عودة «بوكو حرام»

تنظيم «أنصارو» يجدد الإرهاب بغرب أفريقيا

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

عودة «بوكو حرام»

نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
نساء نيجيريات يتفقدن بقايا سوق شعبية تعرضت لهجوم من عناصر «بوكو حرام» في ميديغوري سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عاد بقوة تنظيم «الدولة بغرب أفريقيا» المعروف بحركة «بوكو حرام» إلى الواجهة. فقد قتل نحو 100 جندي نيجيري في هجمات نفذها مقاتلو هذا التنظيم الإرهابي، في النصف الثاني من هذا الشهر، نوفمبر (تشرين الثاني) 2018؛ حسب ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمها. ويأتي ذلك في سياق المواجهات اليومية العنيفة، التي يستعمل فيها الطرفان الأسلحة المتوسطة، والثقيلة؛ كما أدت الهجمات الأخيرة، للتنظيم الإرهابي إلى مقتل أكثر من 150 من المدنيين، 56 منهم سقطوا في الأيام الأخيرة. وقد دفع هذا الوضع الأمني المتردي، مجلس الشيوخ النيجيري إلى تعليق عقد جلسته؛ خاصة بعد مصرع نحو 44 جنديا، في هجوم في ميتيل، في ولاية بورنو بشمال شرقي البلاد.
ويتمركز التنظيم الإرهابي في الولايات الشمالية النيجيرية، يوبي، وكانو، وباوتشي، وبورنو، وكادونا، ويعرف نفسه بأنه حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». وقد خلف نشاطه المتنامي منذ 2002، أزمة سياسية وإنسانية في البلاد. ووفق عدة تقارير دولية فإن العمليات الإرهابية لـ«بوكو حرام» أسفرت عن أكثر من 20 ألف قتيل، ومليونين من المشردين؛ كما أن هذه العمليات يتّمت أكثر من 52.311 طفلا، ورمّلت أكثر من 54.911 امرأة. أما الخسائر المادية، إلى حدود 2017، فقد بلغت أكثر من 9 مليارات دولار.
وتأتي عودة التنظيم بهذه القوة، لتؤكد تجاوزه للصعوبات التنظيمية التي عاشها في الفترة الممتدة بين 2015 - 2017؛ والتي أثرت بشكل كبير على نشاط التنظيم مما أدى لتراجع مهم في عدد عملياته الإرهابية. فقد كان لتدخل البغدادي دور حاسم في إقالة الزعيم السابق للتنظيم، أبو بكر شيكاو؛ مما أدى لأزمة تنظيمية بين هذا الأخير والأمير الجديد، أبو مصعب البرناوي. ورغم هذه الأزمة الداخلية، فإن التنظيم، استطاع الخروج منها بعد اقتتال داخلي، غير حاد؛ بل إن جناحي التنظيم، يتعاونان بشكل كبير على الحدود، رغم استمرار الخلاف بينهما، خاصة فيما يتعلق بالجانب الآيديولوجي المسوغ لارتكاب أعمال وحشية ضد المدنيين.
ومن المؤشرات الدالة على العودة القوية للتنظيم في النصف الثاني من سنة 2018؛ توسع عمليات الخطف والهجوم على القواعد العسكرية للجيش النيجيري.
ومن عمليات الخطف التي مست قوات الجيش النيجري؛ تلك التي وقعت في الأسبوع الأول من نوفمبر، حيث تم خطف 16 جنديا نيجيريا في هجوم شنّته بوكو حرام ضد ثكنة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد منتصف نوفمبر الحالي، كما أسفر هذا الهجوم عن قتل 15 جنديا من قوة التدخل الإقليمية، المتعاونة مع الجيش الرسمي.
كما خطف مقاتلو «بوكو حرام»، نحو 50 من الحطابين في شمال شرقي نيجيريا بالقرب من الحدود مع الكاميرون. وقد أوضح زعماء لميليشيا محلية والسكان المدنيون لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرهائن هم في الغالب من النازحين بسبب العنف «الجهادي»؛ وأنهم اختطفوا من قبل مقاتلين موالين لزعيم فصيل أبو بكر شكاو، أثناء جمعهم للخشب يوم السبت 17/ 11/ 2018.
