«التحالف الثلاثي»... مصالح مشتركة ومتعارضة قد تطيل أمد الصراع السوري

خلافات بين روسيا وتركيا وإيران على طبيعة هوية الدولة المقبلة

أطفال نزحوا مع عائلاتهم من ريف حماة وسط سوريا داخل مدرسة مؤقتة في أطمة شمال سوريا (أ.ف.ب)
أطفال نزحوا مع عائلاتهم من ريف حماة وسط سوريا داخل مدرسة مؤقتة في أطمة شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

«التحالف الثلاثي»... مصالح مشتركة ومتعارضة قد تطيل أمد الصراع السوري

أطفال نزحوا مع عائلاتهم من ريف حماة وسط سوريا داخل مدرسة مؤقتة في أطمة شمال سوريا (أ.ف.ب)
أطفال نزحوا مع عائلاتهم من ريف حماة وسط سوريا داخل مدرسة مؤقتة في أطمة شمال سوريا (أ.ف.ب)

«الفرصة ضائعة» هو التعبير الذي استخدمه ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، في وصف آخر اجتماع تم عقده برعاية كل من إيران وروسيا وتركيا، أو «التحالف الثلاثي» كما يشار إليه بشكل غير رسمي، والذي كان يستهدف تحديد مستقبل الدولة التي مزقتها الحرب. وكان من المتوقع أن يتم الاستماع خلال الاجتماع، الذي انعقد في آستانة؛ عاصمة كازاخستان، إلى ما تم إحرازه من تقدم في صياغة دستور جديد تحت إشراف «التحالف الثلاثي».
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «فارس» عن «مصدر روسي رفيع المستوى» قوله إنه كان هناك أمل في أن تبدأ لجنة صياغة الدستور عملها بحلول نهاية العام الحالي. مع ذلك لا يبدو أن هذا الموعد واقعي. ولم يوضح المصدر الروسي أسباب الإخفاق، لكن تشير التعليقات الإخبارية الواردة في وسائل الإعلام الروسية والتركية والإيرانية، إلى أن خلافاً داخل «التحالف الثلاثي» بشأن عدد من القضايا الرئيسية هو ما حال دون تسليم الأردن نصاً مشتركاً إلى أطراف أخرى منخرطة في العملية، منها حكومة الرئيس بشار الأسد، والمعارضة السورية، والولايات المتحدة الأميركية، والدول العربية. وذكر الموقع الإخباري «تابناك» في طهران: «سوف يحظى نص مشترك تقترحه كل من روسيا وتركيا وإيران بفرصة قبول أطراف أخرى له باعتباره أساساً لصيغة نهائية للدستور».
وتبدأ خلافات أنقرة وموسكو وطهران بالتوصيف الرسمي لمستقبل سوريا، حيث تصرّ أنقرة على أن مصطلح «الجمهورية السورية» كافٍ، في حين تعارض «الجمهورية العربية» في الإشارة إلى سوريا لأنها ترى أن الدولة تتضمن مجموعات عرقية أخرى؛ منها التركمان والأكراد. على الجانب الآخر، ومن قبيل المفارقة، يبدو أن روسيا تفضل اسم «الجمهورية العربية» أملاً في أن تتمكن سوريا المستقبلية المتحالفة مع موسكو من السعي وراء الاضطلاع بدور قيادي في العالم العربي. وتسعى طهران، على الجانب الآخر، إلى إضفاء صفة «إسلامية» إلى «الجمهورية السورية» للإشارة إلى ما سماه «المرشد الأعلى» علي خامنئي «موضع سوريا في جبهة المقاومة».
كذلك عرض الرئيس الإيراني حسن روحاني الوضع السوري في خطابه خلال مؤتمر التقارب بين المذاهب الإسلامية، الذي انعقد في طهران خلال الأسبوع الماضي؛ بوصفه «قضية إسلامية». وصرح أيضاً بأن طهران تعترف الآن بمذهبين من المذاهب الأربعة الخاصة بأهل السنة؛ وهما المذهبان الحنفي والشافعي، اللذان ينتمي إليهما أكثر السوريين، على أنهما النسخة الشرعية للإسلام. لذا لا يمثل طلب إيران وصف سوريا بـ«الجمهورية الإسلامية» محاولة لمدّ النفوذ الشيعي؛ حيث لم يذكر روحاني الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد.
ربما يكون الأهم من ذلك هو تراجع القيادة في طهران عن الضغط في قمّ والنجف من أجل إقناع آيات الله العظمى بالاعتراف بـ«المذهب العلوي» فرعاً من المذهب الشيعي؛ باسم فاطمة، بدلاً من التسمية التقليدية لـ«الغلاة» أو المتطرفين. وقد استقبلت طهران خلال الشهر الماضي عدداً من رجال الدين السنّة السوريين المقربين من الرئيس الأسد لنشر فكرة «سوريا الإسلامية» التي يكون فيها للمذهبين الحنفي والشافعي دور أساسي بارز.

