام يأخذ في الاعتبار قراءة المطبوعة وأيضاً عدد متابعيها على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية والكومبيوتر. وسوف يفيد النظام الجديد، الذي تطبقه وكالات قياس القراء، المجلات لأنه يمنحها منصات إعلامية أقوى من مجرد التواجد على الإنترنت. وسوف يقنع النظام الجديد المعلنين بإعادة النظر وزيادة نسبة الإعلان في المجلات بدلاً من الإعلانات الإلكترونية وحدها.
وترى مؤسسة «بلومبيرغ»، أن القيمة ما زالت مرتبطة بالمحتوى، وتعم هذه القيمة على المجلات أيضاً، وليس فقط على المحتوى الرقمي. لكن المخاوف من استمرار التراجع الإعلاني مستمرة، ويعمّ ذلك على جميع المنافذ الإعلامية بما في ذلك محطات التلفزيون أيضاً.
شهدت المجلات بعض التحولات الجذرية في العام الأخير، منها انتعاش التوزيع في قطاعات السفر والفنون و«لايفستايل»، حيث ما زال البعض يفضل القراءة الفعلية لمجلات ذات صفحات ملونة مصقولة. ويساهم الوجود الرقمي على الإنترنت أحياناً في تشجيع الإقبال على المجلات.
ومع ذلك؛ فالتوقعات أن يستمر القطاع في الاندماج وتقليص عدد المجلات بحيث ينتج من الاندماج شركات أكبر حجماً قادرة على المنافسة والاستمرار في السوق.
وتركز المجلات على تحسين نوعية المواد المنشورة فيها بانتقاء جيد لفرق العمل وبناء الجسور مع القراء. وشهد العام الماضي أيضاً تطور نشر المواد على الأجهزة الجوالة بحيث يكون تنزيل هذه المواد سريعاً، ومعها أيضاً المحتوى الإعلاني. ويستمر هذا التوجه في المستقبل وينجح فيه الناشرون الذين يتميزون بالمرونة وتبني الجديد من أجل البقاء في الأسواق.
ومن وجهة النظر الإعلانية، ترى الكثير من الشركات ذات العلامات التجارية العالمية، أن الاعتبار الأول في السياسة الإعلانية هو ما يسمى «سلامة العلامة». ويعني هذا اختيار وسائل إعلام بعيدة عن شبهات الأخبار الكاذبة والعنف والإرهاب والتطرف وسلبيات الأخبار الأخرى. ولهذا؛ تفضل هذه الشركات المجلات التي قلما تنخرط في تغطية السلبيات السابقة وتركز على أسلوب الحياة العصري، بخلاف الصحف والإنترنت.
ويطلب المعلنون حالياً مطبوعات ذات مواد صحافية ذات قيمة عالية؛ ولذلك فهم يهتمون بالإعلان في المجلات الراقية التي تناسب العملاء المحتملين لمنتجاتهم. وتتبع المجلات الكثير من الاستراتيجيات في عرض المواد الصحافية الجيدة على الإنترنت لقاء اشتراكات. ومنها من يتيح عدداً من المقالات المجانية أولاً قبل طلب الدفع، ومنها من يحجز مقالات بعينها يطلع عليها المشترك دون غيره.
وتلعب نوعية القراء دورها في تعزيز أهمية المجلات، فالمعلن لم يعد يهتم بالأعداد المجردة التي تطلع على إعلاناته، وإنما تحول الاهتمام إلى وصول هذه الإعلانات إلى الشريحة الصحيحة من القراء. وفي هذا تتفوق المجلات على الكثير من المواقع الإلكترونية. وتوجد الآن شبكات إعلانية تضم عشرات المطبوعات والمواقع الإلكترونية تختار من بينها الشركات ما يلائمها، من بينها بالتعامل مع جهة واحدة تعمل مثل حلقة الوصل بين المعلنين والناشرين.
على رغم التوسع الكبير في الإقبال على النشر الإلكتروني وإقبال الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية، فإن المجلات العربية ما زالت تحوز اهتمام شرائح كبيرة من القراء، خصوصاً في المجالات المتخصصة وأسلوب المعيشة العصرية.
ويصبّ هذا في صالح المجلات العربية التي ما زالت تجذب القارئ العربي بنوعية المواد المنشورة وموثوقية المصادر. وهناك الكثير من الأمثلة الناجحة لمجلات مثل «سيدتي» في عصر النشر الإلكتروني. وهي تحتفظ بفئات راقية من القارئات والقراء من ذوي الدخل المرتفع الذين يجذبون معهم قطاعات واسعة من المعلنين.
وشجع نجاح المجلات العربية، على رغم التراجع النسبي في أعداد التوزيع عبر السنين، مجلات عالمية توجهت للنشر باللغة العربية لكي تقتحم الأسواق الإقليمية من ناحيتي القراء والمعلنين. من بين هذه المجلات مؤسسات عالمية مشهورة مثل: «هارفارد بزنس ريفيو»، و«ناشيونال جيوغرافيك»، و«فوربس الشرق الأوسط».
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن تطور عالم بث الأخبار فور وقوعها عبر الإنترنت والتلفزيون وتحليلها في الصحف تحدى فكرة المجلات السياسية العربية الأسبوعية، التي تراجع البعض منها بعد انكماش الإقبال عليها. كما تعاني حالياً المجلات الثقافية العربية من تراجع الإقبال عليها بسبب غياب التمويل وشحة الإعلان وقبول القراء.
وعن توجهات المستقبل، كتب الدكتور مصطفي الفقي، مدير مكتبة الاسكندرية، في صحيفة «الأهرام»: إن «الصحافة الورقية والإلكترونية سوف يمضيان لكي يحتل كل منهما نسبة من اهتمام القراء، وليبقى كلاهما يدعم فيض المعرفة وتدفق الخبر دون توقف أو زوال».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.