من جهة ثانية، هاجم مسلحو «بوكو حرام» قاعدة عسكرية في شمال شرقي البلاد في ولاية بورنو؛ مستعملين صواريخ مضادة للطائرات، مما أدى لمقتل جندي وجرح أربعة آخرين. وفي هذا السياق الدموي الذي فرضه التنظيم الإرهابي على الشمال النيجري. شنت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية يوم 14 يوليو (تموز) 2018 هجوما على قاعدة عسكرية، تضم نحو 700 جندي في ولاية يوبي، القريبة من حدود النيجر، شمال شرقي البلاد؛ ورغم أن السلطات الرسمية لم تعلن أي حصيلة رسمية فإن وكالة الصحافة الفرنسية، اعتمادا على مصدر عسكري قالت إن 31 من أفراد الجيش من بينهم 3 ضباط قتلوا في الهجوم، فيما جرح 24 آخرون. كما أسفر الهجوم الإرهابي عن مقتل عنصرين من الميليشيات المحلية، المتعاونة مع الجيش.
وبعد أسبوع فقط، على العملية التي أدت إلى قتل أكثر من 31 من أفراد الجيش؛ سقط عدد كبير من القتلى، على إثر هجوم شنه مسلحون من «بوكو حرام»، على بلدة شمال شرقي نيجيريا على الجنود النيجيريين والسكان بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ويقدر عدد ضحايا هذه العملية على غودومبالي في منطقة غوزامالا ولاية بورنو، بعشرات القتلى بين المدنيين والعسكريين. وقال أحد السكان المحليين لوكالة «رويترز» للأنباء، إن «كثيرا من المدنيين لقوا مصرعهم، وحتى الآن لا نعرف عدد القتلى والآلاف غادروا منازلهم» بسبب الهجوم.
من جهة أخرى، أدت سلسلة الهجمات الأخيرة لفرع تنظيم داعش بنيجيريا إلى مقتل 12 فلاحا، صباح اليوم السبت 20/ 10/ 2018، بطريقة وحشية. حيث تعرضوا للذبح بالمناجل، من طرف مقاتلي التنظيم المتطرف، الذين استعملوا شاحنات للنقل للوصول لقرية كاله؛ على بعد نحو 20 كيلومترا عن مدينة مايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو (شمال شرقي البلاد)، التي كانت مسرحا للجريمة.
وتساعد عدة عوامل سياسية واقتصادية وعرقية، على استمرار موجات العنف الديني والعرقي بنيجيريا. ذلك أن التنوع التقليدي والصراع السياسي في نيجيريا يتخذ طابعا عرقيا وقبليا، بين الهوسا المسلمة والإيبو واليوروبا المسيحية. وهذا الصراع شهد منذ ثمانينات القرن العشرين، تحولا مهما، حيث انطلق من التنظيم داخل الجامعات وتكتلات الطلاب بالمجموعات التي أطلق عليها «الطقوس السرية»، التي تأسست سنة 1984، لينتشر في الوسط النخبوي. وبذلك يصبح العنف الديني العرقي من مظاهر الصراع المستمر حول السلطة.
و هكذا وصلت دائرة العنف هذه إلى الجيش، حيث قاد جنرالات من قبائل الهوسا، والإيبو واليوروبا، انقلابات عسكرية متبادلة لفترة زمنية طويلة، ما زالت نتائجها مؤثرة على النسيج الاجتماعي، رغم التداول السلمي للسلطة القائم حاليا. ذلك أن الصراع العنيف، وتشعبه وتداخله بما هو ديني؛ أدى لظهور حركة دينية بزعامة «محمد مروة» أو «محمد يوسف». وترفض الحركة التعليم الحديث والغربي، وأنشأت عدة مدارس قرآنية للتعليم العتيق. كما قامت بأعمال إرهابية أدت لمقتل الآلاف من النيجيريين؛ مما جعل القيادات الدينية بالبلد تقف ضدها، وتعتبرها حركة غير مسلمة، وتصنفها بكونها مجموعة إرهابية.
وعليه يمكن التأكيد على أن الأوضاع الداخلية، هي العامل الرئيسي في ظهور تنظيم محمد يوسف واكتسابه لشعبيته. كما أن تعامل الجيش القاسي مع هذه الحركة سنة 2009، وإعدامها بشكل غير قانوني لزعيم التنظيم، زاد من شعبيته وسط عرقية الهوسا؛ خاصة مع تزايد إهمال الشمال النيجيري من الحكومات المتعاقبة. وهكذا وجد الزعيم المؤسس محمد يوسف، وأبو بكر شيكاو، ومنافسه أبو مصعب البرناوي؛ منطقة الشمال ملاذا لدعوتهم الدينية والعرقية العنيفة. كما وجدوا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية معينا لجلب الأنصار؛ خاصة أن الشمال أكثر تأثرا بالبطالة وضعف أو انعدام التعليم، وانتشارا للفساد في الأوساط الحكومية.