خلاف على شكل الدولة
إلى جانب ذلك؛ اختلف «التحالف الثلاثي» بشأن بنية وتكوين الدولة السورية المستقبلية، حيث ترغب طهران بشدة في دولة موحدة مركز سلطتها في دمشق، في حين تريد أنقرة بنية أقل إحكاماً تتمتع فيها 12 مجموعة دينية وعرقية على الأقل بقدر كبير من الاستقلال والحكم الذاتي في إطار نظام «الملة» الذي أرسته الإمبراطورية العثمانية. من جانبها، تفضل موسكو نظاماً فيدرالياً يعبر عن مصالح الأقلية الكردية وغير قائم على الدين.
من النقاط الخلافية الأخرى، الحق طويل الأجل، الذي منحه الرئيس الأسد لروسيا، لبناء عدد من القواعد الجوية - البحرية على أراضٍ سورية، ويصرّ الرئيس فلاديمير بوتين على أن يتضمن الدستور المستقبلي مادة تؤكد ذلك الحق. مع ذلك؛ تسعى كل من أنقرة وطهران إلى إضافة مادة عامة تسمح لكل من روسيا وتركيا وإيران بالحفاظ على وجودها العسكري في سوريا لفترة زمنية محددة على أساس موافقة لجنة صياغة الدستور السوري المستقبلية.
هناك نقطة خلاف أخرى، بحسب مصادر في أنقرة وطهران وموسكو، تتعلق بوضع القوات التركية والروسية والإيرانية الموجودة بالفعل في سوريا. وقد ذكرت روسيا أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق سلام فسوف تحصر نشاط قواتها داخل القواعد المذكورة، مما سيستدعي خفضاً كبيراً لعددها، في حين تصرّ تركيا على أن يكون أي سحب للقوات مرحلياً وتدريجياً خلال أجل غير مسمى، وأن يكون محكوماً باتفاقيات مع التركمان المحليين، والحلفاء العرب والسوريين لأنقرة.
وتواجه إيران مشكلة مع آلة الحرب الخاصة بها المكونة من 90 ألف فرد في سوريا، وأكثرهم «متطوعون» من لبنان وأفغانستان وباكستان والعراق. من غير المرجح أن ترغب تلك البلدان في عودة هذا العدد الضخم من المقاتلين الموسميين. ويمثل استقبالهم في إيران ذاتها إشكالية نظراً للمعارضة الداخلية القوية لذلك، ومخاطر دمج عشرات الآلاف من المقاتلين المحترفين.

انتداب غير رسمي
من الواضح أنه تمت صياغة البيان الختامي المكون من 15 نقطة لاجتماع آستانة؛ بحيث يرسخ «التحالف الثلاثي» بوصفه سلطة معترفاً بها دولياً في الشأن السوري، دون التمادي وإعلان الانتداب على الدولة. ويحاول البيان الختامي تهيئة الرأي العام العالمي لمثل ذلك الانتداب من خلال المطالبة بدور قيادي لما يسميه «مركز تنسيق ثلاثي إيراني - روسي - تركي». وقال المحلل حميد زمردي: «هدف بوتين هو أن تكون له الكلمة النهائية في الشأن السوري دون مطالبته بتسديد فاتورة إعادة الإعمار. ويطالب البيان الختامي لـ(آستانة)، خصوصاً بنده الأول، باعتراف الأمم المتحدة بهذا الانتداب غير الرسمي».
مع ذلك؛ من غير المرجح أن تدعم الأمم المتحدة مثل هذا الوضع، فربما تضطلع بدور قيادي خلال فترة انتقالية محددة بتعيين منسق خاص يحظى بدعم واضح وصريح من مجلس الأمن، بل والاتحاد الأوروبي إن لزم الأمر.
في كل الأحوال؛ تعمقت الانقسامات والخلافات بشأن مستقبل سوريا داخل «التحالف الثلاثي»، مع شك إيران في احتمال قيام كل من تركيا وروسيا بإبرام اتفاقات منفصلة دون إشراكها في الأمر. في الوقت ذاته، تشك تركيا في قيام إيران بالتخطيط لدسّ أنفها في الشأن السوري من خلال حلفائها في العراق. ومن جانبها تسعى روسيا نحو إقامة شراكة مع الاتحاد الأوروبي في خطة طموحة لإعادة إعمار سوريا، وتسهيل عودة اللاجئين بأعداد كبيرة، ويتطلب ذلك تقليص وتحجيم كبير لدور كل من تركيا وإيران.
وقد دقّ موقع «راجا» الإخباري في طهران، مؤخرا، ناقوس الخطر بشأن ما يراه الإيرانيون «نفاق وازدواجية روسيا» بشأن سوريا. وأشار الموقع على سبيل المثال إلى اجتماع سوتشي بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي تم إقصاء إيران عنه.
يتضمن الوضع السوري عجلات بداخلها عجلات تعبر عن مصالح مشتركة ومتعارضة في الوقت ذاته، وهذا ما يحول دون وضع نهاية وحدّ لهذه المأساة.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.