توصف أشعة غاما بأنها واحدة من أقوى الأشعة المهرومغناطيسية وأخطرها، إذ إنها تحمل شحنة كهربائية يمكنها اختراق كتلة سميكة من الحديد، وكذلك هي تحمل طاقة عالية، وتندفع بسرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية).
ورغم هذه الخصائص التدميرية لتلك الأشعة، التي تنتج بشكل طبيعي من التفاعلات النووية القوية، كالتي تحدث داخل النجوم وتحمينا من أضرارها طبقة الأوزون، فإن هذه الأشعة التي تنتج أيضا من التفاعلات النووية، يمكن توظيفها لخير البشرية، وفق كثير من التطبيقات.
تعتمد التطبيقات السلمية المفيدة لتلك الأشعة الخطيرة على تصميم جرعات بسيطة منها يمكن أن تكون مفيدة في مجالات مثل الصناعات الغذائية، كتعقيم معلبات الأغذية، والطب عن طريق استخدامها في تعقيم خيوط العمليات الجراحية، وإدخالها في أجهزة العلاج الإشعاعي لتدمير الخلايا السرطانية.
تآكل التربة
الموقع الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلن أخيراً، أنها سلمت مصر أجهزة تمكن من استخدام هذه الأشعة في مراقبة تآكل التربة، وهي المشكلة التي قدر تقرير الوكالة أنها أثرت على إنتاجية التربة في معظم منطقة شمال شرقي دلتا النيل في مصر، لتنخفض بنسبة تزيد عن 45 في المائة خلال السنوات الـ35 الماضية.
ويعد إعلان تسليم الأجهزة لمصر في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، هو النشاط الأحدث في مشروع تتبناه هيئة الطاقة الذرية بالتعاون مع منظمة الفاو لتوظيف أشعة غاما في مراقبة تآكل التربة، لمحاصرة هذه المشكلة التي تخرج ما يزيد على 36 مليار طن من التربة الخصبة سنويا حول العالم.
ويقول الدكتور محمد السيد، أستاذ الفيزياء الحيوية بكلية العلوم جامعة أسيوط المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «خلال تجارب الأسلحة النووية التي جرت بين خمسينات وستينات القرن الماضي تم إطلاق كميات من نظير (السيزيوم 137) المشع في الجو، يضاف إليها ما أطلق حديثا بعد حادثتي تشرنوبيل وفوكوشيما، ووجد أن هذا النظير يلتصق بجزيئات التربة عندما يحتك بها، بحيث لا ينجر ولا يمكن امتصاصه من النباتات، واستنتجوا من ذلك أن التغيرات في مخزون (السيزيوم 137) هي مؤشر جيد على التآكل».
ولتحليل محتوى «السيزيوم 137»، يأتي دور أشعة غاما؛ حيث تستخدم طريقة تعرف بقياس أطياف الأشعة غاما، تحدد مستوى النشاط الإشعاعي، كما يؤكد الدكتور السيد.
ويشرح الموقع الإلكتروني للوكالة الدولية للطاقة الذرية كيفية تطبيق هذه الطريقة؛ حيث يوضع نظير «السيزيوم 137» في المواقع التي يستخدمها الفلاح، ومواقع مرجعية لم تشهد أي نشاط زراعي، ثم تستخدم أشعة غاما لتقدير محتوى «السيزيوم 137» في الموقعين، فإذا كان أقل من المحتوى الموجود في الموقع المرجعي، فهذا مؤشر على التآكل.
ويوضح الموقع أن هذه الطريقة تساعد في الحصول على معلومات سريعة حول نسب تآكل التربة، بما يُمكن متخذ القرار من التعامل سريعاً مع هذه المشكلة، التي يحتاج رصدها بالطرق التقليدية تكلفة باهظة وعملاً كثيفاً.
وبإعلان انضمام مصر للدول التي ستستخدم هذه الطريقة في تشخيص مرض تآكل التربة، يكون عدد الدول التي تستخدم التطبيقات النووية في هذا النشاط 72 دولة.
تجربة مغربية ناجحة
وتشير تقارير نشرها الموقع لتجارب ناجحة. منها التجربة المغربية؛ حيث تعاني المغرب من هذه المشكلة التي تفقدها أكثر من 100 مليون طن من التربة كل عام.
وتعاون علماء مغاربة من المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، مع العلماء من الوكالة الدولة للطاقة الذرية، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)؛ لتحديد المناطق المعرضة للتآكل وتقييم فعالية سبل الحفظ المختلفة، باستخدام أشعة غاما.
يقول منصف بن منصور، رئيس شعبة المياه والتربة والمناخ في المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، في تقرير نشره موقع الوكالة، إنهم نجحوا في خفض كميات فقدان التربة في منطقة طنجة – تطوان، بنسبة 40 في المائة ونحو 60 في المائة في منطقة الدار البيضاء - سطات.
وتظهر مشكلة تآكل التربة بشكل أكبر في الأراضي المنحدرة، ففي فيتنام، التي تبلغ مساحة الأراضي المنحدرة بها ما يقرب من 3 أرباع أراضي البلاد، تمثل مشكلة تآكل التربة بالنسبة لها تحدياً رئيسياً.
وتكمن مشكلة الأراضي المنحدرة في أن التربة بها، يجب أن تتحمل قوة جاذبية أكبر. الأمر الذي يجعل جرف الأمطار لها أمراً أكثر سهولة. ونفذت منظمة الأغذية والزراعة والوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروعاً تجريبياً مشتركاً في إقليم لام دونغ في فيتنام لقياس معدلات تآكل التربة باستخدام التقنيات النووية في 27 موقعاً. ونجح الخبراء في تقليص تآكل التربة في الإقليم بنسبة 45 في المائة.