وقد أشارت بعض التقارير الدولية، إلى وجود ظاهرة الأموال المموهة، التي تتعلق بالقطاع الأمني؛ غير أن مسار هذه الأموال التي توضع في «صناديق سرية»، يسهل التلاعب بها، وصرفها بشكل غير قانوني، عوض استغلالها في تحقيق الأمن والتنمية بالبلاد. وأكدت منظمة الشفافية الدولية، أن هذه الصناديق وطريقة اشتغالها، تشكل في الواقع «شكلا من الفساد التاريخي في نيجيريا»، لأنها يلفها الغموض. كما أضافت المنظمة الدولية، أن «الفساد في قطاع الدفاع والأمن الأساسي، يعود بالفائدة على الذين يزرعون بذور عدم الاستقرار والرعب».
ويبدو أن هذا الوضع العام يساعد أبو مصعب البرناوي، ويسهل من مأموريته في زعزعة الاستقرار النيجيري. وظل البرناوي متحدثا باسم تنظيم «بوكو حرام» حتى سنة 2013، حيث انشق عن التنظيم الأم ليؤسس حركة جديدة باسم «أنصارو» أي الأنصار. ويعتقد كثير من الباحثين أن الزعيم الجديد هو ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد». ويتميز الابن عن أبو بكر شيكاو، بدعوته لتجنب المواجهة المفتوحة مع المجتمع المسلم والمسيحي. حيث يتبنى البرناوي حصر المواجهة العسكرية في القوات المسلحة وقوى الأمن والميليشيات التابعة لها. وتمكن حاليا من نقل نشاطه لشمال شرقي نيجيريا. في الوقت الذي لا يزال شيكاو يعتبر المجتمع غير الموالي لتنظيمه هدفا لأعماله الإرهابية.
ورغم هذا «التقدم» في الرؤية الآيديولوجية، فإن تنظيم «أنصارو»، هو الممثل الرسمي لـ«داعش» منذ 2015؛ وهو ما يوحي بأن التنظيم يعمل على التكيف مع الظروف المحلية، وتجاوز السخط الشعبي للعمليات العشوائية التي يدفع فيها شيكاو، الأطفال والنساء للقيام بالعمليات الانتحارية، كما أن البرناوي يحرص على استعمال لغة عرقية الهاوسة، في خطبه المنبرية والإعلامية.
كما يحرص على التواصل مع بعض النخب التقليدية السياسية والاقتصادية بشمال نيجيريا؛ التي تدعو الحكومة منذ سنوات لفتح قنوات الحوار مع التنظيم. عملت الجماعة كذلك على تنويع مصادرها المالية، حيث تفرض الضرائب، في المناطق التي تسيطر عليها، وتعمل على التعامل التجاري والتشابك مع منظمات الجريمة والعنف الإجرامي؛ كما تركز جهود التنظيم على الخطف، والاستيلاء على قطعان الماشية، وفرض الضرائب في المناطق المسيطر عليها، بالإضافة إلى السطو على البنوك.
وفيما يخص الفدية، تتحدث بعض التقارير الدولية، عن حصول الجماعة على أكثر من 10 ملايين دولار من عمليات الاختطاف والفدية إلى حدود 2018.
ويبدو أن تطور حركة «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» وميلاد جماعة «أنصارو» بنيجيريا، محكوم بعوامل داخلية معقدة، تتقاطع مع النفوذ الدولي داخل البلد. فإذا كانت الاختلافات الدينية والعرقية تربة خصبة للعنف بأفريقيا؛ فإن نيجيريا بحكم ثروتها النفطية الكبيرة، تشهد فوق ذلك، صراعا دوليا على ثروتها. الشيء الذي يعزز من نفوذ الجيش في السياسة، ويغيب العدالة المجالية، والحوكمة الرشيدة. وكلها عوامل مستنبتة للإرهاب، وأنواع مختلفة من العنف المتشابك مع الجريمة الدولية.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.